لم تتردد جماعة داعش أبدا عن الحديث بتبجح عن أنشطتها الارهابية، حيث استخدمت الهجمات المزعومة والقدرة على الاعتداء على العواصم لبث الخوف في نفوس الأعداء منذ أن ظهرت على الساحة.
لكن أشار تقريرا سابق إلى أن الجماعة الإرهابية تمتنع عمدا عن نشر معلومات حول هجماتها، مما يكشف عن توترات داخلية وديناميكية يحتاج صانعو السياسة الذين يقودون المعركة ضد داعش إلى أخذها في عين الاعتبار.
ونشرت داعش في 25 يونيو تقريرا على منصة تلغرام عرضت فيه عملياتها العسكرية في سوريا، لا سيما في دير الزور ودرعا، وما ميز ذلك التقرير عن غيره هو أن العديد من الهجمات لم تتبناها الجماعة من قبل.
وفكرة أن داعش لا يبلغ عن الهجمات التي ينفذها لأسباب أمنية ليست جديدة، إلا أن مجموعة أخرى من وثائق داعش، التي يزعم أنها سربت ونشرتها وسيلة إعلامية مناهضة لداعش، تدعم ذلك الادعاء، مما يشير إلى أنها ليست مجرد رواية تخدم مصالحها الذاتية.
وتوفر الوثائق المسربة رؤى جيدة حول عملية صنع القرار فيما يخص تبني هجمات معينة دون غيرها، فضلا عن التوترات الداخلية الناتجة داخل المجموعة، كما يظهر أن المحللين الذين يعتمدون فقط على عدد الهجمات المزعومة لن يحصلوا على مقياس دقيق لقوة الجماعة المسلحة، لذلك يجب على صانعي السياسات توخي الحذر واتخاذ نهج شامل عند تقييم قدرات الجماعة والتهديد الذي تشكله.
وقد تم نشر الوثائق المسربة من قبل فضل عباد البغدادي والهاشمي في 20 يونيو و21 يونيو، و”المنفذ” الذي يعني اسمه “فضح المصلين” لزعيمي داعش المقتولين أبو بكر البغدادي وأبو إبراهيم الهاشمي القرشي، هو حساب مؤيد لتنظيم القاعدة ومناهض لداعش وينشر تعليقات ويزعم أنه يسرب اتصالات داخلية للمجموعة.
ووفقا لتلك الوثائق المسربة، فإن قسم الإعلام في داعش مسؤول عادة عن الإعلان عن الهجمات، ويتلقى الوثائق المحلية ويُحيلها إلى القسم المركزي للنشر. ولكن قرار الإعلان عن الهجوم من عدمه يقع على عاتق كبار وسائل الإعلام والقادة العسكريين، وتتمتع القيادة العسكرية المحلية بسلطة الاعتراض على النشر إذا اعتقدت أنه ضد مصالحها.
وتكشف الوثائق المسربة أيضا عن وجهات نظر متناقضة بين وسائل الإعلام والقادة العسكريين في سوريا فيما يتعلق بالهجمات التي يجب الإعلان عنها، وفي حين تتعاون بعض الفروع، مثل دير الزور، مع الإعلاميين، ترفض فروع أخرى، مثل فرعي البادية ودرعا، فكرة نشر أخبار عن الاعتداء، وتفيد التقارير بأن القيادة العسكرية، ولا سيما في تلك المناطق، تفرض سياسة إسكات وسائل الإعلام بسبب المخاوف الأمنية.
وقد أدى ذلك الاختلاف في وجهات النظر إلى توترات ونزاعات داخلية، ويجادل مسؤولو وسائل الإعلام الذين ينتقدون أمر حظر النشر بحكم الأمر الواقع بأنه يأتي بنتائج عكسية، ويفيد أعداء الجماعة ويعيق جهود آلة الدعاية الإعلامية، ويؤكدون أنه بصرف النظر عن الفشل في ردع الهجمات المضادة من قبل الأعداء، فإن نشر نشاط داعش من شأنه أن يغرس الخوف بين “المرتدين” وربما يلهم هجمات مماثلة في سوريا.
ولتعزيز حجتهم، زعم أن المسؤولين الإعلاميين تساءلوا كيف يختلف الوضع في سوريا عن المناطق في العراق حيث لا يزال مقاتلوها، على الرغم من مواجهتهم لضغوط عسكرية مكثفة، يصدرون أخبار تفاصيل الهجمات المزعومة.
وسبق أن اعترفت داعش بسياسة الصمت في صحيفتها الأسبوعية “النبأ”، وفي مقال نشر في 16 مارس، زعمت الجماعة أنها تمتنع عمدا عن نشر بعض الأخبار المتعلقة بالهجمات لأسباب عملياتية.
وفي مقابلة نادرة في شهر يوليو من العام الماضي مع رئيس عمليات داعش في البادية السورية، وهي منطقة صحراوية شاسعة تربط حمص وحماة والرقة ودير الزور، تم تقديم ادعاء مماثل. وقال المسؤول إن داعش نفذت عددا أكبر بكثير من الهجمات مما اعترفت به علنا، مما يشير إلى استراتيجية لتبادل المعلومات حول الهجمات أو تأخيرها أو حجبها بشكل انتقائي لأسباب عملياتية، ومن المثير للاهتمام أن القائد حذر أنصاره الذين قد يكونون متحمسين لمشاركة أخبار هجمات التنظيم من الامتناع عن القيام بذلك والالتزام الصارم بما تزعم به داعش في منصاتها الرسمية.
ومن المهم الاعتراف بأن رواية داعش حول الصمت الإعلامي يمكن استخدامها لتبرير الانخفاض الملحوظ في أرقام الهجمات المبلغ عنها، ولكن ليست داعش الكيان الوحيد الذي سلط الضوء على استراتيجية عدم الإبلاغ عن التقارير، حيث أشار مركز روج آفا، الذي يراقب هجمات داعش في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، إن المجموعة معروفة بتنفيذ هجمات لم تتبناها أي جهة في شمال شرق سوريا، وقال المركز أيضا إنه من بين 285 هجوما نسبت إلى التنظيم من قبل وسائل إعلام خارجية في عام 2022، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 185 هجوما فقط.
وقال تنظيم الدولة الإسلامية في 23 يونيو إنه نفذ هجمات استهدفت قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، مما أسفر عن مقتل وإصابة 19 مقاتلا في سبع عمليات. إن الهجوم على سجن سينا في الحسكة في شهر يناير من العام الماضي هو تذكير آخر بالقوة البشرية والفطنة التنظيمية التي لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يحتفظ بها، وتشير تلك الهجمات، من بين العديد من الهجمات الأخرى في الفترة السابقة، بقوة إلى أنه على الرغم من انخفاض عدد الهجمات المزعومة، لكن لا تزال خلايا داعش تحتفظ بموقع متميز في العديد من المناطق، مما يمكنها من تنفيذ هجمات حسب ما تراه مناسب.
ويُبين ذلك أهمية الاعتماد على نهج أكثر دقة تجاه الخطر الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والمنطقة برمتها. لذلك ينبغي على صانعي السياسات والمحللين تخطي الاعتماد فقط على الادعاءات الرسمية واعتماد نهج قائم على الأدلة يأخذ في عين الاعتبار الهجمات والقدرات العسكرية للجماعة، فضلا عن سياساته الإعلامية وموارده المالية ونفوذه على المجتمعات المحلية.
الدكتور حايد حايد/ كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.
تويتر: @HaidHaid22