بينما اجتمع مسؤولون أمريكيون وخليجيون في منتصف شهر فبراير لمناقشة التنسيق العسكري الذي يمكن أن يواجه أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، اصطدمت طائرة متفجرة إيرانية بدون طيار بناقلة إسرائيل في بحر العرب.
وعلى الرغم من التزامها بأمن دول مجلس التعاون الخليجي وحرية الملاحة في مياه الخليج العربي، وهو ممر مائي يُشحن من خلاله ربع الطاقة العالمية، إلا أن الولايات المتحدة لم تتمكن من اعتراض الهجمات الإيرانية على السفن الدولية أو وقف قرصنة طهران.
ولم ترد أمريكا بصورة رادعة على سنوات من العدوان الإيراني في مياه البحر وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط أو أظهرت ما يكفي من القوة لثني طهران عن ارتكاب تلك الأعمال، إن عدم رغبة واشنطن في وقف البلطجة الإيرانية يثير أسئلة محرجة حول الفوائد التي يحصل عليها شركاء واشنطن الخليجيون من تحالفهم معها.
وعلى ذلك المنوال، يبدو أن بيانا مشتركا بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بعد الاجتماع الذي عقد الشهر الماضي قد قلل من التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج. وجاء في البيان أن ” ستبقى الدبلوماسية الطريقة المفضلة لمعالجة سياسات إيران المزعزعة للاستقرار والتصعيد النووي بطريقة مستدامة”. إن ربط أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار بالدبلوماسية أمر غير معقول، إن لم يكن مستحيلا تماما، بالنظر إلى أن إيران رفضت أن تناقش مع القوى العالمية أي قضايا لا تتعلق ببرنامجها النووي.
والتزم الرئيس جو بايدن بإحياء الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015، والذي كبح برنامج طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات، بينما انسحب سلفه دونالد ترامب من الاتفاق كجزء من نهج أكثر صرامة تجاه إيران. ومع ذلك، فقد فشل فريق بايدن في إحراز تقدم في المحادثات، وحذر مسؤولو البنتاغون مؤخرا من أن إيران يمكنها الآن إنتاج ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية في غضون 12 يوما فقط.
وهذا يجعل سياسة بايدن بشأن إيران تبدو أكثر ضعفا، ليس فقط لأن واشنطن تصر على الدبلوماسية، ولكن لأن تلك الدبلوماسية ليس لها جدول زمني أو مواعيد نهائية، وستوافق إيران على الدبلوماسية متى رغبت في ذلك، أو على حد تعبير وزير الخارجية أنتوني بلينكن “الكرة في ملعب إيران” ، وإذا لم توافق إيران أبدا على المحادثات، واستمرت في تخصيب اليورانيوم وتهديد الملاحة في الخليج، فإن الولايات المتحدة ستبقى مكتوفة اليدين.
واتضح أن واشنطن لا تزال تؤمن أن “تغييرا في السلوك” الإيراني أمر ممكن، وهي سياسة تذكرنا بأيام الرئيس السابق باراك أوباما. وجاء في البيان الصادر عن الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أن “القيادة الإيرانية يمكن أن تختار بديلا أفضل من شأنه أن يساهم في منطقة أكثر أمنا واستقرارا ويفيد الشعب الإيراني”.
ويستند الرهان على “تغيير السلوك” على فرضية أنه بمجرد إعادة ربط إيران بالاقتصاد العالمي، سيكون لمسؤوليها مصلحة كبيرة في التخلي عن سياساتهم المثيرة للمشاكل للحفاظ على تدفق الأموال إلى خزائنهم، وقد تم اختبار تلك السياسة بين عامي 2016 و2018. والتي فشلت فشلا ذريعا.
وبخلاف الجولات التي لا نهاية لها من المحادثات مع إيران في فيينا أو عواصم أوروبية أخرى، يبدو أن فريق بايدن لا حيلة له للدفاع عن حلفاء أمريكا في الخليج، وغالبا ما يخبر النظام الإيراني جيرانه الخليجيين أن الولايات المتحدة لن تأتي أبدا لإنقاذهم وأن الضمان الوحيد لأمنهم هو الرضوخ لرغبات طهران، والظاهر أن إدارة بايدن موافقة على مثل ذلك الترتيب.
وتحاول واشنطن إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بأن تحالفها مع الولايات المتحدة يستحق الحفاظ عليه، ففي أحدث استراتيجية للأمن القومي، قالت إدارة بايدن إنه بدلا من القوة العسكرية، فإنها “ستعزز قدرة الشركاء” من خلال “تمكين التكامل الأمني الإقليمي” و “تمكين شركائنا من الدفاع عن أراضيهم”.
وتمكين دفاعات الشركاء يتطلب، على أقل تقدير، ضمان تدفق مستمر للأسلحة، وهو الأمر الذي كان الديمقراطيون الأميركيون يستخدمونه كأداة سياسية.
إذا أرادت الولايات المتحدة بناء القدرات الدفاعية لحلفائها، فلا ينبغي أبدا أن تكون إمدادات الأسلحة عنصرا قابلا للمساومة ، خاصة وأن أمريكا لا تقدم تلك الأسلحة مجانا ولكن مقابل مبالغ هائلة من المال. وإذا لم تكن واشنطن مستعدة لبيع الدفاع لتلك الدول، فقد ترغب عواصم الخليج في البحث عن أسلحة من أماكن أخرى.
والخلافات السياسية بين الحلفاء هو أمر طبيعي. لكن ما هو غير طبيعي هو تقلبات واشنطن التي لا يمكن التنبؤ بها في علاقاتها مع دول الخليج، فهناك أيام حيث تقوم العلاقات الأمريكية على المبادئ وخاصة حقوق الإنسان، ثم هناك أيام أخرى تنسى فيها الولايات المتحدة حقوق الإنسان وتطالب أعضاء مجلس التعاون الخليجي بتصدير أكبر قدر ممكن من النفط، وفي كلتا الحالتين، تهدد الولايات المتحدة بإنهاء مبيعات الأسلحة.
ومهما كانت سياستها الخليجية، يجب أن يكون نهج إدارة بايدن متماسكا، ومنذ توليه منصبه لم يكن التماسك حاضرا في سياساته.
ويرغب معظم الأمريكيين رؤية الديمقراطية تنتشر في كل ركن من أركان المعمورة، ولكن أظهرت التجارب أن القوة العسكرية وحدها لا يمكن أن تفرض الديمقراطية على الدول غير المستعدة لها، وقد أظهرت التجربة أيضا أن أمريكا اليوم تفتقر إلى القدرة اللازمة لبناء دول ديمقراطية، كما فعلت في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
وكلما قل استعداد الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون العالمية، كلما أصبحت أكثر واقعية في التعامل مع العالم، ويجب على واشنطن التعامل مع الدول كما هو حالها “أصدقاء أو أعداء” وليس كما تحب أن يكونوا.
عندما يصبح من الممكن التنبؤ بمسارات السياسة الخارجية الأمريكية، سيعرف حلفاء دول مجلس التعاون الخليجي أين يقفون وماذا يتوقعون، على عكس حال العلاقة المتقلبة التي عاشوها مع واشنطن مؤخرا.
حسين عبد الحسين هو زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (إف دي دي)، وهي معهد أبحاث غير حزبي مقره العاصمة واشنطن ويركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية.
تويتر: @hahussain