يُصرف أكثر من ثلث الكهرباء في دولة الإمارات العربية المتحدة في مهمة واحدة وبسيطة، ولكنها أساسية وهي الحفاظ على برودة الجو، وترتفع تلك النسبة لتصل إلى 70 في المئة خلال موسم الصيف. وفي البلدان شديدة الحرارة ذات الأنظمة الكهربائية البدائية، مثل العراق أو لبنان، فإن الافتقار إلى تكييف الهواء لا يشكل تهديدا لمستوى راحة الشعب فحسب، بل يشكل تهديدا على حياتهم.

 

ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة حجم ذلك التحدي، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة في دولة الإمارات العربية المتحدة من حوالي 27.5 درجة مئوية في خمسينيات القرن العشرين إلى أكثر من 28 درجة في أواخر القرن العشرين، وأكثر من 29 درجة في عام 2021. وقد ارتفعت درجة الحرارة في العراق إلى ما يقرب من ثلاث درجات منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتظهر الأخبار المرتبطة بالحرارة الشديدة التي تؤثر على جنوب أوروبا وأجزاء من الولايات المتحدة والصين أن الطلب على الهواء البارد سيزداد على مستوى العالم.

 

إن التمدن العمراني وفقدان الغطاء النباتي والمائي، وانتشار مباني الطوب والخرسانة والأسفلت التي تمتص الحرارة وتعيد إشعاعها في الليل، تزيد من حرارة المدن، ولا تعطي الناس البرودة الكافية حتى عندما تغرب الشمس.

 

والتزمت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وعمان والبحرين في الخليج العربي بأهداف صافي الكربون الصفري بين عامي 2050 و2060، وتتعرض منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها لضغوط متزايدة لإزالة الكربون، ومع ذلك، فإن التوسع السكاني، وانشار المباني وتعاظم حجمها، فضلا عن انشار أنماط حياة الطبقة المتوسطة، كل ذلك يحتاج إلى المزيد من الكهرباء، ويظل حرق الغاز والنفط الوسيلة الرئيسية لإنتاج الكهرباء، مما يعني حرق الأموال لتبريد المنازل وفي نفس الوقت رفع درجة حرارة كوكب الأرض.

 

وستعول دول مجلس التعاون الخليجي المقتدرة بشكل كبير على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، لكن هذا مستحيل بالنسبة لبلد مثل العراق، حيث يزداد عدد السكان بمقدار مليون نسمة كل عام، وحيث تبلغ ذروة إنتاج الكهرباء 22 جيجاوات فقط في حين هناك حاجة إلى 35 جيجاوات في فصل الصيف.

 

وهناك حوالي 60 مليون وحدة تكييف في الشرق الأوسط اليوم، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع ذلك إلى 210 مليون وحدة بحلول عام 2050، وسيكون النمو أكثر دراماتيكية في البلدان المكتظة بالسكان التي وصلت الآن إلى مستوى البلدان ذات الدخل المتوسط، مثل الهند وإندونيسيا، وستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتأكيد إلى المزيد من مكيفات الهواء، ولكنها ستحتاج أيضا إلى أن تكون أكثر ذكاء بشأن كيفية إدارة درجات الحرارة القصوى.

 

ويمكن أن تساعدنا أربعة طرق عامة في الحفاظ على البرودة بتكلفة معقولة للميزانية ولكوكب الأرض، والأولى هي السلوك الأكثر وعيا مثل عدم تبريد الغرف غير المستخدمة، وتظليل النوافذ وتقليل التبريد أثناء مغادرة المنزل واستخدام المراوح بدلا من المبردات عندما لا تكون درجات الحرارة مرتفعة للغاية، وعدم تبريد المساحات الداخلية إلى مستويات عالية. كما أن إصلاح الدعم الحكومي للطاقة يحث المستهلكين على دفع سعر عادل لها، وفي الجانب الأخر يعد فرض رسوم أكبر في فترات الذروة استراتيجيات جيدة للناس والحكومات والبيئة.

 

ثانيا عنصر تكييف الهواء بالاستعانة بتكنلوجيا أفضل، ويمكن أن يكون ذلك بسيطا مثل استخدام النماذج الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، ويمكن لأنظمة التحكم الأفضل تجنب تبريد المناطق الخالية من البشر، على سبيل المثال، من خلال توصيل وحدة خارجية واحدة بوحدتين داخليتين وإدارة التدفق بينهما بذكاء. وتستخدم العديد من الوحدات الحديثة مركبات الكربون الهيدروفلورية، وهي غازات دفيئة قوية، وغالبا ما تتسرب، ولكن يمكن استبدالها ببدائل غير قابلة للاحترار.

 

وهناك أفكار جديدة وواعدة، فعلى سبيل المثال، تستخدم شركتا ترانسيرا وبلو فرونتير الأمريكيتان المدعومتان من بيل جيتس أملاح أو مواد شبيهة بالإسفنج لإزالة الرطوبة من الهواء قبل تبريده، مما يقلل من استخدام الطاقة بنسبة تصل إلى 70 في المائة، كما طور باروكال، “بلورات بلاستيكية” رخيصة وغير سامة تمتص الحرارة وتطلقها بدلا من الغازات، عند سريان الضغط أو عند الغائه.

 

وكشفت وحدة صناعة الطيران التابعة لشركة مبادلة للاستثمار “ستراتا للتصنيع” في  شهر يونيو الماضي،  عن شراكة مع شركتين ألمانيتين، هما “هايبر جانيك” – وهي شركة النظام الهندسي القائم على الذكاء الاصطناعي، و”إي أو إس” –  شركة الطباعة ثلاثية الأبعاد الصناعية، والقصد من ذلك هو تطوير نظام تكييف الهواء السكني الأكثر كفاءة في العالم.

 

وفي الوقت نفسه، يتم تبني تبريد المناطق والاحياء، حيث تقوم محطة مركزية بتوزيع المياه الباردة، وقد انتشر ذلك في المناطق الجديدة في دول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن أن يقلل ذلك من استخدام الكهرباء بنحو النصف وله ضعف عمر الأنظمة التقليدية، وهناك شركات مثل  إمباور وإيميكول وتبريد وهي شركات مختصة في تبريد المناطق التي تتخذ من الإمارات مقرا لها وتتوسع تلك الشركات في المملكة العربية السعودية ومصر والهند، لكنها غير مرنة إلى حد ما، ومناسبة بشكل أفضل للمواقع ذات الكثافة السكانية العالية، ولا يمكن تعديل عملها بسهولة ليناسب المباني القائمة.

 

والطريقة الثالثة هي جعل المباني أكثر كفاءة فيما يخص استخدام الطاقة، وتشمل الإصلاحات البسيطة عزلا أفضل حول النوافذ والأبواب، وتظليل المناطق المكشوفة، وطلاء الأسطح الداكنة باللون الأبيض، ويمكن للأنظمة الذكية أن تبرد قبل فترة منتصف النهار الحار أو قبل المساء عندما ينخفض توليد الطاقة الشمسية، حيث يمكن استخدام المباني بشكل فعال كبطاريات حرارية للحد من الحمل على الشبكة.

 

وتعمل الدهانات والمواد المبتكرة، مثل الأفلام البصرية التي طورتها ” سكاني كول سيستم” في الولايات المتحدة على إشعاع الحرارة في الفضاء السحيق باستخدام موجات طويلة يمكن أن تمر عبر الغلاف الجوي، مما يوفر ما يصل إلى 40 بالمائة في استخدام طاقة تكييف الهواء.

 

وأخيرا، نحن بحاجة إلى إعادة رسم المساحات الحضرية من خلال أخذ مدن الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط التاريخية كمصدر للإلهام، بشوارعها الضيقة المظللة، وواجهاتها البيضاء، ونوافذها، وأبراج الرياح، والمياه المفتوحة المتدفقة، والمساحات الخضراء. وتسمح الأماكن المزودة بتكييف الهواء الشمسي ودهان الجدران المبرد والممرات المبردة بشكل طبيعي ومسارات الدراجات للناس بالخروج من سياراتهم، كما تسمح للعاملين في الهواء الطلق بالعمل براحه حتى في الأشهر الأكثر حرارة.

 

إن العمل مع الطبيعة وليس ضدها له ميزة عدم الاعتماد كليا على التكنولوجيا أو الاعتماد على الكهرباء غير المتقطعة.

 

إن الاستثمار في تكييف الهواء المبتكر ضئيل مقارنة بالتقنيات الخضراء الأخرى، ففي العام الماضي، تم إنفاق 278 مليون دولار فقط من رأس المال الاستثماري على تبريد مساحاتنا الداخلية، مقابل 5.4 مليار دولار في مجال الطاقة الشمسية، و 3 مليارات دولار في الهيدروجين، وحتى 384 مليون دولار للطائرات الكهربائية، وستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، إلى مزيد من الاستثمار، والعقول الحكيمة من أجل اغتنام فرصة تكييف الهواء.

 

روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

 تويتر: @robinenergy

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: