هل سيموت الدولار؟ في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية والنمو الهائل في المعروض النقدي وأصول بنك الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الأخيرة، كان هناك كم كبير من القصص والخطب التي تمجد ميزة التخلص من الدولار.
وجاء آخر تلك الأحداث في الأسبوع الماضي، عندما دعا الرئيس البرازيلي (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) إلى إنشاء عملة لمجموعة البريكس وهي المجموعة المكونة من (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). وقال: “كل ليلة أسأل لماذا يتعين على جميع الدول بناء تجارتها على الدولار”. وقبل بضعة أيام، قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم أنه لا يوجد سبب لماليزيا لمواصلة الاعتماد على الدولار، وأظهرت الأرقام الصادرة في 3 أبريل أنه في شهر فبراير، تجاوز اليوان الصيني الدولار باعتباره العملة الأكثر تداولا في روسيا.
وقد أضافت تلك الأحداث إلى الفكرة بأن الدولار في انحدار متواصل، مع صعود الصين واستمرار الاستقطاب الجيوسياسي، وهناك شعور واضح بأن اليوان يمكن أن يشكل تهديدا لهيمنة الدولار. ويمكن للدول التي كانت تحت رحمة للدولار في السابق أن تنتفض وتتداول بعملات أخرى، لأسباب تجارية، أو حتى لأسباب سياسية إذا اختلفت مع واشنطن.
وأجرت شركة الصين الوطنية للنفط البحري وتوتال الفرنسية أول صفقة طاقة على الإطلاق والتي تم دفع قيمتها باليوان في شهر مارس من خلال بيع 65000 طن من الغاز الطبيعي المسال الإماراتي، وحتى المملكة العربية السعودية ألمحت خلال العام الماضي إلى أنها قد تبدأ في دفع صفقات النفط باليوان بدلا من الدولار.
وفي حين أنه من المحتمل أن يكون هناك ارتفاع مستمر في استخدام اليوان لبعض التجارة والتمويل، لكن في الحقيقة إن التعامل باليوان لا يزال يعرقله ضوابط رأس المال، والافتقار إلى قابلية تحويل حساب رأس المال وتحرير القطاع المالي، وبالتالي، لا يوجد حتى الآن منافس حقيقي للدولار في المستقبل المنظور.
ويمكن أن تساعد بعض الإحصاءات في توفير سياق لهذه الفكرة، حيث زادت حصة اليوان من التمويل التجاري بأكثر من الضعف منذ غزو روسيا لأوكرانيا، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز. ونمت حصة العملة من التمويل التجاري على نظام سوفت المصرفي من أقل من 2 في المئة في فبراير 2022 إلى 4.5 في المئة في فبراير 2023، وهي وتيرة نمو ملحوظة.
لكن تلك المكاسب تعكس بوضوح الفترة التي خرجت فيها روسيا من نظام سويفت، ومع فرض عقوبات غربية، لجأت موسكو إلى الصين للحصول على حصة أكبر بكثير من وارداتها، وكونها غير قادر على التمويل بالروبل، فقد تحولت روسيا إلى اليوان.
وليس ذلك فحسب، بل إن حصة الصين من تمويل التجارة العالمية لا تزال صغيرة وذلك وفقا لنظام سويفت. ولتوضيح الفكرة، تبلغ حصة اليورو ستة بالمائة وحصة الدولار الأمريكي أكثر من 84 بالمائة. وبالنظر إلى أن الصين والتي تعد أكبر دولة لتجارة السلع في العالم، فمن اللافت للنظر أن اليوان يستحوذ على مثل هذه الحصة الصغيرة من تمويل التجارة، مما يدل على الصعوبات في تدويل العملة واستمرار وضع الدولار كعملة احتياطية.
ولا يوجد منافسون حقيقيون آخرون ماعدا اليوان الصيني، وسيكون المنافس الأقرب هو اليورو، ولكن هذه هي عملة مجموعة مختلفة من 20 دولة ذات سياسات مالية وديون وأسواق أسهم متباينة، والتي عانت من أزمة ديون سيادية كبيرة قبل أكثر من عقد، وهناك فرصة ضعيفة لأن ينظر إلى اليورو كبديل قابل للتطبيق في أي وقت قريب.
وإذا كان ذلك صحيحا بالنسبة لليورو، فتخيل كم سيكون ذلك صحيحا بالنسبة لعملة مجموعة البريكس وهي فكرة خيالية من شأنها أن تحاول توحيد الاقتصادات المتباينة على نطاق واسع في اتحاد نقدي مع القليل من الوحدة المالية أو السياسية.
وماذا عن البدائل غير الورقية؟ سوف يتحدث مؤيدو العملات المشفرة بإسهاب واستفاضة حول فوائد العملات المشفرة مثل “بتكوين”، ولماذا يجب أن ينظر إليها على أنها أفضل من الدولار. لكن بيتكوين، التي بالكاد تستخدم كوسيلة للمقايضة، شهدت انهيار قيمتها بالدولار بنسبة 75 في المئة من أواخر عام 2021 إلى أواخر عام 2022 قبل أن تتعافى مرة أخرى في شهر أبريل 2023. ويبدو أن هذه العملة لا يتم تداولها أو الوثوق بها على نطاق واسع ولا حتى يمكن أن سيستخدمها الممولون والشركات والحكومات في معاملاتهم.
وكل ذلك يعني أن هيمنة الدولار وجدت لتبقى، ولكي يتم إزالة الدولار كعملة احتياطية، فإن الأمر يتطلب ظهور بديل قابل للتداول الحر وقابل للتحويل، ويمكن استخدامه على نطاق واسع وبسهولة في التجارة والاحتياطيات والتمويل. وقد يكون ذلك الخيار هو اليوان، ولكن بالتأكيد ليس في هذا الوقت.
من المرجح أن يؤدي الانخفاض المستمر للدولار والنمو في التجارة الصينية إلى فقدان الدولار بعض قوته، ولكن فكرة ان البترودولار (دولار النفط) قد مات هي فكرة غير صحيحة لأن الدول الكبرى المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تزال تربط عملاتها بالدولار، وعلى الرغم من تذمر بعض الدول، لكن من المرجح أن تستخدم الدول الدولار كعملة احتياطية عالمية على مدى السنوات القادمة.
كريستيان لو مير هو مؤسس “اركبيل” وهي شركة استشارية استراتيجية مقرها لندن، وعمل سابقا مستشارا أول لأحدى الشركات في أبو ظبي وزميلا فخري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.
تويتر @c_lemiere.