شابه القرار الذي طال انتظاره هذا الأسبوع من جامعة الدول العربية بإعادة قبول سوريا بعد عقد من الزمان طعم العلقم، حتى لبعض من كان منخرط في ذلك الشأن، ولا يزال الدمار الذي خلفته السنوات الـ 10 الماضية أمام أعين الجميع، ولا تزال المعاناة الإنسانية واضحة للعيان. وتشهد الاستجابة الصامتة من عواصم الشرق الأوسط، ومن الساسة الغربيين والمعارضة السورية على الشعور بأن الشرق الأوسط قد تغير كثيرا إلى الحد الذي جعل ما لم يكن من الممكن تصوره واقعاً ملموساُ،  لقد عاد نظام الأسد إلى الساحة.

 

ويمر الشرق الأوسط بتحولات سياسية عميقة، على الرغم من أن أهمية كل تحول من تلك التحولات ليست واضحة المعالم، وتأتي إعادة قبول الجامعة العربية بعد وقت قصير من اتفاق دبلوماسي بوساطة صينية بين المملكة العربية السعودية وإيران، ووقف محتمل لإطلاق النار في حرب اليمن، وأول زيارة للرئيس الإيراني إلى دمشق منذ بدء الحرب السورية.

 

وأجبرت سنوات من الحرب بعض الأطراف على الاعتراف بأن هناك حاجة إلى توجه جديد، في ضل غياب ضوء في أخر النفق، والضغط الشديد من جانب اللاجئين السوريين خاصة في لبنان والأردن وتركيا، وكان الأردن هو أول من كسر الحضر الصحي المفروض على الأسد، لذلك ليس من المستغرب أن المملكة هي التي قدمت المبادرة، في عام 2021، تلقى الملك عبد الله مكالمة هاتفية من الأسد، منهيا العزلة وبدأ عملية تدريجية، إن لم تكن مصالحة، فعلى الأقل اعتراف.

 

وقال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن عودة سوريا ستكون “تدريجية”، وستعتمد على كل دولة عربية على حدة، وأشار إلى أن عملية العودة هي في طور البداية.

 

لكن بداية ماذا؟ ربما تكون الجامعة العربية قد فتحت الباب أمام التطبيع مع النظام السوري، لكن سوريا تغيرت كثيرا، وقد لا تكون دولة طبيعية مرة أخرى.

 

لقد طُرح السؤال حول مدى ابتعاد سوريا عن مدار الشرق الأوسط من قبل، ففي منتصف عام 2000، وصلت العلاقة بين دمشق والمنطقة إلى أسوء حالاتها. إن الاحتلال المتواصل للعراق، والحرب الجامدة بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006، والأزمة المستمرة في لبنان، ظهر كل ذلك عندما جاءت قمة جامعة الدول العربية في عام 2008 والتي عقدت في دمشق، ولم يحضر سوى نصف القادة العرب. ومع ذلك ، وفي غضون عام كان التقارب قائما، ثم، كما هو الحال الآن، خلقت السياسة خارج سوريا في نهاية المطاف الظروف لعودتها.

 

ومع ذلك، كان عام 2008 مختلفا، وليس فقط بسبب حجم الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد في السنوات العشر الماضية، لقد تغيرت سوريا في أواخر عام 2000 بسبب حرب العراق والأزمات الأخرى، لكنها لم تتغير بشكل أساسي كدولة، واليوم، حصل التغيير.

 

وأساس الضغوط من أجل إعادة التأهيل مع الأسد هو عقار الكبتاغون ، وهو عقار على غرار الأمفيتامين ينتج في سوريا ويتم تصديره عبر الشرق الأوسط، ومنذ أن بدأ النظام السوري في إنتاج العقار بكميات كبيرة بعد عامين من الحرب الأهلية، غمرت الحبوب أجزاء من الشرق الأوسط، ووجدت عشرات الملايين من الحبوب طريقها إلى مدن الخليج وإلى أوروبا. ووفقا لأحد التقديرات، فإن 80 في المائة من جميع حبوب الكبتاغون المنتجة في العالم تصنع في سوريا، وتخلق تلك الحبوب مليارات الدولارات من الإيرادات.

 

لقد غير إنتاج الكبتاغون وتوزيعه الطريقة التي يعمل بها النظام السوري، وأعطى القوة والمال وحرية التصرف لمجموعة متنوعة من الجماعات الخارجة عن سيطرة الدولة، وأصبحت حدود الأردن الطويلة مع سوريا محور تركيز تلك الجماعات، مما أدى إلى معارك بالأسلحة النارية مع الجنود الأردنيين.

 

والسؤال الذي سيريد الأردن والعالم العربي بشكل عام الإجابة عليه هو: هل تستطيع سوريا الآن كبح جماح تلك العصابات الإجرامية، مقابل العودة إلى الحظيرة العربية؟ وهل سيرغبون في فعل ذلك ، إذا لم يتم استبدال الأموال من تهريب الكبتاغون بشيء آخر؟

 

وكدليل على مدى جدية الأردن في التعامل مع تهريب المخدرات، شنت عمان غارات جوية نادرة الحدوث على الأراضي السورية في اليوم التالي لتصويت جامعة الدول العربية على قرار إعادة إرجاع سوريا، مما أسفر عن مقتل أحد أكبر تجار المخدرات المشتبه بهم. وكل ذلك جزء من الرسالة القوية التي يصر الأردن على إرسالها إلى دمشق: إن التطبيع له ثمن.

 

وهنا سيحتاج القادة العرب، بعد أن اتخذوا القرار المرير بإعادة قبول دمشق، إلى توسيع طاقاتهم السياسية: ما هو الثمن الذي سيطالبون به لعودة سوريا، وهل هو الثمن الذي يمكن للأسد دفعه؟

 

وبالنسبة للأردن، فإن الركائز الثلاث هي المخدرات واللاجئين والميليشيات المتجولة، وتمثل تلك المليشيات، التي تتداخل بين مهربي المخدرات والميليشيات الموالية لإيران، مصدر قلق للبلدان الأخرى.

 

وهذا هو المكان الذي تظهر فيه النقاط المحتملة بالغة التعقيد، لأنه مثلما يوفر تهريب الكبتاغون أموالا للنظام والتي سيحتاج إلى تعويضها من مصدر آخر، فإن الميليشيات تقدم فوائد سياسية يجب تعويضها، وكان ظهور الرئيس الإيراني الأسبوع الماضي رسالة واضحة مفادها أن إيران لن تنسحب ببساطة من سوريا.

 

ولا يزال الوضع الحالي في سوريا أكبر عقبة سياسية أمام أي تطبيع.

 

وببساطة، تحولت سوريا من دولة استبدادية إلى شيء مختلف إلى حد ما، فالنظام تحت سيطرة طهران، وتحت رحمة حزب الله، وتحت الوصاية الروسية. وإمبراطورية التهريب الخاصة بالنظام السوري واسعة جدا لدرجة أنه أطلق عليه اسم دولة المخدرات، وفي ظل هذه الظروف، قد تكون فكرة التطبيع مع النظام مجرد خيال: حيث أن النظام نفسه غير قادر على التصرف “بشكل طبيعي”.

 

إن محاولة معالجة القضايا الواسعة المتعلقة باللاجئين والميليشيات والتهريب تتطلب دولة مستعدة للتصرف بشكل طبيعي، وبعد عقد من الحرب، أصبحت سوريا دولة مختلفة تماما عن تلك التي بدأت فيها الانتفاضة، وأي محاولة للتطبيع قد تصطدم بذلك الواقع الغريب. لقد تغيرت سوريا، تغيرت بشكل كبير.

 

يكتب فيصل اليافعي حاليا كتابا عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في قنوات إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، ونشر تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 تويتر: @FaisalAlYafai

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: