من الصعب العثور على شخص أشد خلافًا مع أيدلوجية طالبان من محبوبة سراج.

محبوبة سراج هي أحد المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وتبلغ من العمر 75 عامًا وتقيم في أفغانستان كما تعمل كمديرة تنفيذية لمركز تنمية مهارات المرأة الأفغانية وتدير أكثر من مأوى للنساء والأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري. وعلى الرغم من ذلك، فهي تدعو إلى الحوار مع النظام الحاكم في بلادها الغارق في أزمات إنسانية. و”بعد 18 شهرًا من العنف الوحشي، حان الوقت لسماع وجهة نظرهم أيضًا، نحن في حاجة فعلية إلى التوصل إلى اتفاق ما؛ إذ لا بد من بدء المحادثات مع طالبان”.

إن دعوة محبوبة إلى التعامل مع طالبان ليست على الرغم من معاملة طالبان المسيئة للنساء، بل هي بسببها، فمحبوبة تمثل أحد الأصوات المرتفعة التي تزعم أن عدم التعامل مع طالبان لن يؤدي إلا إلى تفاقم أوضاع تلك الشرائح الأكثر معاناة في المجتمع الأفغاني.

ودعت رئيسة بعثة الأمم المتحدة السابقة للمساعدة في أفغانستان (UNAMA) ديبورا ليونز في أوائل هذا العام المجتمع الدولي إلى التعاون مباشرة مع طالبان.، وقالت ديبورا ليونز بأن الشركات الأفغانية تضطر إلى الإغلاق، ومعدلات البطالة في تزايد، وكذلك ارتفعت مستويات الفقر بفضل عقوبات الولايات المتحدة التي أقصت أفغانستان من النظام المالي العالمي.

ولا تزال أفغانستان تواجه تحديات غير مسبوقة تتعلق بالنواحي الإنسانية والاقتصادية وكذلك التغيرات المناخية. وقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) بأن 28.8 مليون شخص من أصل عدد السكان البالغ 38 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة، وأن 17 مليون شخص يتضورون من الجوع، وأن 60 في المئة من السكان يجدون صعوبة في الحصول على الماء، وقد تلقى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 742.3 مليون دولار فقط من أصل ما يقدر بـ 3.2 مليارات لازمة لتمويل المساعدات الإنسانية في عام 2023.

إلا أن الحل لتخفيف معاناة الشعب الأفغاني في يد واشنطن.

واقترح مسؤول متقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) مؤخرًا أن على الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في كابول بغرض مكافحة الإرهاب في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وبالرغم من أن المقترح يراعي جانب واحد فقط، لكن قد ترحب طالبان بذلك؛ إذ إنها تعد الذراع الأفغاني لتنظيم داعش -داعش خراسان (ISKP)- عدوها اللدود. وهذا التعامل قد يمنح فرصة للمجتمع الدولي ليؤثر على سياسات النظام. وكما أشارت بعض التقارير، قد يكون قمع طالبان للنساء ناجمًا عن اختيار سياسي وليس مذهبًا فكريًا، أو ربما يكون بسبب نزاعات القوى الداخلية. ومن خلال التعامل الإستراتيجي والمحفزات، يستطيع المجتمع الدولي استغلال انقسامات النظام الداخلية لصالح الشعب الأفغاني.

واستمر سقوط الضحايا من المدنيين بعد تولي طالبان السلطة في عام 2021 نتيجة أحداث العنف التي وقعت بين أطراف لا تخضع لسلطة الدولة، ما أسفر عن مقتل 1095 شخص وإصابة 2679 آخرين، حسبما أفادت الأمم المتحدة. إلا أن ذلك يُعَد انخفاضًا في أعداد الضحايا التي سقطت في عام 2020؛ إذ بلغ عدد الضحايا من المدنيين 8820، منهم 3035 قتيلاً. ويتهم أحدث تقارير الأمم المتحدة داعش خراسان بالمسؤولية عن معظم أحداث الهجوم.

وادعت داعش خراسان في شهر ديسمبر مسؤوليتها عن هجوم وقع على فندق مملوك للصين في كابول، مما دفع الحكومة الصينية إلى الطلب من مواطنيها مغادرة أفغانستان، وقد هددت الجماعة صراحةً باغتيال زعماء أوزباكستان وطاجيكستان، وزادت من دعايتها للتجنيد بلغات المنطقة. وربما يفسر ذلك لماذا يحافظ جيران أفغانستان على جسور التواصل مع طالبان.

لماذا لا تتخذ الولايات المتحدة قرارها إذن؟ ربما يرجع الأمر إلى العجرفة الإمبريالية. فمن الناحية التاريخية، لم يكن للولايات المتحدة رد فعل جيد على الهزائم الاستراتيجية التي كانت تعوق تأثيرها العالمي. وتتبادر إلى أذهاننا ثلاث هزائم إستراتيجية وقعت خلال القرن العشرين؛ أولها فيتنام، عندما هزمت العصابات قوة عظمى، وثانيها كوبا، عندما هزم نظام شيوعي يقع في نطاق الهيمنة الأمريكية عملية “تغيير للنظام” مدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية، وثالثها إيران، عندما أطاحت ثورة شعبية بنظام مدعوم من الولايات المتحدة، ما جعل إيران إحدى ركيزتين تستند إليهما سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.

وفي المقابل، أظهرت الولايات المتحدة أن تولي طالبان السلطة كان بمنزلة هزيمة تكتيكية تقريبًا؛ بسبب إستراتيجيات الإعمار سيئة التخطيط، وأن القيادة الأفغانية السابقة لطالبان هي المسؤولة عن ذلك، مثلما ادعى الرئيس الأمريكي جو بايدن. وهذه الملابسات السياسية للإخفاق من شأنها أن تحمي إدارة بايدن من العواقب السياسية إذا ما قررت التعامل مع طالبان. حتى روسيا قد بدأت التعامل تدريجيًا مع طالبان، على الرغم من حقيقة أن عديدًا من قيادات طالبان قد حاربوا في صفوف المجاهدين الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي ضد الاحتلال السوفيتي، ما كان بمنزلة هزيمة نكراء للاتحاد السوفيتي سرعان ما أدت إلى انحلاله نهائيًا.

على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة، يبقي مصير الشعب الأفغاني مرتبطًا بقرارات واشنطن. فلا تزال سياسة إدارة بايدن تجاه أفغانستان غير محددة، مع ميلها بالغ إلى التدخلات الإنسانية التدريجية. دعا بعض الخبراء الولايات المتحدة إلى التفرقة بين نظام طالبان ودولة أفغانستان، ما يعني مواصلة العقوبات الموجهة إلى قادات طالبان، مع تمويل جهات محددة في دولة أفغانستان، والعلم التام بأن أفغانستان -في ظل حكم طالبان- لن تفوز بأي جوائز في الديموقراطية أو حقوق المرأة في أي وقت قريب.

مع تركيز واشنطن على أوكرانيا والصين، نأمل أن يفكر صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة في التعامل مع نظام أفغانستان، إن لم يكن لأسباب إنسانية، فليكن لثرواتها من الموارد المعدنية. وإذا كان هذا من شأنه تحسين حياة الشعب الأفغاني، لا سيما النساء والأقليات، فهذا سيكون من النتائج الجانبية الجيدة والمستحبة. وكما هو متوقع، قد يجد الرئيس الأمريكي الجديد أنه من المناسب من الناحية السياسية أن يدعي أنه فعل ذلك كله من أجل نساء الشعب الأفغاني.

دنيانيش كامات هو محلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما أنه يقدم استشارات في التنمية الاجتماعية الاقتصادية إلى المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: