استخدمت إسرائيل أنظمة الذكاء الاصطناعي ضد الفلسطينيين على مرأى ومسمع من الناس، بينما النقاش العالمي محتدم حول استخدامها في الحرب، وذكرت بلومبرج الشهر الماضي أن الجيش الإسرائيلي استخدم نموذجا متقدما من طراز الذكاء الاصطناعي يسمى (فاير فاكتري) وهو مصمما لاختيار أهداف للضربات الجوية والتعامل مع الخدمات اللوجستية العسكرية الأخرى. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل الذكاء الاصطناعي في عملياتها القتالية.
ويمثل استخدام الذكاء الاصطناعي تحولا كبيرا في الحرب، ويحمل في طياته أخطار جديدة ومهولة على المدنيين، ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي يتطور إلى ما هو أبعد من اللوائح الدولية أو على مستوى الدولة، إن مستقبل الحرب الذكاء الاصطناعي يتشكل في الوقت الحالي، وقليلون لديهم رأي في كيفية تطوره.
ووفقا لمسؤولين إسرائيليين، تستخدم برامج الذكاء الاصطناعي مجموعات كبيرة من البيانات لاتخاذ قرارات بشأن الأهداف والمعدات وأحمال الذخائر والجداول الزمنية، وفي حين أن تلك المعلومات قد تبدو عادية، لكن يجب النظر في كيفية جمع إسرائيل لتلك المعلومات وسجل الجيش في حماية السكان المدنيين.
وتدير إسرائيل احتلالا عسكريا كاملا للضفة الغربية وغزة منذ عام 1967، ويشرف الجيش الإسرائيلي على كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية في تلك المنطقة، حتى كمية السعرات الحرارية التي يستهلكها سكان غزة. ونتيجة للبنية التحتية المعقدة للاحتلال، جمعت إسرائيل كميات هائلة من البيانات عن الفلسطينيين، والتي كانت قاعدة حيوية لصعود قطاع التكنولوجيا المتبجح في إسرائيل، حيث تعلم العديد من المديرين التنفيذيين الرائدين في مجال التكنولوجيا في البلاد حرفتهم في وحدات الاستخبارات العسكرية التي تستخدم تلك البيانات.
وأنشأ المقاولون العسكريون قطاعا حربيا مربحا وقائم على الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام الضفة الغربية وغزة كمختبرات لاختبار أسلحتهم، حيت تجمع إسرائيل وتحلل البيانات من الطائرات بدون طيار، والصور من الدوائر التلفزيونية المغلقة، وصور الأقمار الصناعية، والإشارات الإلكترونية، والاتصالات عبر الإنترنت، وغيرها من المنصات التي يجمعها الجيش في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. حتى أنه يشاع أن فكرة ( تطبيق وز لخرائط الطرق) الذي طوره خريجو قطاع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وتم بيعه لشركة Google مقابل 1.1 مليار دولار في عام 2013 – مستمدة من برنامج رسم الخرائط المصمم لتتبع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومن الواضح تماما أن إسرائيل لديها الكثير من البيانات التي يمكن إدخالها في برامج الذكاء الاصطناعي وتلك البرامج مصممة على إبقاء الاحتلال قائما. ويجادل الجيش الإسرائيلي بأن برامج الذكاء الاصطناعي يشرف عليها جنود يفحصون ويوافقون على الأهداف وخطط الغارات الجوية، كما جادل الجيش ضمنيا بأن برامجه يمكن أن تتجاوز القدرات التحليلية البشرية وتقلل من الخسائر بسبب الكم الهائل من البيانات التي تجمعها إسرائيل، ويشعر المحللون بالقلق من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي شبه المستقلة هذه يمكن أن تصبح أنظمة مستقلة بسرعة ومن دون رقابة، وحينها ستقرر برامج الحاسوب من يموت ومن يحيا من الفلسطينيين.
ويحمل هذا الموضوع الساخن الكثير من المواضيع الشائكة الأخرى، حيث لا تخضع تكنولوجيا حرب الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية للنظم الدولية أو المحلية، ولا يعرف الجمهور الإسرائيلي الكثير عن تلك الأنظمة ولا يعرف على من تستخدم، ويمكن للمرء تخيل الاحتجاج الدولي إذا نشرت إيران أو سوريا نظاما مماثلا.
وفي حين أن الطبيعة الدقيقة لبرامج الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية لا تزال سرية، فقد تفاخر الجيش باستخدامه الذكاء الاصطناعي. ووصف الجيش هجومه الذي استمر 11 يوما على قطاع غزة في عام 2021 بأنه أول “حرب للذكاء الاصطناعي” في العالم. وبالنظر إلى الطبيعة المثيرة للجدل لحرب الذكاء الاصطناعي والمخاوف الأخلاقية التي لم يتم حلها بشأن تلك المنصات، فمن الصادم رؤية الجيش الإسرائيلي وهو لا يأبه لرأي العالم حول استخدامه لتلك البرامج، وعلى أي حال نادرا ما اتبعت إسرائيل القانون الدولي فيما يتعلق بالحرب وفهمها للدفاع.
وهناك تحديات أخرى تتعلق باستخدام إسرائيل لتلك الأسلحة، حيث تملك إسرائيل سجل رهيب فيما يخص حماية حياة الفلسطينيين، وفي حين أن مسؤولي العلاقات العامة في البلاد يبالغون في القول إن الجيش يعمل بصورة أخلاقية ويحمي المدنيين، فإن الحقيقة هي أنه حتى الاحتلال العسكري الأكثر “استنارة” يتناقض مع مفهوم حقوق الإنسان، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أكثر مؤيدي إسرائيل حماسة يتساءلون عن كيفية تصرف البلاد في بعض الأحيان تجاه الفلسطينيين.
ولعل القلق العالمي الذي تثيره تلك البرامج هو أن الفلسطينيين لم يوافقوا على تسليم بياناتهم إلى إسرائيل ومنصاتها الذكاء الاصطناعي، وهناك قصة مشابه لكيفية عدم موافقة المجتمع على استخدام بيانات أفراده لإنشاء أنواع عديدة من برامج الذكاء الاصطناعي. وبالطبع هناك شروط وأحكام نوافق عليها لخدمات مثل (البريد الإلكتروني Gmail) ، ولكن ليس لدينا خيار قابل للتطبيق لإلغاء الاشتراك ما لم نتخلى عن الإنترنت كاملا.
ومن الواضح أن الوضع أكثر خطورة بالنسبة للفلسطينيين في كل جانب من جوانب حياتهم، من وقت ذهابهم إلى العمل إلى كمية الطعام التي يتناولونه، حيث يتم ارسال تلك المعلومات إلى مراكز البيانات الإسرائيلية واستخدامه لتحديد العمليات العسكرية. فهل ينتظر باقي المجتمعات البشرية ذلك المصير؟ إن مسار وتطوير تلك الأنظمة خارج نطاق التنظيم لا يبشر بخير.
جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، وقد قدم تقارير من القدس ورام الله والقاهرة واسطنبول وأبو ظبي. وشغل سابقا منصب رئيس تحرير اميرج85، وهو مشروع إعلامي مقره أبو ظبي لاستكشاف التغيير في الأسواق الناشئة.
تويتر: @ibnezra