هناك أكثر من طريقة لفهم الأحداث الأخيرة في جنين، فكما هو الحال مع أي عملية إسرائيلية في الضفة الغربية، كان تفسير إسرائيل لهجومها على مخيم اللاجئين الفلسطينيين – الذي أسفر عن مقتل 12 فلسطينيا وإصابة 140 آخرين وأجبر الآلاف على الفرار – هو الحد من قوة المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية. وانتشرت الأخبار حول الارتفاع الأخير في الهجمات الفلسطينية على الجيش الإسرائيلي والمدنيين الإسرائيليين، ولكن التفسير الإسرائيلي لا يعترف أبدا بالعدوان المستمر الذي يأتي مع احتلال عسكري كامل، إن الإبقاء على الاحتلال الإسرائيلي وتوسيعه هو الدافع الرئيسي لأعمال إسرائيل الأخيرة في جنين.

 

ومن الضروري أيضا النظر إلى عملية جنين الأخيرة من وجهة النظر السياسية للحكومة اليمينية المتشددة في إسرائيل، إن تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين – فقد قتل الجيش الإسرائيلي 114 فلسطينيا هذا العام، وقتل الفلسطينيون 16 إسرائيليا – أعطى السياسيين المتطرفين في إسرائيل منصة للتحريض على الكراهية وتشجيع التوسع في المناطق الفلسطينية.

 

ورد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أدين بالتحريض على العنصرية، على هجوم وقع مؤخرا على المستوطنين الإسرائيليين بدعوات إلى “عملية عسكرية لهدم المباني، والقضاء على الإرهابيين، ليس إرهابيا أو اثنين، بل عشرات والمئات منهم وإذا لزم الأمر حتى الآلاف”. ودعا سياسيون آخرون إلى زيادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية ردا على موجة العنف التي تجتاح القطاع. وهناك مناقشات مفتوحة في إسرائيل وفلسطين حول عمليات الطرد الفلسطينية واسعة النطاق من الضفة الغربية والتي يمكن العمل بها في المستقبل غير البعيد.

 

وينظر الفلسطينيون إلى عملية جنين على أنها محاولة خطيرة لزعزعة استقرار حياتهم،  وقد أثبتت هيئات مثل السلطة الفلسطينية عجزها التام عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وكرامتهم في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والاستيلاء على الأراضي، وفي هذه المرحلة، فإن حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقات أوسلو، اصبح ذكرى طواها النسيان، ناهيك عن خطة قابلة للتطبيق.

 

وفي حين أن تصاعد العنف بين الجانبين لا يمكن إنكاره، إلا أنه أحد أعراض قضية أكبر، حيث أن احتلال فلسطين هو مشروع الدولة الأكثر تمويلا في تاريخ إسرائيل. وظاهريا، تم الترويج للاحتلال كإجراء دفاعي مؤقت ضروري من أجل بقاء إسرائيل، ومع ذلك ، فإنه يلبي العديد من الاحتياجات الأخرى، ونظرا للارتباط الديني بالضفة الغربية، يوفر الاحتلال غطاء ديني لمشروع الصهيونية العلمانية، والسيطرة على المدن المقدسة في التاريخ الديني اليهودي تدفع اليهود في جميع أنحاء العالم لدعم إسرائيل وحكومتها.

 

والأهم من ذلك، أن سيطرة إسرائيل العسكرية على شعب بأكمله سهلت إنشاء صناعة أسلحة مربحة، ففي كتابه الجديد “مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم”، وثق الصحفي الأسترالي أنتوني لوينشتاين العلاقة المعقدة بين احتلال فلسطين وتطوير صناعة الأسلحة الحديثة، إن السيطرة على الملايين من الناس تتطلب أكثر من مجرد جيش قوي، حيث هيمنت إسرائيل تقريبا على جميع جوانب الحياة الفلسطينية بكفاءة ملحوظة من خلال مصفوفة من نقاط التفتيش والحواجز المادية وتقنيات المراقبة المتقدمة.

 

وأصبحت الأنظمة التي صممتها إسرائيل وطورتها واختبرتها سلعا مربحة للتصدير إلى بعض أكثر الأنظمة قمعا في العالم، وفي حين أن الكثيرين سمعوا عن مجموعة (إن أس أو) الإسرائيلية وتكنولوجيا اختراق الهواتف الخاصة بها، إلا أن القليل يعرف التاريخ الطويل لإسرائيل في مجال تصدير تقنيات الأسلحة، فمن تشيلي بينوشيه إلى جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، استخدمت إسرائيل المعرفة والأنظمة التي تشتريها للسيطرة على الفلسطينيين بغرض إقامة علاقات تجارية وسياسية مربحة في جميع أنحاء العالم.

 

وبرنامج الطائرات بدون طيار الإسرائيلي، الذي جلب مليارات الدولارات إلى البلاد، هو واحد من أفضل البرامج في العالم، ويشير لوينشتاين إلى أن تلك التكنلوجيا أصبحت جيدة جدا لأن الجيش الإسرائيلي لديه سكان أسرى في الضفة الغربية وغزة بحيث يمكنه تحليق طائرات بدون طيار واختبار تقنيات مختلفة عليهم. وتعتبر الأسلحة المختبرة وتكنولوجيا المراقبة بشكل عام الأفضل، ويمكن لإسرائيل اختبار منتجاتها على مدار 24 ساعة في اليوم على السكان الفلسطينيين الأسرى.

 

إذا انتهى الاحتلال غدا وتم تطبيق حل الدولتين على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، فإن إسرائيل ستفقد مختبرها التكنولوجي. إن صناعة الأسلحة الإسرائيلية، تماما مثل صناعة الأسلحة في جنوب أفريقيا في نظام الفصل العنصري، سوف تضعف. وبما أن العديد من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا المتبجحين في إسرائيل بدأوا في وحدات عسكرية نخبوية، فإن قطاع التكنولوجيا السائد في البلاد سيتلقى ضربة قوية أيضا. أين سيختبرون منتجاتهم وأفكارهم الجديدة؟ ومن هذا المنظور، فإن لإسرائيل مصلحة اقتصادية كبيرة في ترسيخ احتلالها لفلسطين، وعليه، فإن المواقف السياسية هي عبارة عن محاولة لتشتيت الانتباه للحفاظ على الشعب الفلسطيني كمورد للاستثمار في مشروع الدولة الكبير.

 

تبدو عملية جنين الأخيرة مختلفة عند النظر إلى فلسطين كمختبر للأسلحة، وفي حين أن دورة العنف قد تكون في طريقها إلى التصعيد، حيث قرر الجيش الإسرائيلي اختبار أدوات واستراتيجيات جديدة في جنين، وما تعلموه من العملية سيتحول إلى تقنيات المراقبة والتحكم الجديدة التي ستجد طريقها في نهاية المطاف في جميع أنحاء العالم. إذا كنت تريد أن تجد سببا للهجوم على جنين أو استمرار الاحتلال الإسرائيلي، فانظر إلى تكنولوجيا الأسلحة.

 

جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، وقد قدم تقارير من القدس ورام الله والقاهرة واسطنبول وأبو ظبي، وشغل سابقا منصب رئيس تحرير “إميرج 85”  وهو مشروع إعلامي مقره أبوظبي ويستكشاف التغيير في الأسواق الناشئة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: