بينما يركز العالم على الحرب في أوكرانيا، انشغلت الصين بإقامة علاقات دبلوماسية مع دول الجوار، لا سيما جنوب آسيا. فخلال آخر 10 أيام في مارس، زار وزير الخارجية الصيني وانغ وي باكستان وأفغانستان والهند ونيبال، وحضر اجتماع مجلس وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي، واستضاف سلسلة من المؤتمرات الدولية في أفغانستان.

كانت رحلة وانغ إلى الهند تحديدًا لافتة للنظر؛ فذكريات إراقة الدماء في وادي غالوان في لداخ حيث تشابك الجنود الصينيون والهنود في منتصف 2020 وقُتِل الآلاف، ما تزال حاضرة في الأذهان. ومن ثم، فإن الزيارة رفيعة المستوى لوانغ تدفع كثيرين حتمًا إلى التساؤل: هل لدى الصين دوافع خفية للدخول في علاقات مع الهند أم أن العلاقات الصينية – الهندية التي كان يُعتقَد في السابق أنه ما من سبيل لإصلاحها، يمكن أن تدب الحياة فيها من جديد؟

الجواب هو هذا وذاك معًا.

لدى الصين دافعان رئيسيان لإقامة علاقات مع الهند الآن. الدافع المباشر هو الموقف في أوكرانيا والحياد الموالي لروسيا الذي تشترك فيه بكين ونيودلهي؛ فكل من الصين والهند امتنعتا عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 2 مارس، والذي يطالب روسيا بإنهاء عمليتها العسكرية على الفور في أوكرانيا. وهذا الامتناع عن التصويت ترجع جذوره المتعمقة إلى علاقة الدولتين مع موسكو.

لا شك أن تعاون الصين «غير المحدود» مع روسيا، وهو المصطلح الذي صيغ أثناء رحلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين في فبراير، قد أدى إلى تعالي أصوات الاحتجاجات الدولية على إذعان الصين، أو حتى دعمها الضمني، للعدوان الروسي. وتقوم علاقات الصين مع روسيا في جوهرها على الطاقة، والوصول إلى الأسواق، والرغبة في «مقاومة العقوبات ومنافسة القيادة الأمريكية للعالم»، كما جاء في تصريح دانيال روسيل من جمعية آسيا.

وبالمثل، تعتمد الهند على الأسلحة الروسية، وصمتها بشأن السلوكيات الروسية قُوبِل أيضًا بضغط هائل، لا سيما من الولايات المتحدة. فقد حاولت إدارة بايدن دعم الموقف الاستراتيجي للهند في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ من خلال آليات مثل الحوار الأمني الرباعي، وهو حوار بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة.

وقد وجدت الصين فرصة واضحة لردء الصدع بين الصين والهند، ليس فقط لإصلاح العلاقات وإنما أيضًا لبناء موقف موحد ضد المطالب الغربية بأن تتخذ الدولتان إجراءات أكثر حسمًا مع روسيا. وقد وصل الأمر ببكين إلى أن تشير إلى أن «السلوكيات المتسلطة» لواشنطن قد قرّبت بين الهند والصين عن طريق إحداث التغيير اللازم من أجل «إعادة الدفء إلى العلاقات بين الدولتين».

العامل الثاني في تواصل الصين مع الهند هو أفغانستان. فمنذ انسحاب القوات الأمريكية في أغسطس الماضي، تنامى تأثير الصين في الدولة، وكذلك مصالحها الاقتصادية والأمنية. وفي الأسابيع الأخيرة، استضافت الصين ثلاثة اجتماعات عن مستقبل أفغانستان. ولكن على الرغم من أن للهند مصالح كبيرة في تطوير أفغانستان، فإنها لم تكن طرفًا في أيِّ من هذه الاجتماعات التي عُقِدت بقيادة الصين. وقد شاركت باكستان — أحد أهم مصادر القلق الأمني لدى الصين — في الاجتماعات الثلاثة كلها. لذا إذا كان قادة الصين يأملون في استخدام حرب روسيا على أوكرانيا حجةً لتجديد الصداقات مع الهند، فلا بد أن يُشرِكوا نيودلهي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل أفغانستان.

ومع ذلك، فليس من الواضح ما إذا كان غصن الزيتون الذي تقدمه الصين إلى الهند سيلقى قبولًا أم لا؛ فلم تتجاوز الهند بعد الإذلال والعداء للصراعات على الحدود التي اندلعت في 2020، والتي تقدمت فيها الصين داخل منطقة الهمالايا المتنازع عليها (وقتلت 20 جنديًا هنديًا أثناء ذلك). وبينما تجادل بكين بأن النزاعات على الحدود لا يجب أن تعرقل العلاقات الثنائية، يرى الكثير من الهنود أن إنهاء العدوان الصيني على الحدود شرط مسبق لعودة العلاقات إلى طبيعتها.

تحسب الصين الأمور بناءً على المنفعة، لا العاطفة؛ فهي ترى أن الحرب في أوكرانيا يمكن استغلالها لتجديد العلاقات مع الهند. ولكن حتى إذا كانت العلاقات بين الهند وأمريكا تعاني من انتكاسة مؤقتة بسبب إذعان نيودلهي لروسيا، فلن يمحو أو يقيّد ذلك وضع الصين بوصفها تهديدًا أمنيًّا وطنيًّا كبيرًا للهند. علاوة على ذلك، فإن رغبة الهند في الحفاظ على العلاقات مع كلٍ من واشنطن وموسكو هدفت على الأقل جزئيًّا إلى التحقق من طموح الصين وسلوكياتها العدوانية في المنطقة.

من هذا المنطلق، فإن أمل بكين في استغلال الغموض الاستراتيجي لدلهي في غير محله. فقد ترى الصين أنه من الضروري المحاولة، ولكن الأثر سيكون محدودًا نظرًا لعدم تماثل مفهوم التهديد الأمني الوطني لدى الصين والهند. ففي النهاية، أكبر تهديد للصين هو الولايات المتحدة، وأكبر تهديد للهند هو الصين وباكستان. وحتى إذا وفَّقت الهند بين انحيازها للولايات المتحدة وروسيا، فإن هذا لا يُترجَم بأي حال من الأحوال إلى رغبة في الانحياز للصين أو الاعتماد عليها.

إن رحلة وزير الخارجية الصيني وانغ وي الأولى إلى الهند منذ الصراع على الحدود عام 2020 لها أهمية كبيرة. فهو، على الأقل، يوضح أن الصين تتوق إلى حشد الدعم لموقفها من روسيا في حرب أوكرانيا، وتسعى بالتالي إلى التواصل مع شركاء مستبعدين مثل الهند. ولكن يجب التساؤل هنا عما إذا كان هذا التواصل يعكس تفكير الصين الطامح أو حتى سذاجتها؛ فلا يبدو أن الصين قد تقبلت الضرر الكبير الذي أحدثته الصراعات على الحدود لثقة الهند في الصين وفي علاقتهما الثنائية.

سيستغرق إصلاح هذا الضرر أعوامًا، إن لم يكن عقودًا. لذا، فبينما يمكن أن تقدم الحرب في أوكرانيا إلى روسيا وسيلة لإعادة التواصل مع الهند، فإن التمهيدات الدبلوماسية لبكين سيُغَض الطرف عنها على الأرجح.

 

يون صن هو مدير برنامج الصين والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز ستيمسون في واشنطن العاصمة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: