عُدلت مواد قانون الانتخابات العراقية مرة أخرى في أواخر شهر مارس، مثلما حدث عقب كل دورة انتخابية تقريبًا، فبعد الانتقال إلى نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل(SNTV) في عام 2021، عاد الآن نظام التصويت إلى نموذج التمثيل النسبي (PR)، الذي كان يستخدم في الماضي.

 

الأمر الذي أثار حفيظة الناخبين، واندلعت على إثره عدد من المظاهرات في جميع أنحاء البلاد، لاعتقادهم أن نظام التصويت هو الذي سهل وساعد على تشكيل الحكومات الطائفية المتعاقبة.

 

ورغم أن وجهة النظر هذه تدعمها بعض الحقائق، إلا أنها لا تمثل الحقيقة الكاملة. فتشكيل الحكومة في العراق يقوم على أساس تقسيم المناصب والحقائب الوزارية الرئيسية بين الأحزاب والفصائل السياسية، ويُعتمد في هذا التقسيم بشكل جزئي فقط على نسبة التصويت، لأن نظام التصويت غير مؤثر في هذه العملية، إنما تكمن المشكلة الحقيقية في عملية تشكيل الحكومة.

وللأسف، معظم الناخبين لا يدركون تلك الحقيقة، فمنذ العام 2019، ازدادت المظاهرات المناهضة لعملية تشكيل الحكومة وأصبحت أكثر عنفاً، حيث طالب الناخبون فيها أن يعكس التشكيل النهائي للحكومة إرادة الشعب.

 

وفي استجابةً محدودة للغضب الشعبي، اُعتمد قانون جديد للانتخابات في عام 2021، تم التخلي فيه عن نظام التمثيل النسبي (قوائم مفتوحة مع تخصيص مقاعد بنظام سانت لاغو) لصالح نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV –القائم على مبدأ الفوز للمرشح الأكثر حصولًا على الأصوات، حيث يتنافس المرشحون بشكل مباشر داخل دوائر انتخابية متعددة المقاعد. ووفقًا لنظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV، تُوزع المقاعد على المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات.

 

وتتمثل ميزة الناخب في نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV في أمرين. أولهما، أنه على عكس نظام التمثيل النسبي الذي تستلم فيه الأحزاب الأصوات وتختار الممثلين، فإن نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV، يختار فيه الناخبون المرشحين بأنفسهم، ويمارسون السيطرة الكاملة على الانتخابات. والامر الثاني، نظرًا لكونه نظامًا قائمًا على فوز المرشح الأكثر حصولًا على الأصوات، فلا توجد مطالبات بحسابات لتخصيص المقاعد، وهو عنصر أساسي في نظام التمثيل النسبي. الأمر الذي يؤدي إلى زيادة شفافية التصويت.

 

ولكن، توجد بعض الجوانب السلبية لهذا النظام، منها على سبيل المثال، ضعف تماسك الأحزاب والقوى السياسية، نتيجة تنافس المرشحين ضد بعضهم البعض بما في ذلك تنافس الأعضاء داخل الحزب الواحد على نفس المقعد.

 

من الملاحظ أيضاً ضياع عدد كبير من الأصوات مع نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV. وبموجب الأنظمة الانتخابية السابقة في العراق للتمثيل النسبي للقائمة المفتوحة أو المغلقة، يمكن إعادة توزيع الأصوات التي حصل عليها مرشح واحد على مرشحين آخرين من نفس الحزب. فمثلا، إذا كانت المرشح “أ” بحاجة إلى 5,000 صوت للفوز بمقعد وحصل هذا المرشح على 10,000 صوت، فيمكن إعادة توزيع الأصوات الزائدة لضمان انتخاب المرشح (ب).

 

 

أما في نموذج الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV، فإن جميع الأصوات البالغ عددها 10,000 ستبقى مع المرشح (أ). ونظراً لحاجة المرشح (أ) إلى منافسة المرشحين من أعضاء الحزب التابع له، ففي هذه الحالة تقل احتمالية التعاون بين أعضاء الحزب الواحد لضمان أصوات الكتلة التصويتية.

 

لقد ضمن استخدام نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV في أفغانستان وبصورة عملية عدم توسع الأحزاب القوية. إلا أنه لم يكن ذا أهمية لاستخدام البلاد نظامًا رئاسيًا قبل استيلاء طالبان على السلطة في عام 2021. وفي الجانب الآخر، فإن استخدام النظام البرلماني العراقي لنظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV قلل بشكل كبير من قوة القواعد الجماهيرية لجميع الأحزاب باستثناء قاعدة واحدة.

 

عندما تبنت العراق ولأول مرة نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV، لم يكن لدى الأحزاب والقوى السياسية معرفة تذكر لتأثير نظام التصويت على تماسك الحزب. ففي الانتخابات البرلمانية عام 2021، تباينت عدد أصوات الفوز بالمقعد بشكل كبير، من 12,000 صوت لحزب الأمة إلى 107,000 صوت لائتلاف النهج الوطني. وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 781 ألف صوت، وحصل على 31 مقعدًا (ما يقرب من 25,200 صوت لكل مقعد)، بينما حصل ائتلاف الفتح، الذي حصل على 462 ألف صوت، على 17 مقعدًا فقط (ما يقرب من 27,200 صوت لكل مقعد).

 

في المقابل، أدرك التيار الصدري بدقة أنه سيتعين عليهم تكييف استراتيجياتهم لضمان سيطرة الناخبين في أقوى مناطقهم. وبالتالي، حصلوا على 885,000 صوت في عام 2021، والتي تُرجمت إلى 73 مقعدًا (12,100 صوت لكل مقعد).

يعتبر تشكيل الحكومة في ظل نظام الصوت الواحد الغير قابل للتحويل SNTV أكثر تعقيدًا، حيث يجب على كل تكتل التفاوض مع عدد أكبر من التكتلات الأصغر لتحقيق ائتلاف الأغلبية. ونظرًا لأن كل مرشح لديه تفويض شخصي، فإن قوة الحزب والولاء له يضعفه الأفراد الذين يهتمون بالسعي خلف تحقيق أجنداتهم الشخصية. كان هذا واضحًا خلال عملية تشكيل الحكومة بين عامي نوفمبر 2021 وأكتوبر 2022، والتي استمرت لمدة قياسية 357 يومًا.

 

ومع عودة العراق إلى نموذج التمثيل النسبي / سانت لاغو، فقد حان الوقت لكي يدرك الناخبون أن التحكم الأكبر في تشكيل الحكومة ليس له علاقة بنظام التصويت في حد ذاته، إنما بعملية تشكيل الحكومة نفسها. وأن هذ الجانب هو ما يحتاج إلى التعديل والإصلاح.

 

 

وتم تجاهل قضية تشكيل الحكومة ولم تناقش من قبل رجال السياسة منذ انتخابات عام 2010، والتي رفض فيها رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي التنحي بعد خسارة التصويت الشعبي، حيث لم يُظهر القادة أي رغبة في طرح القضية على طاولة النقاش. وإلى أن يتغير ذلك، سيكون من الصعب على العراق تحقيق الاستقرار السياسي مع تأييد ومؤازرة الشعب العراقي.

 

فيكتوريا ستيوارت جولي، خبيرة في قانون الانتخابات وزميلة وباحثة كبيرة في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبو ظبي، وزميلة في كلية داونينج في جامعة كامبريدج.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: