تواجه الصحافة الكثير من المخاطر في تركيا، حيث أصبح هذا البلد معروف بصحافيه ومراسليه القابعين خلف القضبان أكثر من معرفة العالم بجودة تقاريرهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الصحفيات التركيات، اللواتي دافعن في السابق عن حرية الإعلام التركي، هن الآن في مرمى النيران، سواء من التحيز المؤسسي ضدهن إلى سياسات الحكومة القمعية المتعلقة بالنوع أو الجنس، وقد صار عمل المرأة في قطاع الأخبار التركية بمثابة عمل شاق ومكلف في كثير من الأحيان.

وكان الوضع مختلف قبل عامين، ففي شهر ديسمبر من عام 2020، ظهرت النسخة التركية من “مدام فيجارو” بعنوان “نساء مدافعات من الطبقة الرابعة” – وهي عبارة عن خمس صحفيات ناجحات كن يقاتلن قوى الظلام في قطاع الصحافة، ولم يقتصر الأمر على إيجاد هؤلاء النساء موضع قدم لأنفسهن في النظام الإعلامي المتعصب للذكور في تركيا، بل أنهن نشرن وجهات نظر انتقادية على الرغم من اتساع نطاق الرقابة الذي نال زخم تشريعي كبير بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016.

والآن في عام 2022، يبدو أن ثلاثة على الأقل من ضمن “حماة الصحافة الخمسة” قد أصبحن ضحايا حرب تركيا على الصحافة.

وقد تم اعتقال الصحفية والإعلامية التلفزيونية السيدة “سيف كاباش” في الشهر الماضي بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهي أول تركية تم تعيينها من قبل شبكة الأخبار الدولية “سي إن إن”، وكانت جريمتها هي قراءة مثل عن ثور وقصر وحظيرة على شاشة التلفزيون. وباستعراض غير متناسب للقوة، تم مداهمة منزلها في الساعة 2 صباحًا وتم احتجازها، وطالب المدعي العام بسجنها 11 عاما، وبعد الاعتقال المفاجئ، تكلمت السيدة” “أوزليم غورسيس” وهي الزميلة في جريدة “مدام فيغارو” على وسائل التواصل الاجتماعي، حول الاعتقال، متأسفة على مصير زميلتها.

وتركت كل واحدة من النساء الثلاث الأخريات اللواتي ظهرن على غلاف “مدام فيغارو” مناصبهن منذ أخذ تلك الصورة، حيث فقدت السيدة “أهو أوزيورت” وظيفتها في “تي في 100” في حملة عزل للموظفين وهي خريجة كلية كولومبيا للصحافة ولديها أكثر من 30 عامًا من الخبرة في مجال الأخبار. وتركت “تولوهان تيكيلي أوغل” عملها كمذيعة تلفزيونية لتتحول إلى صناعة الأفلام الوثائقية، وحتى “إسراء أيسان” رئيسة تحرير مجلة “مدام فيغارو” والتي جمعت النساء معًا، تركت المجلة.

وكتبت “غورسيس” على إنستغرام اشعر أن “قلبي محطم”، “كلنا نساء متعلمات، ذكيات، ونتمتع بضمير حي، ومجتهدات، وقويات، وكان من المفترض أن تكون النتيجة مختلفة عما هي عليه “.

وحتى في البلدان الأكثر تحررًا، لا تنال المرأة التمثيل الكافي، كما تتقاضى أجرًا منخفضًا في عالم الإعلام، لا سيما في المناصب التنفيذية. ففي الولايات المتحدة، يشغل الرجال 73 بالمائة من وظائف الإدارة العليا في قطاع الإعلام. ويبدو من الصعب سد الفجوة بين الجنسين في المستويات العليا للصحافة الليبرالية، ففي نيويورك تايمز، على سبيل المثال، اثنان من كل ثلاث مقالات تُكتب عن طريق الرجال.

وقد تفاعلت وسائل الإعلام الغربية مع فكرة المديرات التنفيذيات بعد حركة “أنا أيضا (هاشتاج)”، فعلى مدى تاريخها الممتد لـ 131 عامًا عينت “جريدة فاينانشال تايمز في عام 2019، أول رئيسة تحرير لها وهي السيدة “رولا خلف”. وفي عام 2015، كسرت “كاثرين فاينر” السقف الزجاجي لصحيفة الغارديان الصادرة من قبل 194 عامًا، وأصبحت زاني مينتون بيدوز أول محررة في مجلة الإيكونوميست منذ 170 عامًا. فإذا استغرق الأمر كل تلك السنين لتصعد النساء في الغرب إلى أعلى درجات السلم الإعلامي، فكيف يمكن للمرء أن يتوقع أن تصل الصحفيات التركيات إلى تلك المرتبة في وقت أقرب؟

ومع ذلك، فإن التحديات القائمة على الفروق بين الجنسين والتي يجب على الصحفيين الأتراك التعامل معها بالغة الصعوبة، ووفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي تحتل تركيا المرتبة 133 من بين 156 دولة في المساواة بين الجنسين، وتشكل النساء أقل من ثلث القوى العاملة في تركيا. وقد انتهج الرئيس أردوغان سياسات أثارت غضب الناشطين في مجال حقوق المرأة والمحامين والسياسيين المعارضين، حيث قال إن المرأة لا تساوي الرجل واتهم أعضاء الحركات النسائية برفض الأمومة، وفي العام الماضي، ألغى تصديق تركيا على اتفاقية إسطنبول بشأن العنف ضد المرأة، في خضوع منه لضغوط المتشددين.

وعكس ذلك نفسه سلباً على المرأة في قطاع الإعلام في تركيا، ففي عام 2014، وجدت وكالة أنباء “بيانيت” أن 90 في المائة من رؤساء تحرير الصحف كانوا رجالًا، وأن 16 في المائة فقط من مديري غرف الأخبار كانوا من النساء، كما كشف التحليل الإضافي الذي أجراه “يونس أردوران” و” ديليك إكتن” في عام 2020 لصالح جمعية البحوث الإعلامية (ميدر) عن أن 20 في المائة من الموظفين في وسائل الإعلام المطبوعة، و16 في المائة في التلفزيون، هم من النساء. علاوة على ذلك، وجد استطلاع أجري في فبراير 2018 من لجنة اتحاد الصحفيين للمرأة التركية والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والخناثى أن ستة من كل 10 صحفيات يتعرضن للتمييز بسبب جنسهن، ويعتقد أكثر من 55 في المئة أنهن ضحايا لعدم المساواة في الأجور.

ومن الواضح أن القادة في تركيا غير مهتمون بتغيير الوضع الراهن، فقبل أشهر من الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، صنف تقرير أعده تحالف المرأة في الصحافة (سي أف دبليو أي جي) تركيا في المرتبة الأولى في العالم من حيث العنف ضد الصحفيات. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن منظمة (سي أف دبليو أي جي) وجدت ارتفاعًا بنسبة 158٪ في عنف الشرطة ضد المرأة في نشرة الأخبار، وهي زيادة مروعة لا يمكن فهمها إلا مع فرضية استهداف الدولة للصحفيات عمداً.

وقد أصبحت المضايقات المقننة والترهيب من قبل الدولة من المخاطر اليومية للصحفيين في تركيا، وفي عام 2021 كان 18 صحفيًا خلف القضبان و(انخفضً ذلك العدد من 84 في عام 2016) وتعتبر “سيف كاباش” من أحدث ضحايا الدولة، وموقف الحكومة واضح ويتلخص في التالي: الصحفيون الذين يتحدثون عن آرائهم ليس لديهم مكان في تركيا اليوم، والعقاب يتضاعف عندما يكون الصحفيون من النساء.

 

تعمل الكسندرا دي كريمر كصحفية في إسطنبول، كما عملت كمراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة ميلييت عن الربيع العربي من بيروت، وتتراوح أعمالها ما بين القضايا الحالية إلى القضايا الثقافية، وقد ظهرت في مونوكل وكارير ماقزين  وميسن فرانسسكو وأخبار الفن في إسطنبول.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: