يثير الارتفاع الأخير في حدة الأعمال العدوانية للجيش الروسي في الأجواء السورية، إلى جانب إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار من قبل طائرة مقاتلة روسية في البحر الأسود، مخاوف من أن موسكو وواشنطن في مسار تصادمي.
وفي حين أن الاشتباكات والمواجهات بين روسيا والولايات المتحدة في شمال شرق سوريا ليست بالخبر الجديد، إلا أن التطورات التي حدثت في هذا الشهر أثارت مخاوف المحللين من احتمال حدوث صدامات أكثر خطورة، وهناك حاجة ماسة إلى وقف التصعيد لمنع الوضع من الخروج عن إطار السيطرة.
وعمل المقاتلين الأمريكيين والروسين في أجواء متوترة في سوريا منذ أن أرسل الكرملين قوات إلى سوريا في عام 2015 لدعم النظام السوري.
وتم نشر القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا في عام 2014 لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد. ولا يزال هناك ما يقرب من 900 عسكري في الخدمة الأمريكية إلى اليوم، لمنع عودة محتملة لداعش.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وروسيا أنشأتا قنوات اتصال في عام 2015 لمنع المواجهات العسكرية المباشرة، لكن منذ 1 مارس أبلغت القوات الأمريكية عن ارتفاع وتيرة السلوك غير المهني للقوات الجوية الروسية في سوريا. وقال القادة إن الطائرات الروسية تتصرف بعنف تجاه القواعد الأمريكية بطريقة ليست نموذجية لقوة عسكرية منظمة على سبيل المثال، أفادت التقارير أن الطائرات الروسية المسلحة قامت بإجراء طلعات جوية فوق القواعد الأمريكية في البلاد كل يوم تقريبا الشهر الماضي، منتهكة اتفاقية منع الاشتباك بين البلدين.
وقال اللفتنانت جنرال أليكسوس غرينكيويتش، وهو أكبر جنرال في سلاح الجو الأمريكي في الشرق الأوسط، إن موقف روسيا العدواني في سوريا مرتبط بعودة القادة الروس إلى أرض المعركة بعد فشلهم في أوكرانيا، وقال: ” إنه أمر مقلق للغاية، وأعتقد أن بعض هؤلاء القادة الروس يحاولون إعادة بناء سمعتهم“.
وأصبح السلوك غير المنتظم، الذي كان مصدر إزعاج في السابق، مصدر قلق كبير للبنتاغون بعد أن ألحقت طائرة مقاتلة روسية من طراز Su-27 أضرارا بطائرة أمريكية بدون طيار من طراز “ريبر” غرب شبه جزيرة القرم، مما تسبب في تحطمها في المياه الدولية.
وانتقدت القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي اعتراض أحد الطيارين «غير الآمن وغير المهني» في واحدة من بياناتها، وقالت إن المقاتلة الروسية ألقت الوقود وحلقت بتهور أمام الطائرة بدون طيار قبل أن تضرب مروحتها، من جانبها، نفت وزارة الدفاع الروسية تلك المزاعم وادعت أن الزيادة في تحليق الطائرات الأمريكية بدون طيار قبالة سواحل شبه جزيرة القرم “استفزازية بطبيعتها”.
وشبه جزيرة القرم هي شبه جزيرة أوكرانية ضمتها روسيا في عام 2014 وتستخدمها الآن كقاعدة عسكرية رئيسية لحربها على أوكرانيا. ويسلط حادث الطائرة بدون طيار الضوء على مخاطر سوء التقدير والتهديد بالتصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، خاصة مع استمرار الغرب في زيادة دعمه العسكري لأوكرانيا.
ولكن على الرغم من أن حادث الطائرة بدون طيار كان خطيرا، إلا أن الوضع في سوريا ينطوي على مخاطر أكبر، حيث أشار مسؤولين أمريكيين، إلى إن القوات الروسية في سوريا لم تعد تبلغهم بتحركاتهم، منتهكة البروتوكولات التي تلزم القوات الجوية التي تطير إلى المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر بالإعلان عن عملياتها مسبقا.
وعليه، عندما تدخل الطائرات الروسية غير المعلنة إلى الأجواء التي تعتبرها الولايات المتحدة مجالها الجوي، تعترضها الطائرات الحربية الأمريكية. ويجادل المسؤولون الأمريكيون بأنهم ملزمون بمراقبة تحركات الطائرات الروسية في مجالهم الجوي عن كثب لضمان سلامة قواتهم على الأرض، ولمنع الحوادث المحتملة.
وزادت الولايات المتحدة مؤخرا من تواجدها العسكري في الشرق الأوسط، ردا على العدوان المتزايد في سوريا، بالإضافة إلى نشر سرب من الطائرات الهجومية A-10 قبل الموعد المحدد، وأمرت مجموعة حاملة الطائرات المقاتلة بالبقاء في المنطقة لدعم القوات الأمريكية، وتشير الولايات المتحدة من خلال تلك الأعمال إلى أنها ستتخذ جميع التدابير اللازمة للدفاع عن قواتها في سوريا وفي المنطقة بشكل عام.
وتثير تلك التطورات المزيد من القلق في ظل غياب إجراءات واضحة لمنع تكرار حدوث ما حدث في البحر الأسود في سوريا، وإذا حدث ذلك، فمن المرجح أن تفسره الولايات المتحدة على أنه متعمد، مما قد يؤدي إلى مزيد من تصعيد التوترات في المنطقة.
ومن المؤسف أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن مثل ذلك السيناريو لم يعد احتمالا بعيدا. وفي أوقات الأزمات، حتى أدنى سوء فهم يمكن أن يؤدي إلى سوء تقدير وأخطاء جسيمة، في حين أن هناك حاجة إلى الحكماء لمنع النتائج الكارثية، فإن هذا النهج ليس خال من العيوب.
هناك حاجة ماسة لبروتوكولات واضحة لفض الاشتباك بين القوات الأمريكية والروسية خاصة مع تصاعد خطر التصعيد في سوريا، إن الخط العسكري الهاتفي لحالات الطوارئ مفيد فقط إذا وافق كلا الجانبين على الرد على الهاتف. ولتجنب الكارثة في سوريا، يجب على واشنطن وموسكو العمل على منع الصدام، والتحرك بسرعة لاحتواء التداعيات إذا حدثت مرة أخرى.
الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.