انشغل الدبلوماسيون الصينيون هذا العام، حيث أعلنت البلاد للتو عن رغبتها في الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد الجهد المثمر والرائع الذي أنجزوه، فقد استطاعت الصين إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران.

ويمثل الدخول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي وصل إلى طريق مسدود الخطوة التالية في سياسة الصين الخارجية، والتي كانت حتى وقت قريب تتمثل في مشاريع البنية التحتية الضخمة والقروض الرخيصة للبلدان الناشئة. ومع اختتام عصر الأموال الرخيصة، تحاول بكين طرقا جديدة لترسيخ نفوذها العالمي وتقليص مكانة واشنطن المهيمنة في الشرق الأوسط، لكن يجب عدم توقع أي نجاحات كبيرة بشأن إسرائيل وفلسطين.

وحاولت الصين في السابق جس نبض الصراع والمشاركة بطرق مختلفة، حيث وضعت خطة سلام من أربع نقاط، وتمثلت المحاولة الأخيرة في عام 2021 في اتخاذ تدابير لخفض التصعيد، وزيادة المساعدات واستئناف محادثات السلام على أساس حل الدولتين. لكن هيمنة أمريكا على أي عملية تعني أن الجهود الصينية لم تؤخذ على محمل الجد، لكن التحول في القوى الجيوسياسية في المنطقة يعني أن الناس مستعدون للسماع للعرض الصيني. 

إن النجاح الدبلوماسي الأخير للصين هو إحدى الطرق التي تحاول من خلالها حماية مكانتها كقوة عظمى عالمية وتقليص النفوذ الأمريكي. وكجزء من هدفها طويل المدى المتمثل في إزاحة الدولار الأمريكي كعملة عالمية، ضاعفت الصين جهودها لجعل الدول الرئيسية المنتجة للنفط مثل المملكة العربية السعودية تشتري النفط باليوان وعملات أخرى، وكانت هناك مناقشات جديدة في أمريكا الجنوبية بين الدول الأعضاء في بريكس مثل البرازيل حول التخلي عن الدولار كعملة تجارية. وإذا ما تحقق ذلك الأمر، فإنه سيخلق تحديات كبيرة للولايات المتحدة.

وعلى ضوء تلك المحاولات، فإن اهتمام الصين بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو هجوم واضح على موقف أمريكا في الشرق الأوسط. ولا يأتي ذلك من فراغ، حيث طورت إسرائيل والصين بصمت علاقات عسكرية وتجارية وثيقة على مدى العقود الماضية، مما أثار غضب الولايات المتحدة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء رحلته إلى بكين عام 2017،  إن البلدين كانا “شريكين من الجنة”. وفي تلك الزيارة، وقعا اتفاقية تجارية طويلة المدى تسمى “شراكة الابتكار الشاملة”.

وتعد الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن من المهم ملاحظة المواطن الذي تتركز فيها التدفقات التجارية، فوفقا لمجلة تايم، كانت 492 صفقة تجارية من أصل 507 بين البلدين من 2002 إلى 2022 في قطاع التكنولوجيا، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الزراعية والروبوتات.

كما ساهمت الصين بمبادراتها للبنية التحتية في إسرائيل في العقد الماضي، حيث شاركت الشركات الصينية في عام 2021، في توسيع ميناء حيفا. وأعربت الولايات المتحدة عن تحفظات جدية بشأن المشروع لأن الولايات المتحدة غالبا ما تستخدم حيفا لرسو أجزاء من الأسطول السادس الأمريكي، رفضت إسرائيل الطلب الأمريكي بتفتيش الميناء للتأكد من عدم وجود أي تكنولوجيا مراقبة صينية يمكنها التجسس على الأسطول السادس.

إن التأثير الصيني في الشرق الأوسط آخذ في الازدياد بسبب عقود من التخطيط الدقيق والتودد الهادئ، بغض النظر عن شعور أمريكا. ومع ارتفاع المشتريات الصينية من النفط الخام في الشرق الأوسط وانقسام الولايات المتحدة حول موقفها المستقبلي في المنطقة، سوف يتعمق النفوذ الصيني ويخرج إلى النور بالكامل.

ويمكننا رؤية ثمار تلك السنوات من التخطيط الدقيق في الجهود الدبلوماسية الصينية بين المملكة العربية السعودية وإيران. والسؤال الآن هو ما إذا كانت الصين ستتمكن من كسر الجمود وصياغة نهج جديد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولسوء الحظ ، لا يبدو ذلك الاحتمال وارد، حيث يجب أن يتغير استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية للوصول إلى  حلول سلمية منصفة ودائمة.

دعونا ننظر في البعد الاقتصادي، حيث تم بناء قطاع التكنولوجيا في إسرائيل على استخدام الاحتلال كمختبر تكنولوجي، وعلى سبيل المثال، ما كان لبرنامج التجسس بيغاسوس الذي تم تصديره إلى جميع أنحاء العالم أن يوجد من دون الاحتلال الإسرائيلي. إن مصفوفة السيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين هي مختبر مثالي لاختبار تكنولوجيا التجسس، وتم تدريب معظم المهندسين لنظام بيغاسوس من قبل الجيش الإسرائيلي واختبروا حرفتهم في الأراضي المحتلة، وتعد الصين عميلا مهما لهذه التكنولوجيا ولا ترغب على الأرجح في المخاطرة بفقدان تلك الأفكار الابتكارية.

ويجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى ضحية في  معركة جيوسياسية على السلطة يكونون فيها مجرد بندق على رقعة الشطرنج، وستستخدم إسرائيل علاقتها الدافئة مع بكين وبراعتها التكنولوجية الناشئة لضمان بقاء الوضع الراهن كما هو. وإذا كان هناك دعم قابل للتنفيذ للقضية الفلسطينية في العالم العربي، فإن المرء يتوقع المزيد من الضغط على بكين لمحاسبة إسرائيل على هيمنتها التي لا تنتهي على الحياة الفلسطينية، ومع ذلك، فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يمكن أن تعرض تداول المزيد من النفط باليوان أو فتح أجزاء من أرامكو السعودية للمستثمرين الصينيين مقابل ضغط ملموس على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية القائمة والمتعلقة بفلسطين.

ومع إقامة إسرائيل العلاقات مع المزيد من الدول العربية، يمكن استخدام سياسة الثواب والعقاب بشكل أقل لضمان تصرف بكين كوسيط منطقي، وبالتالي، ولا يهم كثيرا من وجهة النظر الفلسطينية من يتوسط في الصراع. ويمكنهم توقع نفس النتائج، مثل ترسيخ إسرائيل لاحتلالها وسيطرتها على حياة الفلسطينيين.

إن اندفاع الصين إلى دبلوماسية الشرق الأوسط له علاقة بوضعها كقوة عظمى تقوض الهيبة الأمريكية في المنطقة أكثر من اهتمامها في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

 

جوزيف دانا: كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، وقد قدم تقارير من القدس ورام الله والقاهرة واسطنبول وأبو ظبي، وشغل سابقا منصب رئيس تحرير “إميرج 85” ، وهو مشروع إعلامي في أبو ظبي لاستكشاف التغيير في الأسواق الناشئة.


SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: