مرت ثلاثة أسابيع على الزلزال المدمر الذي هز تركيا، ودمر 10 بلديات وقتل أكثر من 44 ألف شخص، وقد تأثر واحد من كل سبعة أشخاص في البلاد بشكل مباشر بهذه الكارثة، مما جعل الكثيرين يتساءلون: هل كان من الممكن تجنب الكارثة؟

وحتى مع استمرار ارتفاع عدد القتلى، فإن الأتراك المنكوبين يشعرون بالحزن بسبب استجابة حكومتهم الضعيفة، وقد ساهم تأخر وصول المساعدات وضعف التنسيق بين موظفي الإنقاذ في خلق شعور باليأس، حيث بدا وكأن السلطات قد تخلت عن ضحايا الزلزال والمتطوعين.

ومما ضاعف من الغضب الشعبي وجود إحساس بأن القادة في حزب العدالة والتنمية فشلو في تحمل المسؤولية، حيث أصر الرئيس رجب طيب أردوغان على أنه كان من المستحيل الاستعداد لزلزال بهذا الحجم، على الرغم من الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.

والحقيقة هي أنه تم تجاهل عدد لا يحصى من التدابير الوقائية ببساطة، فقبل انتخابات عام 2015، تعهد مرشحو حزب العدالة والتنمية بالاستثمار في قدرات البحث والإنقاذ للوصول إلى أي جزء من تركيا في أقل من 90 دقيقة، ثم في عام 2018، تعهد الحزب بالاستثمار في مشاريع التجديد الحضري لجعل تركيا قادرة على الصمود في وجه الكوارث الطبيعية، ولم يتم الوفاء بأي من تلك الوعود.

وبدلا من ذلك، ساهم إهمال الحكومة في جعل البلاد أقل أمانا، وخلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، أصدر الحزب تسعة قرارات عفو عن مخالفات البناء والتي استفاد منها مالكو ما يقرب من 300 ألف مبنى في منطقة الزلزال.

وتوقع لطفو سافاس وهو عمدة مدينة “هاتاي” وهي إحدى أكثر المناطق تضررا من الزلازل، تلك النتيجة المميتة، حيث قال رئيس البلدية لصحفي تلفزيوني قبل أسبوعين من الكارثة في 6 فبراير إن الأضرار ستكون واسعة النطاق في حالة وقوع زلزال كبير لأن طلبات بلديته لمشاريع التجديد الحضري قد توقفت بسبب المسؤولين في أنقرة لأكثر من خمس سنوات.

وكما كانت مخاوف سافاس، فقد انهار المبنى في هاتاي والذي كان مستشفى حكوميا في إسكندرون، وهو المبنى الذي تم إعفاؤه من معايير الزلازل لأكثر من عقد من الزمان.

وهناك ما يبرر موجة الغضب وعدم الثقة تجاه من هم في سدرة الحكم، وبعد زلزال إزميت عام 1999، والذي أودى بحياة أكثر من 17000 شخص، فرضت الحكومة ضريبة للمساعدة في الحماية من الخسائر المستقبلية. وبين عامي 2000 و2022، تم جمع مبلغ مذهل وقدره 38.4 مليار دولار، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف تم إنفاق ذلك المبلغ الكبير.

وتتمتع الحكومة ومنظماتها الكبيرة، مثل وكالة إدارة الكوارث والطوارئ في البلاد “أي أف أي دي”  بسجل حافل بضعف الكفاءة.

وخلال عقدين من حكمها، جعلت حكومة حزب العدالة والتنمية من أولوياتها توظيف الأشخاص على أساس الانتماء الحزبي بدلا من الجدارة المهنية، ومن الواضح أن هذا هو الحال في وكالة إدارة الكوارث والطوارئ، حيث يشغل الموالون معظم الوظائف العليا.

فعلى سبيل المثال، لا يتمتع إسماعيل بالاكوغلو، وهو رئيس وكالة إدارة الكوارث والطوارئ في التعافي من الزلزال، بأي تدريب أو خبرة ذات صلة في هذا المجال، حيث تخرج من مدرسة ثانوية دينية، وحصل على درجة البكالوريوس في علوم الدين، وعمل في  مناصب في مديرية الشؤون الدينية في تركيا، ولدى معظم مديري المحافظات في وكالة إدارة الكوارث والطوارئ مسار وظيفي مماثل.

ولا تعد وكالة إدارة الكوارث والطوارئ سيئة في مجال التوظيف فقط، بل أنها تسيء في مجال إدارة أموالها أيضا، ففي عام 2016، وجدت محكمة الحسابات التركية أن التبرعات الوطنية والدولية للمنظمة قد تم توثيقها بشكل غير صحيح، وفي وقت لاحق، أمرت الوكالة بإنشاء نظام محاسبي موثوق وشفاف، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان قد تم اتباع هذا التوجيه على الإطلاق.

ومما لا شك فيه أن وكالة إدارة الكوارث والطوارئ لديها أزمة في مجال إدارة الأموال، ففي عام 2022، خفضت الوكالة من ميزانيتها للاستجابة للكوارث بنسبة 93 في المائة لتغطية 14 مليون ليرة (حوالي 742,000 دولار) كتعويض لضحايا كارثة أخرى والتي كانت زلازل “فان” في عام 2011. وقد أعاق هذا النقص في التمويل جهود الإغاثة الحالية، ويشير الصحفيون في المنطقة إلى أن الوكالة إما غير مستعدة أو غائبة عن المشهد تماما.

وعليه لم يكن أمام المواطنين العاديين خيار سوى التعامل مع تلك التحديات بأنفسهم، وواحدة من أكثر شبكات المتطوعين تنسيقا هي شبكة “أهباب” ، وهي منظمة غير ربحية تأسست في عام 2017 من قبل مغني الروك الأناضولي والشخصية الجماهيرية “هالوك ليفنت”  ويديرها متطوعون وتعمل في 68 مدينة في جميع أنحاء تركيا، وكان لدى شبكة أهباب 360,000 متطوع في شهر يناير، واليوم، لديها أكثر من مليون متطوع.

ولطالما اشتهر الفنان “ليفنت” بخدمته للجمهور، حيث شارك في جهود الإنقاذ في عام 1999 وتبرع بخفية بالمال للمدارس والمستشفيات، وقد مكنت سمعته شبكة أهباب من الحصول على هدايا من بعض أكبر الأسماء في مجال الأعمال الخيرية، من مادونا إلى أوبر. وفقا لأبحاث “ميديا كات” و”أبسوس” كان الفنان هو أكثر المشاهير احتراما في تركيا لمدة أربع سنوات متتالية.

وللأسف فإن تلك الأعمال الخيرية تقض مضجع الحكومة، التي تنظر إلى أفعال المغني على أنها انتقاد لطريقتها في تسيير الأمور، ففي الأسابيع الأخيرة، تعرض الفنان لحملات تشويه عامة، وتعرض موقع أهباب لمئات الهجمات الإلكترونية، حتى أن قادة حزب العدالة والتنمية زعموا أنه لا يمكن الوثوق بالفنان لاستلام ملايين الليرات من التبرعات التي تلقتها منظمته.

ولا يعد الفنان والهباب الضحايا الوحيدين لحالة الخوف التي تعيشها الحكومة التركية، فبعد أن نشر أحد الناجين من الزلزال من غازي عنتاب مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر كيف أن المباني التي بنتها البلدية غير آمنة، وضعه عمدة حزب العدالة والتنمية قيد التحقيق.

وفي أماكن أخرى، تلقى المهندسون الإنشائيون العاملون في مدينة عثمانية تهديدات بالقتل، في حين اعتقل أشخاص احتجوا على زيارة حكومية إلى ديار بكر.

ومع اقتراب عمليات الإنقاذ من نهايتها، يتعين على من هم على كرسي الحكم أن يحاسبوا على إهمالهم، ولفترة طويلة جدا، كانت سلامة الأتراك من ضمن المسلمات. سوف تنهض تركيا مرة أخرى وتقف على قدميها، لكن القرارات المتعلقة بكيف ستقف تركيا على رجليها مرة أخرى لا ينبغي أن يتخذها نفس الأشخاص الذين مهدوا الطريق  لسقوطها.

 

 ألكسندرا دي كرامر: صحفية مقيمة في اسطنبول، كتبت عن الربيع العربي من بيروت كمراسلة لصحيفة ميليت في الشرق الأوسط. تتراوح أعمالها من الشؤون الجارية إلى القضايا الثقافة، وقد ظهرت في مونكول  و كارير ماقزين و مايسون فرنشايز وأخبار الفن في اسطنبول.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: