بعد نحو 20 عامًا من حربه مع إسرائيل، يبدو حزب الله — بمضايقاته الدائمة للدولة اليهودية على الحدود الجنوبية للبنان — توّاقًا للعودة إلى ساحة القتال. ولا أحد يعلم بالضبط لماذا تجر هذه الميليشيا دولة متهالكة إلى الحرب.

 

في الأسابيع الأخيرة، جدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله النقاش حول المسائل التي لم تُحسَم في حرب 2006. فذلك الصراع كان قد انتهى دون تسوية وضع 13 نقطة حدودية، ولا مصير مزارع شبعا، ذلك الشريط الضيق من الأرض المتنازع عليه بالقرب من هضبة الجولان. وفيما يخص تلك المزارع، كان من المفترض التفاوض على ملكيتها بعد شهر من الحرب بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701. ولكن ذلك لم يحدث أبدًا.

 

برر نصر الله تعجُّله في هذه المسألة بقوله إنه قبل عام واحد، بدأت إسرائيل في تشييد جدار حدودي منيع ليحل محل السلك الشائك المتهالك. وأضاف أن حزب الله لا يسعى إلى ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، وهي العملية التي رفضها نصر الله في أكتوبر عندما عيَّن الجانبان حدودهما البحرية. وإنما ما يريده هو أن تنسحب إسرائيل من كل الأراضي التي يطالب بها لبنان، دون مفاوضات.

 

لماذا يحاول نصر الله إثارة مسألة الحدود الآن؟ ثمة رأي يقول بأنه يحاول إعادة التفاوض على قواعد الاشتباك مع إسرائيل، التي تكاد تصل حاليًا إلى عدم التسامح مطلقًا مع الهجمات عبر الحدود. ويشير رأي آخر إلى أن نصر الله يبغي صرف انتباه اللبنانيين عن الأوضاع المحلية البائسة في الدولة التي يعاني اقتصادها من الانهيار منذ سنوات.

 

ونكاية في إسرائيل، نصب حزب الله خيامًا في مزارع شبعا، ما دفع إسرائيل إلى حشد دعم دول العالم لإقناع الميليشيا بإزالة تلك الخيام. وإذا رفض حزب الله تنفيذ ذلك، فليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تصل إسرائيل في مساعيها لإجباره على التنفيذ. وفي حالة تصاعد الاشتباكات على الحدود، يقول نصر الله إنه واثق من تحقيق نصر آخر — كالنصر الذي تخيَّل أنه حققه في عام 2006 والذي زعمت حماس تحقيقه في عام 2021.

 

ولا يصر نصر الله على أن ميليشياته أفضل تسليحًا وأقوى من ذي قبل فحسب، وإنما يرى أيضًا أنها ستحظى بدعم المليشيات المناصرة لإيران، مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وقوات الحشد الشعبي العراقية، والتي «ستوحِّد الجبهات» وتُشِّن حربًا على إسرائيل على نحو متزامن. ولكن حتى وإن حدث ذلك، فليس من الواضح كيف سيتغلب نصر الله على إسرائيل ويرغمها على الإذعان بشأن أية مسألة.

 

في حال حدوث حرب شاملة، سيطلق حزب الله وحماس على الأرجح عددًا غير مسبوق من الصواريخ في محاولة للتغلب على قبة إسرائيل الحديدية، على أمل أن تتجاوز بعض هذه الصواريخ هذا النظام الدفاعي. وقد أمدت إيران حزب الله بطائرات مسيرة تفجيرية وصواريخ موجهة بدقة. وعند تشوش القبة الحديدية، سيستخدم حزب الله بعد ذلك صواريخه الأكبر حجمًا لضرب الأصول الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل مطار بن غوريون، والمنشآت البترولية والمصانع الكيميائية والمناطق كثيفة السكان. وستنشغل القوات الجوية الإسرائيلية بتفادي منصات إطلاق صواريخ الميليشيا أو الرد عليها.

 

هذا ومن المحتمل أن يكون حزب الله وحماس قد حفروا أنفاق لنقل المقاتلين إلى خلف الخطوط الإسرائيلية. وهذه الأنفاق ليست بالخطورة التي تبدو عليها لأنها ممرات ضيقة تدفع المقاتلين للتسلسل إلى داخل إسرائيل حاملين أسلحة خفيفة فقط. ولن تسمح هذه الأنفاق بحشد مقاتلي حزب الله أو حماس أو نقل الأسلحة الثقيلة اللازمة للدخول في صراع فعّال مع قوات الدفاع الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن المحاربين خلف الخطوط الإسرائيلية يمكنهم أخذ رهائن أو فرض سيطرتهم لبعض الوقت على إحدى المدن، الأمر الذي سيُعَد نصرًا هائلًا في وسائل الإعلام.

 

وإذا قرر حزب الله أو حماس دخول الأراضي الإسرائيلية، سيؤدي تحكم إسرائيل غير المتنازع عليه في المجال الجوي إلى إبادة المقاتلين المُغيرين. وقد كان ذلك السبب الرئيسي لتبديل إسرائيل مصيرها في حربها مع مصر وسوريا عام 1973. فعندما خرجت القوات البرية المصرية من مظلة صواريخ الأرض – جو، هاجمتهم القوات الجوية الإسرائيلية وأفسحت المجال لهجوم مضاد.

 

إنَّ تفاخر نصر الله المتواصل بأن أيام الذل قد ولت يعطي انطباعًا بأن إيران وميليشياتها قد اكتسبت قوة غير مسبوقة. لكن قوة إسرائيل القتالية تجعل قوة إيران وميليشياتها تبدو قزمة أمامها؛ إذ تتمتع إسرائيل بتفوق عسكري من الناحية الكمية على إيران يتجاوز ما كانت عليه قوتها أمام مصر وسوريا في عامي 1967 و1973.

 

ففي حرب 1967، عندما مُنيت الجيوش العربية بأسوأ هزيمة لها على الإطلاق، تمكنت مع ذلك من قتل ما يقرب من 800 من القوات الإسرائيلية وإسقاط 32 طائرة نفاثة مقاتلة وتدمير 400 دبابة. أما الآن، فلا تملك إيران وميليشياتها القدرة على إلحاق ولو جزء بسيط من هذه الخسائر بإسرائيل. هذا يعني أنه بينما يمكن لحزب الله وحماس إحداث اضطراب في الحياة الإسرائيلية وإلحاق ضرر بسيط بالدولة اليهودية، فإنهما لن يثيرا ما يكفي من الذعر لدى إسرائيل يدفعها إلى الدعوة للتعبئة العامة. وطالما استمر ذلك الوضع، ستظل الحروب التي تشنها الميليشيات الإيرانية على الدولة اليهودية مجرد مناوشات حدودية تُلحِق فيها هذه الميليشيات ضررًا طفيفًا بإسرائيل وترد إسرائيل بقوة مدمرة.

 

في عام 2006، دمرت إسرائيل مساحات كبيرة من لبنان وبنيته التحتية. ولولا المعونات السخية من الخليج التي موَّلت أعمال إعادة الإعمار، لكانت بعض مناطق لبنان ما زالت تحت الأنقاض حتى الآن. وهذه المرة، إذا جرَّ نصر الله لبنان إلى حرب أخرى مع إسرائيل، فستعزف دول الخليج عن إخراج الدولة من محنتها. وسيهلك لبنان، وربما غزة أيضًا.

 

 

حسين عبد الحسين، زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهو معهد أبحاث غير حزبي يقع مقره في واشنطن ويركز على الأمن الوطني والسياسة الخارجية. تويتر: @hahussain

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: