لا تعد تجارة المخدرات بالأمر الجديد في الشرق الأوسط، لكن العقد الأخير من الصراع أزاح الستار عن تحديات استثنائية، ففي عام 2021 وحده، تمت مصادرة 250 مليون حبة مخدرة، وتساوي تلك الكمية 18 ضعف الكمية التي تم مصادرتها قبل أربع سنوات فقط.
وأصبحت سوريا النقطة المحورية لتصنيع المخدرات وتصديرها إلى دول المنطقة، تحت قيادة بشار الأسد. وقد تم توثيق علاقات نظام الأسد بتجارة المخدرات بصورة معتمدة ولا توجد مساعي لإخفاء تلك العلاقة، وذلك هو ما يفسر سبب عدم بذل النظام جهد كافي لقمع تجارة المخدرات المزدهرة على أراضيه. وبالإضافة إلى جني المكاسب المالية من تجارة المخدرات، يستخدم الأسد المخدرات كورقة مفاوضات إستراتيجية ضد خصومه الإقليميين.
وبدأت الجماعات المسلحة في سوريا في صناعة المخدرات منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، ولكن لم تزدهر تلك الأنشطة غير الشرعية إلا بعد تمدد النظام، وبلغ ذلك التمدد ذروته في صيف 2018، وبالإضافة إلى طرد خصومه من غالبية سوريا، سمح انتصار الأسد له بإحكام قبضته على معظم المناطق الحدودية، مثل الحدود المشتركة مع لبنان والأردن والعراق، والتي أصبحت منصات لتهريب المخدرات من سوريا.
وقد حوّل التغير الإقليمي سوريا إلى مركز لبيع المخدرات وأصبحت الآن بؤرة عالمية لإنتاج الكبتاجون، ويعد الكبتاجون منبه له خصائص مسببة للإدمان، ويستخدم للترفيه والمتعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولذلك النوع من المخدرات القدرة على تعزيز الشجاعة والطاقة، وذلك يفسر سبب تسميته أيضًا باسم “كوكايين الرجل الفقير”. ونتيجة للدعم غير السري من نظام الأسد، أصبح الكبتاجون الآن المخدر الأكثر إنتاجاً وتكيفًا، والأكثر تطورًا تقنيًا من أي وقت مضى. وحتى إن إخفاء شحنات المخدرات القادمة من سوريا إلى دول أخرى في المنطقة أصبحت أكثر تعقيدًا وحنكة بصورة كبيرة.
وما كان للانتعاش في مجال صناعة الكبتاجون أن يحصل لولا حماية الدولة، وهو ما يتضح من خلال مشاركة شخصيات وشبكات رئيسية في النظام، وعلى رأسها الفرقة الرابع مدرع في الجيش السوري، وهي وحدة النخبة التي يقودها ماهر الأسد، وهو الأخ الأصغر للرئيس وأحد أقوى الرجال في سوريا. وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا عن دور الفرقة الرابعة في تجارة المخدرات، وتلك الفرقة هي المسؤولة عن الحدود مع لبنان والأردن، وهما نقاط التصدير الأساسية لحبوب الكبتاجون المصنعة في سوريا، كما تشرف الفرقة الرابعة على شبكة من نقاط التفتيش عبر مناطق سيطرة النظام، والتي تمكنها من توفير حماية حيوية لمصانع الكبتاجون وتسهيل حركة المخدرات في جميع أنحاء البلاد.
كما أن العديد من أقارب الرئيس السوري متورطون بشكل كبير في تلك الأعمال غير المشروعة، بما في ذلك سامر الأسد، على الرغم من كونه ابن عم بعيد لبشار، ويُقال إن سامر يشرف على غالبية إنتاج الكبتاجون حول مدينة اللاذقية ويمتلك قدر عال من التأثير على التهريب في جميع أنحاء المنطقة الساحلية السورية، كما أن مصنع الكبتاجون الذي يملكه في قرية الباسة جنوب اللاذقية، والذي يتخفى في صورة شركة مصنعة لمواد التغليف اصبح سرا يعرفه الجميع.
ويعتقد العديد من المحللين أن الأرباح الناتجة عن تصنيع المخدرات وتصديرها أصبحت مصدر دخل هام للحكومة السورية التي تعاني من ضائقة مالية، وفقًا لتقديرات مختلفة، فإن القيمة السوقية للمخدرات السورية التي تم ضبطها، والتي تشكل جزءًا بسيطًا من المبلغ الإجمالي، بلغت حوالي 3.4 مليار دولار في عام 2020، كما أن وضع الأقارب والمقربين الآخرين في مناصب السلطة على تجارة المخدرات هو شهادة على مدى قيمة تجارة المخدرات للنظام.
كما أن لهذا الشأن بُعد جيوسياسي، حيث أصبحت المخدرات ورقة مساومة مهمة للنظام مع الدول الأخرى، على سبيل المثال، قد يستخدم النظام المخدرات للضغط على الدول لإعادة العلاقات مع دمشق مقابل تقليص تدفق المخدرات أو تحويلها إلى دول أخرى، وفي الماضي، مهد الأسد الطريق بمهارة للهجمات الجهادية في العراق ولبنان لتحقيق مطالبه. واستخدم الأسد نفس الاستراتيجية مرة أخرى في سوريا خلال الصراع المستمر لإجبار الدول المتنافسة على التراجع عن دعم خصومه، وتُظهر هذه الحوادث الموثقة جيدًا أن مثل هذه التكتيكات ليست غريبة على النظام السوري.
وأكثر دول المنطقة معاناة من المخدرات السورية هما الأردن والسعودية، ولكن دولًا أخرى في المنطقة وأوروبا تواجه نفس القدر من التحديات، وفي حين أن بعض هذه الحكومات قد تميل إلى الخضوع لمطالب الأسد لحماية سكانها من خطر المخدرات، لكن عليها العلم أنه لا توجد أي ضمانات على التزام النظام بأي اتفاق مبرم، والدليل على ذلك هو أن جهود التطبيع التي قامت بها المملكة الأردنية مع النظام فشلت في كبح تهريب المخدرات إلى أراضيها.
ومن المرجح استمرارية النظام في الحصول على الامتيازات التي تقدمها له تجارة المخدرات دون ردع أقارب الأسد وشركائه الذين يديرون إمبراطورية المخدرات الناشئة في البلاد، ويجب على تلك البلدان المتأثرة أن تتحد وتجد حلاً أكثر موثوقية لمكافحة المخدرات في سوريا بدلاً من الاستسلام، ومن المحتمل أن يبدأ ذلك من الداخل.
الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”