نشر بنك جولدمان ساكس في أواخر عام 2001، واحدة من مئات الأوراق والتقارير التي تصدرها البنوك الاستثمارية العالمية كل شهر، وغالبا ما يتم نسيان تلك المنشورات في غضون أيام ولا يقرأها سوى البعض، ولكن كانت تلك الورقة مختلفة عن باقي الأوراق. وكانت تحت عنوان “بناء مجموعة بريكس الاقتصادية العالمية بصورة أفضل”، والتي كتبها كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان آنذاك “جيم أونيل” وتلك الورقة هي احدة من أكثر الأوراق المصرفية الاستثمارية قوة في الذاكرة الحديثة.
وكانت “دول البريكس” الأربعة التي أشار اليها التقرير هي البرازيل وروسيا والهند والصين، وكانت تلك الدول قد عاشت عقد من النمو القوي وشهدت ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وكانت البرازيل وروسيا تستفيدان من مواردهما الطبيعية وتستفيدان من تيار الطلب المتزايد بسرعة على سلعهما، ولا سيما من الصين. في حين كانت الهند تبرز كمركز عالمي رئيسي لتكنولوجيا المعلومات، وكانت الصين تشهد تحول جغرافي اقتصادي تاريخي، كما قال المؤلف إيفان أوسنوس، كانت الصين تشبه في مسيرتها الاقتصادية “مائة ضعف حجم الثورة الصناعية و10 أضعاف سرعتها”.
وتبنت الدول الأربع اختصار BRIC (برك) وعقدت قمة في عام 2009 بعد فترة وجيزة من الأزمة المالية العالمية. وسارعت دول البريكس إلى الإشارة إلى أن الأزمة المالية نشأت من الاقتصادات المتقدمة، وأبرزها الولايات المتحدة. حتى أن وزير الخارجية البرازيلي سيلسو أموريم أظهر للزوار خريطة عالمية عملاقة وهي مقلوبة رأسا على عقب، وكانت الرسالة واضحة: فالنظام الدولي يتغير، والقوى الجديدة آخذة في الصعود. وبعد مرور عام، انضمت جنوب إفريقيا ، وولدت مجموعة البريكس وتم إضافة حرف “S” إلى اسم المجموعة.
لم يشهد العقد الثاني من بريكس نموا اقتصاديا كبيرا مثل العقد الأول، حيث عاشت معظم اقتصادات بريكس نموا بطيئا وتباطؤا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من عام 2011 إلى عام 2021، ووفقا لتقرير الاستثمار الصادر عن مجموعة بريكس والذي نشرته الأمم المتحدة، شهدت جنوب أفريقيا فقط نموا قويا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في العقد الثاني من مجموعة بريكس. وقد تباطأ ذلك أيضا منذ ذلك الحين.
ولا تبدو مجموعة البريكس في أحسن حالتها الآن مثلما كانت عليه في السابق، والواقع أن قلة من المستثمرين يعتقدون أن العقد المقبل ينتمي إلى تلك الاقتصادات (باستثناء الهند). إذن، إذا لم تعد مجموعة البريكس صاعدة، فما أهميتها؟
وستجري مناقشة تلك المسألة هذا الأسبوع في قمة مجموعة البريكس في جوهانسبرج، حيث سيكون على رأس جدول الأعمال قبول الأعضاء الجدد من عدمه. وقد أعربت تسع دول على الأقل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن اهتمامها بالانضمام، بما في ذلك القوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيران. وإجمالا، تتطلع حوالي 18 دولة إلى العضوية، وفقا لمجلة الإيكونوميست.
إن فتح الأبواب أمام أعضاء جدد من شأنه إعطاء مجموعة البريكس دفعة للأمام والتي هو في أمس الحاجة إليها، وتواجه الصين اختبارا كبيرا مع تباطؤ اقتصادها، وانهيار قطاع العقارات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وشهدت البرازيل تراجعا في نموها بأقل من 1 في المائة منذ عقد من الزمان. ولا تزال جنوب أفريقيا غارقة في الفساد وسوء الإدارة، في حين تواجه روسيا موقف صعب من ضعف الأداء الاقتصادي وسط شبكة عنكبوتية من العقوبات وسوء الإدارة. والهند هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بآفاق مشرقة.
إن إضافة العديد من الأعضاء الجدد من الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من شأنه تعزيز الديناميكية الاقتصادية وفتح الباب لمزيد من الاستثمارات في المجموعة. كما أن الاقتصادات الآسيوية ذات النمو المرتفع مثل بنجلاديش وإندونيسيا من شأنها توسيع آفاق النمو للمجموعة.
وإذا كان هناك أي خطر على الأعضاء الجدد، فهو الشعور أن دول البريكس تمثل منصة مناهضة للغرب، وقد صاغت القوى الوسطى مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نهجا متعدد الانحياز سياسيا، وإذا برزت مجموعة البريكس كنقطة جيوسياسية مضادة للقوى الغربية، فقد تضع الرياض وأبو ظبي والقاهرة في مواقف حرجة.
وعليه يتعين على مجموعة البريكس تجنب التحول إلى منبر للحديث الجيوسياسي أو صوت للعالم النامي، حيث إن أكبر عضوين في المجموعة الحالية لا يكاد يتفقا على أي قضية سياسية وهما الهند والصين. وبالتالي، ينبغي للمجموعة التركيز على التجارة والاعمال والاستثمار والتنمية، وأن تترك السياسة لمنتديات أخرى.
ويمكن لمجموعة كبيرة مثل بريكس السيرة على خطى مجموعة جديدة مكونة من أربع دول اجتمعت حول اختصار ذكي وهو (I2U2 ) وتشمل المجموعة الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والتي تأسست في عام 2021، حيث تحاشت المجموعة الخوض في القضايا السياسة وركزت فقط على الاستثمار والتجارة المشتركة.
يُعد الترحيب بالأعضاء الجدد في مجموعة البريكس خيار حكيم، وفي حين إن البرازيل والهند على الحياد حول الفكرة، فإن دعوة أعضاء أكثر سيجلب فرصا تجارية واستثمارية جديدة وينشط الاستثمار داخل مجموعة الـ بريكس.
عندما تمت صياغة الاختصار، كانت البلدان الأربعة الأصلية تمثل حوالي 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم، تمثل مجموعة البريكس 26٪، وتشكل الهند والصين والبرازيل اقتصادات مهمة للتجارة الإقليمية والعالمية.
ولكن لكي تظل مجموعة البريكس مهمة على الساحة الدولية، فإنها تحتاج إلى دماء جديدة، وكما أشار أونيل نفسه في تعليق في شهر مايو من عام 2022 لـ ( سندكيشن بيرو- مكتب النقابة)، “توقف العديد من الاقتصاديين ورجال الأعمال والصحفيين عن إيلاء الكثير من الاهتمام لما تقوم به جماعة دول البريكس”.
وأفضل طريقة لتغيير ذلك هي توسيع عضوية النادي مع صب التركيز على الأعمال والتجارة والاستثمار.
أفشين مولوي هو زميل فخري في معهد السياسة الخارجية التابع لكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومحرر ومؤسس النشرة الإخبارية للعالم الناشئ.
تويتر: @AfshinMolavi