أثار التصاعد الأخير في الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا تساؤلات حول فعالية سياسة إدارة بايدن تجاه إيران ومخاوف من احتمال اندلاع صراع جديد في المنطقة.

رغم زيادة هذه الهجمات بقدر كبير خلال العامين الماضيين، فإن الموجة الأخيرة مثيرة للقلق بشكل خاص؛ فقد اندلعت سلسلة من العمليات الانتقامية المتبادلة بين القوات الأمريكية والميليشيات المدعومة من إيران إثر هجوم بطائرة بدون طيّار في 23 مارس على منشأة يستخدمها الجيش الأمريكي في الحسكة شمال شرق سوريا.

قُتل في ذلك الهجوم على الحسكة متعاقد أمريكي وأصيب عدد من الجنود الأمريكيين. ودفع الحادث واشنطن إلى تنفيذ سلسلة من الهجمات العنيفة ضد الميليشيات المدعومة من إيران، والتي ردت بشن هجمات على قواعد قوات التحالف في سوريا.

على عكس الحوادث السابقة، أسفر هجوم الطائرة بدون طيّار عن عدد من الضحايا فاق العامين الماضيين، والذي بلغ مجموعه 10. وتشير هذه التطورات بقوة إلى أن رد واشنطن الناعم على الميليشيات المدعومة من إيران لا يؤدي سوى إلى مزيد من العدوان الغاشم. وفي الواقع، صرَّح مسؤولون في البنتاغون لوكالة صوت أمريكا الإخبارية الشهر الماضي بأن الهجمات الأخيرة تسببت في إصابة 23 عسكريًّا أمريكيًّا بإصابات دماغية رضية.

يُعتقَد أن الولايات المتحدة لديها حوالي 900 جندي في سوريا. وتدعم هذه القوات في الغالب قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في قتالها ضد فلول داعش، إذ تمنع هذه الجماعة الإرهابية من استعادة السيطرة على الأراضي السورية.

لكن ليست كل القوات الأمريكية متمركزة داخل المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد. لواشنطن أيضًا وجود عسكري كبير نسبيًا في قاعدة التنف التي تقع على طريق استراتيجي يربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا. وتُعتبَر هذه القاعدة في الغالب جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية الأوسع نطاقًا التي تهدف إلى كبح النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة.

خلال السبعة وعشرين شهرًا التي مضت على تولي الرئيس جو بايدن منصبه، أُبلِغ عن 84 هجومًا على الأقل على مواقع تتمركز فيها القوات الأمريكية أو المتعاقدون الأمريكيون في العراق وسوريا. هذا يعني أن المعدل أكثر من ثلاث هجمات في الشهر، وهو معدل غير مسبوق في تاريخ العمليات الأمريكية في سوريا.

شُنَّت معظم هذه الهجمات على مواقع أمريكية في شمال شرق سوريا حيث تتمركز العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أهمية قاعدة التنف بالنسبة لإيران، فقد جاءت في المرتبة الثانية من حيث الهجوم عليها. والجدير بالذكر أن الطائرات بدون طيّار المستخدمة في الهجمات على سوريا كانت مماثلة لتلك المستخدمة ضد القواعد الجوية الأمريكية في العراق.

يشير هذا بقوة إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران من المحتمل أن تكون وراء غارات الطائرات بدون طيار في كلا البلدين، ويشمل ذلك غالبية الهجمات التي لم تعلن جهة مسؤوليتها عنها.

ورغم أن طرد القوات الأمريكية من سوريا هو الهدف المشترك، فالدوافع وراء الهجمات متباينة. على سبيل المثال، يُعتقَد أن هجمات يناير كانت مدفوعة برغبة الفصائل المدعومة من إيران في إحياء الذكرى الثالثة لقتل قاسم سليماني، المسؤول العسكري الإيراني الكبير الذي قُتل في غارة جوية أمريكية في يناير 2020.

ويُشتبَه في ارتباط هجمات أخرى بالمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. وقد ذكرت عدة مصادر دبلوماسية أن بعض الهجمات كانت تهدف إلى التأثير على المفاوضات، بينما دُبِرت أخرى على أيدي متشددين لإفساد المحادثات تمامًا.

في الوقت نفسه، قال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن الجماعات المدعومة من إيران في سوريا تهاجم القوات الأمريكية ليس فقط ردًا على الضربات الجوية الأمريكية، وإنما أيضًا ردًا على الضربات الجوية الإسرائيلية.

ونظرًا لافتقار المقاتلين المدعومين من إيران إلى القدرة أو الرغبة في مهاجمة إسرائيل مباشرة، جاء ردهم غالبًا باستهداف القوات الأمريكية بدلًا من ذلك، لأنها تعتبر أسهل وأقل خطورة. على سبيل المثال، وقع هجومان من هجمات الشهر الماضي في اليوم التالي لغارات جوية إسرائيلية مشتبه بها استهدفت الفصائل المدعومة من إيران في سوريا في 12 مارس و22 مارس.

لكن هذه العوامل ليست جديدة، ولا يمكنها وحدها تفسير الدافع وراء التصاعد الأخير في الهجمات ضد القوات الأمريكية. وربما تكمن الإجابة في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة بايدن.

فقد شجعت قرارات البيت الأبيض بالانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة العسكرية الأمريكية في العراق الميليشيات المدعومة من إيران على اختبار حدود واشنطن في كل من سوريا والعراق. والأهم من ذلك أن الولايات المتحدة امتنعت عن الانتقام بقوة من المتورطين في الهجمات على قواعدها.

حتى الآن، شنت إدارة بايدن أربع ضربات جوية انتقامية فقط ردًا على 84 هجومًا وقع في العراق وسوريا. واقتصرت هذه العمليات الانتقامية في الغالب على استهداف البنية التحتية التابعة للجماعات المدعومة من إيران بدلًا من معاقبة الجماعات المسؤولة بحزم.

ومحدودية العقاب الذي فرضته الولايات المتحدة على المعتدين المتحالفين مع إيران لم يؤدِ فقط إلى زيادة جرأة الهجمات، بل جعلت من القوات الأمريكية هدفًا سهلًا. وفي جلسات استماع الكونغرس الشهر الماضي، اتهم المُشرِّعون الجمهوريون إدارة بايدن بالتساهل مع طهران والفشل في حماية القوات الأمريكية.

إن رغبة واشنطن في الحد من مخاطر التصعيد مع إيران أمر مفهوم. ولكن فشل الولايات المتحدة في تنفيذ استراتيجية ردع فعّالة أدى إلى زيادة المخاطر التي يواجهها الجنود الأمريكيون في سوريا.

 

دكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. تويتر: @HaidHaid22

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: