يقال إن يوم الاثنين الثالث من شهر يناير، والذي أطلق عليه عالم النفس كليف أرنال اسم “الاثنين الكئيب” هو أكثر أيام السنة إثارة للكآبة، حيث ينتهي موسم العطلات الاحتفالي لتبدأ أيام الشتاء الخالية من الحياة.

وبالنسبة لمعظمنا، فقد ولى وانقضى يوم الاثنين الكئيب لعام 2023، ولكن بالنسبة للعديد من الأتراك، فإن الأيام الكئيبة هو ما يعيشوه كل يوم.

ووقعت تركيا في فخ مالي واجتماعي يتحدى حتى معنويات أكثر الوطنيين الاتراك تفاؤلا، ومع توقعات سياسية واقتصادية متشائمة، يبدو أن هذا العام سيكون عاما صعبا على الصحة العقلية والنفسية للأتراك.

ونسبة تسعة في المئة من سكان البلاد يعانون من الاكتئاب المزمن في هذه الأيام، وارتفع معدل تناول عقاقير مضادات الاكتئاب على مدى السنوات الخمس الماضية بنسبة 56 في المئة، وذلك وفقا لوزارة الصحة التركية. وتم إجراء 13 مليون فحص في عام 2017، في حين كانت تلك النسبة هي 9.5 مليون في عام 2013. ثم هناك أولئك الذين يعانون في صمت، حيث أن واحد فقط من كل ستة أشخاص ممن يعانون في مشاكل الصحة العقلية والنفسية في تركيا يطلبون المساعدة.

وفاقمت جائحة كرونا من هذه الأزمة، في حين ارتفع مستوى الاكتئاب والقلق في العديد من البلدان منذ بدء الوباء، وكانت تركيا من بين الأكثر تضررا، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2020 في مجلة ” ذلانست” الطبية أن تركيا لديها أعلى ارتفاع في مستوى الاكتئاب المرتبط بجائحة كرونا في جميع أنحاء أوروبا.

وتعكس الأرقام الأخيرة صورة أكثر إثارة للقلق، حيث  وجد تقرير غالوب عن حالة القوى العاملة العالمية لعام 2022 أن 66 في المائة من الأتراك يشعرون بالتوتر كل يوم، و43 في المائة قلقون للغاية، و46 في المائة يعتبرون أنفسهم غاضبين، و40 في المائة يشعرون بالحزن دائما.

ويعاني سكان مدينة اسطنبول الأمرين، وهي المدينة التي يعيش بها خمس سكان تركيا، فقد قدر مقياس إسطنبول لشهر ديسمبر 2022، الذي نشرته وكالة تخطيط المدينة، أن متوسط مستوى التوتر لسكان إسطنبول يبلغ 7.3 على مقياس مكون من 10 نقاط. وألقى نصف المشاركين في الاستطلاع باللوم على الاقتصاد، حيث قال 47 في المئة إنهم لا يستطيعون دفع فواتيرهم الشهرية.

وتعد التكلفة المرتفعة للسكن أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تلك المعاناة، حيث نمت أسعار المنازل الحضرية في اسطنبول بأكثر من 212 في المائة العام الماضي – وهي أكبر زيادة في 150 مدينة عالمية حسب (نايت فرانك) وهي شركة استشارات عقارية مقرها لندن. وجاءت أنقرة في المرتبة الثانية، بنسبة 196 في المائة، وإزمير في المرتبة الثالثة بنسبة (185.8 في المائة) أما المرتبة الرابعة في القائمة، فهي ميامي، حيث  نمت بنسبة متواضعة نسبيا بلغت 28.6 في المائة.

كما أن تضخم السلع الاستهلاكية يساهم بقوة في معاناة الأتراك، حيث كلفت كتلة من جبن الكاسار في شهر نوفمبر ما يصل إلى قيمة كيلو من اللحوم الحمراء، ومع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك في تركيا خلال مدة 12 شهرا بأكثر من 137 في المائة في شهر ديسمبر، ارتفعت معاناة المجتمع.

في حين أن الحكومة كانت ملتزمة بخطة العمل العالمية للصحة النفسية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية (أتش دبليو أو) في عام 2013 ، إلا أنها فشلت في تحقيق أي إنجاز يذكر، فبادئ ذي بدء، لم تعتمد تركيا قط تشريعا للصحة العقلية، حيث بقي مشروع قانون الصحة العقلية، الذي صاغته جمعية الطب النفسي في تركيا في عام 2014، معلقا إلى عام 2022.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المؤسسات والخدمات التي تلبي احتياجات الرفاه العاطفية والنفسية والاجتماعية تعاني من نقص شديد في الموظفين، حيث أن عدد العاملين في مجال الصحة النفسية لكل 100,000 شخص في تركيا هو 16.33 موظف، في حين أن المتوسط الأوربي هو 43.5.

وهناك كلفة باهظة للعجز في التعامل مع أزمة الصحة العقلية والنفسية، ففي عام 2018، أشارت التقارير الصادرة عن معهد الإحصاء التركي عن وجود تسع حالات انتحار يوميا في تركيا، وعلى الرغم من أن المعهد قد توقف منذ ذلك الحين عن الكشف عن إحصاءات الانتحار، إلا أن الفكرة القائمة هي أن نسب الانتحار لم تنخفض.

كما أن سوء الصحة العقلية يحمل عبئا ماليا، فقد تم تحديد الاكتئاب من قبل منظمة الصحة العالمية على أنه السبب الرئيسي للإعاقة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من عدم اعتباره كذلك في تركيا، وفي الولايات المتحدة فإن الاكتئاب، الذي يؤثر على ما يقرب من 6 في المائة من السكان العاملين، يمثل خسارة مقدارها 210 مليار دولار سنويا في التكاليف الطبية وفقدان الإنتاجية.

وبشكل عام، اعتبر الأتراك العام الماضي بمثابة الكارثة، وذلك عندما تم إجراء استطلاع لشركة أبحاث في السوق “إبسوس” حيث قال 83 في المئة إن عام 2022 كان عاما سيئا لبلادهم، بينما قال 71 في المائة إن تركيا تسير في الاتجاه الخاطئ.

ومع ذلك ، هناك أمل في أن الأيام القادمة ستكون أفضل، حيث أشار 54 في المائة من الأتراك على أن عام 2023 سيكون عاما أفضل عندما سُئلوا من قبل  شركة إبسوس.

ولابد أن تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لتركيا إذا كان لهذا التفاؤل أن يستمر، حيث يمكن البدء بتحسين خدمات الصحة النفسية، وتحتاج الحكومة إلى خطة مستدامة وعملية، ويجب عليها جمع بيانات موثوقة للعمل على أساسها، وفي بلد تحدد فيه المجالات السياسية والاقتصادية ملامح الحياة اليومية، يجب توفر نظام صحي نفسي مع توفير كل ما يحتاجه من الموارد لمساعدة أولئك الذين يعجزون عن مواجهة تحديات الحياة.

لا يميل الأتراك إلى الاكتئاب، ولكن من الصعب إلقاء اللوم على أولئك الذين يصابون به، وكلما أسرعت الحكومة في ترتيب أمورها الداخلية وحل قضاياها، كلما أسرعنا جميعا في نسيان الأيام الصعبة.

 

ألكسندرا دي كرامر: صحفية مقيمة في اسطنبول، وكتبت عن الربيع العربي من بيروت كمراسلة لصحيفة ميليت في الشرق الأوسط. تتراوح أعمالها من الشؤون الجارية إلى القضايا الثقافة، وقد ظهرت في مونكول  و كارير ماقزين و مايسون فرنشايز وأخبار الفن في اسطنبول.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: