يبدو قانون الأمن السيبراني الجديد الذي أقره مجلس النواب الأردني الأسبوع الماضي مجهودا طيبا “للمشاهد عن بُعد” حيث يهدف القانون لحماية الناس من الاحتيال والابتزاز الإلكتروني وخروقات البيانات الشخصية. وقالت الحكومة إن هناك حاجة ماسة إلى إجراء تغييرات للحماية من التقدم التكنولوجي في خضم ارتفاع الجرائم الإلكترونية بين عامي 2013 و2022 إلى ستة أضعاف.

 

لكن يعتري العديد من بنود القانون هالة من الغموض كما أن تفسيراته تحمل أكثر من وجه، ويمكن إساءة استخدامه لإسكات المنتقدين ومعاقبتهم، والحد من الحريات العامة المتآكلة، وكبح جماح وسائل التواصل الاجتماعي، والحد من الوصول إلى المعلومات.

 

فبادئ ذي بدء، جرم القانون انتقاد المسؤولين الحكوميين على منصات التواصل الاجتماعي وفرض عقوبات صارمة على تلك الأفعال. حيث نصت المادة 15 على أن عقوبة مشاركة معلومات كاذبة عمدا هي السجن لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر وغرامة [تصل إلى 20 ألف دينار أردني (حوالي 28 ألف دولار) بعد ذلك خفضتها اللجان القانونية في مجلس النواب إلى 40 ألف دينار.

 

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو البند الذي نص على أنه إذا كانت الجريمة المزعومة موجهة نحو السلطات والمسؤولين والمؤسسات الحكومية ومن يشغلون مناصب عامة، فيمكن للنيابة العامة متابعة القضية دون الحاجة إلى شكوى من طرف الجمهور.

 

وفي الوقت نفسه، نصت المادة 17 على أن الاستخدام المتعمد للإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى يثير الاضطرابات أو الكراهية أو ازدراء الأديان قد يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى 20000 دينار.

 

وقالت هيومن رايتس ووتش إن مشروع القانون “الوحشي” لا يمت بصلة للقانون الدولي ويجعل من المستحيل على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الالتزام به، وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “فيدانت باتيل”  مؤخرا إلى أن القانون بـ “تعريفاته ومفاهيمه الغامضة، يمكن أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي المحلية في الأردن ويزيد من تقليص المساحة المدنية التي يعمل في إطارها الصحفيون والمدونون وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن”.

 

إن استخدام المفردات الغامضة في القانون الأردني ليس بالأمر غير الغريب، وغالبا ما تستخدمه السلطات كتكتيك لقمع المعارضة وتكميم أفواه المنتقدين. وهناك بالفعل قيود على حرية التعبير في قانون العقوبات الأردني، وقانون الصحافة والنشر، وقانون مكافحة الإرهاب، ومن شأن قانون الجرائم الإلكترونية أن يضيف قوة قانونية إلى تلك التدابير التقييدية الموجودة بالفعل.

 

“وبما أن البرلمان ضعيف ووسائل الإعلام خاضعة للرقابة، لذا تعد وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية للمواطنين للتعبير عن آرائهم ولتبادل المعلومات”، كما أخبرني  الخبير الإعلامي في الأردن يحيى شقير، أن هذا القانون الأخير هو ببساطة أداة أخرى يمكن للحكومة استخدامها “لتحصين نفسها من أعين الجمهور”.

 

وتشريع الأمن السيبراني هو الأحدث في قائمة طويلة من الخطوات لتقويض حرية التعبير على الإنترنت، حيث حظرت الحكومة TikTok في شهر ديسمبر بعد أن نظم سائقو الشاحنات إضرابا ضد ارتفاع أسعار الوقود. وتم حظر Clubhouse، وهو تطبيق صوتي اجتماعي، منذ شهر مارس في عام 2021. وحجب موقع “الحدود” الإخباري الساخر في شهر يونيو، وسيحال مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الآن إلى مجلس الشيوخ للنظر فيه.

 

وأي شخص يحاول تجنب الحظر باستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة والبروكسي يواجه غرامات تصل إلى 25000 دينار.

 

وبينما تركز الحكومة على الحد من حرية التعبير، يناضل الناس كل يوم ببساطة للوفاء بحاجاتهم، فما يقرب من نصف الشباب الأردني عاطل عن العمل، وقد أدى الفساد المستشري إلى تآكل ثقة الجمهور في الحكومة، وينظر إلى البرلمان إلى حد كبير على أنه كيان مطاطي مرن.

 

واستمرت الدعوات لإلغاء مشروع قانون الأمن السيبراني، حيث دعا المدافعون عن حرية التعبير، بمن فيهم محامون ونشطاء حقوقيون وصحفيون والعديد من أعضاء البرلمان، إلى تحييد مشروع القانون،  وتجاهلت الحكومة تلك المناشدات إلى هذه اللحظة.

 

ومن المؤكد أن الجرائم الإلكترونية آخذة في الارتفاع في المملكة، حيث تم الإبلاغ عن 16000 شكوى من الجرائم الإلكترونية في العام الماضي، مع تسجيل 8000 شكوى إضافية في النصف الأول من هذا العام. وكان هناك 2,305 حالة فقط في عام 2015، لكن العدد المتزايد من الجرائم الإلكترونية لا ينبغي أن يستخدم كذريعة لتقييد حرية التعبير.

 

وكشف الجدل الدائر حول مشروع القانون عن صعوبة خلق توازن بين حماية الأمن السيبراني والأمن القومي وحماية حرية التعبير وحقوق الإنسان، ويبدو أن القيادة في الأردن تعطي الأولوية حماية الأمن السيبراني على حساب حرية التعبير.

 

وفي الوقت الذي يمضي فيه الأردن قدما في تحديث نظامه السياسي، يأتي قانون الأمن السيبراني بنتائج عكسية، وسيكون له آثار خطيرة ليس فقط على المواطنين والشركات، بل أيضا على سمعة الأردن، وخاصة لدى الدول الغربية، التي ساعدت في دعم اقتصاد البلاد المتعثر.

 

إذا تم اعتماد مشروع القانون، فسيكون ذلك بمثابة المسمار الأخير في نعش الحريات العامة، يجب على الأردن التحرك بسرعة لإلغاء مشروع القانون.

 

سهى معايعة: صحفية مقيمة في عمان، الأردن. وقد نشرت أعمالها في مجلة فورين بوليسي و سي تي سي سنتيل، كما أنها تعمل مع صحيفة وول ستريت جورنال وغيرها من المنشورات حول الأردن وجنوب سوريا.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: