سعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى تصوير العاصمة على أنها ملاذ آمن في بلد مزقته الحروب، وذلك بعد استعادته للمحافظة الزراعية المحيطة بدمشق في عام 2018، وبالإضافة إلى الأهمية الرمزية للعاصمة، فإن تأمين دمشق والمناطق النائية المعروفة باسم ريف دمشق أمر ضروري لإعادة تأهيل النظام السياسي والتعافي الاقتصادي.

وبناءً على الغياب النسبي للأنشطة المناوئة للنظام، قبلت بعض الحكومات برواية الأسد، حيث اتفقت السويد والدنمارك على أن دمشق آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.

وقد تم وضع تقييم المخاطر ذلك والمفرط في البساطة على المحك، حيث تم الإبلاغ عن ستة عشر هجومًا في دمشق وما حولها منذ شهر أبريل، وأسفرت تلك الاحداث عن مقتل ما مجموعه 13 شخصًا والذين كانوا على صلة بالنظام، وفي حين أنه ليس من الواضح من يقف وراء تلك الهجمات، فإن عددها الكبير “أكثر من هجوم واحد في الأسبوع”  يثير تساؤلات حول استقرار المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وورد في وسائل إعلام محلية ست محاولات اغتيال في شهر أبريل، كما أشارت الأنباء عن هجوم في مدينة دمشق فيما وقع الهجوم الآخر في مناطق خارج العاصمة منها قطنا والكسوة وبيت جن والورود، وتم الإبلاغ عن سقوط ضحيتين.

ووقع عدد مماثل من الهجمات في شهر مايو، مع تأكيد مقتل ستة أشخاص، وتركزت كل تلك الهجمات مرة أخرى في بلدات خارج دمشق (بما في ذلك بيت سهم و حجارة  وكفر يابوس). ثم وقعت أربع هجمات في شهر يونيو، في حوش نصري وبيت جن وقدسيا وسبينة، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، توفي ثلاثة منهم أثناء تفكيك عبوات ناسفة.

والجدير بالذكر أن وسائل الإعلام الموالية للحكومة لم تذكر كل حادث من تلك الاحداث، واختارت بدلاً من ذلك التقليل من شأن تصاعد مستوى العنف، وحتى عندما تم الافصاح عن بعض تلك الهجمات، تم تصوير الضحايا من قبل وسائل الإعلام المدعومة من النظام، على أنهم مدنيين.

من ناحية أخرى، أفادت مصادر إخبارية مستقلة، أن معظم الضحايا هم من مقاتلين أو محاربين نظاميين وليسوا مدنيين، وخلصت حصيلة هذه المصادر إلى أن 11 من بين 13 قتيلاً منذ شهر أبريل الماضي كانوا من أفراد الأمن المحلي والقوات المسلحة، واثنان من الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، أحدهما من حزب الله اللبناني والآخر من فاطميون الأفغانية.

والتزم الجناة الصمت حول تلك الأحداث بالرغم من أهميتها، وحتى الآن، أعلنت جماعة داعش فقط عن مسؤوليتها عن بعض تلك الهجمات، وهما الهجومان اللذان وقعا في دير خبية، جنوب دمشق في شهر مايو.

أما بالنسبة للأحداث الأخرى، فإن الطريقة التي تم من خلالها الهجوم تقدم أدلة عن الجهة المسؤولة.

على سبيل المثال، ذكرت العديد من المؤسسات الإعلامية أنه تم العثور على أربعة من الضحايا بعد مضي أيام من اختفائهم، مما يشير إلى أنهم اختطفوا أولاً، حيث أصبح الاختطاف مقابل تسليم الفدية ظاهرة منتشرة في سوريا، مما يعني أن العصابات الإجرامية قد تكون مسؤولة عن بعض تلك الحوادث، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن أن تكون عمليات القتل قد حدثت إما لأن العمليات لم تكن ناجحة أو لأن المهاجمين أرادوا إخفاء آثارهم.

وقد تم استخدام عبوات ناسفة في ست من الهجمات التي لم يُعلن أي طرف عن مسؤوليته عنها، بينما تم تنفيذ باقي الهجمات بأسلحة نارية، ونظرًا لأن أهداف تلك العمليات كانت جميعًا أعضاء من نظام الأسد أو مدعومين من منه، فمن المحتمل أن المتمردين السابقين، وهم الذين لديهم الدوافع والمهارات والموارد لتنفيذ مثل تلك الهجمات، كانوا مسؤولين عن بعض تلك الحوادث.

وبالإضافة إلى عدم الوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها خلال مفاوضات الاستسلام في عام 2018، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين، فقد كثف النظام جهوده للتجنيد القسري للشبان من ريف دمشق، والأهم من ذلك، هو أن تدهور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات الجوع ربما حفز على تجدد المقاومة بعد ما يقرب من عامين من الهدوء النسبي.

ومن المؤكد أنه من الوارد تمامًا أن تكون بعض تلك الهجمات، لا سيما الهجمات الأربع التي تضمنت إطلاق نار هي “هجمات بين الاجنحة المتصارعة في نفس الجبهة”، حيث أدى الانخفاض الكبير في القتال في سوريا إلى تصعيد المنافسة بين الجماعات الموالية للنظام على النفوذ والموارد، وبينما تمت تسوية بعض تلك الحوادث من خلال المواجهات المباشرة بين الأطراف المعنية، ربما قرر البعض الآخر استخدام وسائل أكثر سرية لتصفية الحسابات.

ولا تعد هوية الجناة هي العنصر الأكثر أهمية في تلك الاحداث، فالأمر غير المعروف الآن هو ما إذا كان النظام لديه القدرة على أيقاف تلك الهجمات، وفي حين أن الإجابة لا تزال غير واضحة، فإن النمط العشوائي لتلك الحوادث، وانتشارها عبر مساحة كبيرة نسبيًا، وتنوع هوية المشتبه بهم المحتمل وقوفهم ورائها، يجعل من مهمة ردع أو ايقاف تلك الهجمات تحديًا كبير.

وحتى لو تمكن النظام من وضع حد لموجة القتل تلك، فقد عكست تلك التطورات أن المناطق التي تُعتبر رسميًا آمنة هي في الواقع غير ذلك.

لا ينبغي أن تنخدع الحكومات الغربية بادعاء الأسد أن العاصمة السورية آمنة للاجئين، أو لأي شخص آخر، فسوريا لا تزال في حالة حرب، والطريق الوحيد للسلام الدائم هو وجود حل سياسي شامل وعادل.

 

الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: