حققت الهند إنجازا تاريخيا عن طريق Chandrayaan-3 وهي المركبة التي هبطت بسلاسة بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، لتصبح الهند بذلك رابع دولة تكمل بنجاح هبوطا على سطح القمر وأول دولة تنجز ذلك في ذلك الجزء من سطح القمر. وأثار إنجاز الشهر الماضي موجة من النقاشات الساخنة، خاصة في وسائل الإعلام الغربية، التي شككت في المغزى من وراء استثمار دولة من الدول النامية في مجال استكشاف الفضاء.

 

ولكن لم تكن مهمة الهبوط على سطح القمر مجرد انتصار تكنولوجي فحسب، بل أنها انتصار على صعيد اخر، حيث تم تنفيذ المهمة بميزانية أقل من كلفة إنتاج بعض أفلام هوليوود، وأكدت قدرات الهند على الابتكار الفعال مع مراعاة عنصر التكلفة، مما عزز مكانتها كرائد عالمي في تكنولوجيا الفضاء.

 

يحتوي القمر على معادن ثمينة، مثل الليثيوم والنيكل والبلاتين، والتي لها فوائد واستخدامات كثيرة، من المساعدة في نقل الطاقة إلى صناعات مختلفة مثل الإلكترونيات والفضاء. وتشير التقارير إلى أن اقتصاد الفضاء الحالي تبلغ قيمته  ما لا يقل عن 469 مليار دولار، ويغطي ذلك الجانب الاقتصادي المواد والخدمات المنتجة في الفضاء لاستخدامها على الأرض. وهذا يفتح عددا كبيرا من الفرص للبلدان النامية مثل الهند ليس فقط للتقدم في البحث العلمي، ولكن أيضا للاستفادة اقتصاديا. وباختصار، فإن الهند، باستثمارها في تكنولوجيا الفضاء، لا تعمل على تعزيز براعتها العلمية فحسب، بل إنها تعمل أيضا على تعزيز قدرتها على تحقيق أهدافها العلمية، كما أن ذلك يمهد الطريق للنمو الاقتصادي في المستقبل عن طريق خيار التعدين و استخراج المعادن.

 

كما أن إنجاز الهند يُعد أيضا تصريح جيوسياسي كبير، حيث انضمت الهند إلى صفوف “القوى السياسية الفلكية” إلى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا. وفي خضم المنافسة المستمرة بين الصين والولايات المتحدة، تتطلع الهند إلى لعب دورها الفريد في إعادة تشكيل ملامح النظام العالمي.

 

ولكن مع تركيز المزيد من البلدان على معادن القمر المتوفرة بغزارة، فإن غياب المعايير والنظم العالمية قد يؤدي إلى تدافع فوضوي على تلك المعادن، لذلك من الأهمية بمكان وضع مبادئ توجيهية دولية لمنع سيناريو التدافع الأعمى في استكشاف الفضاء. فعلى سبيل المثال، تهدف اتفاقات أرتميس التي تقودها الولايات المتحدة إلى توفير إطار للأنشطة القمرية السلمية، ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقات ليست مقبولة عالميا، مما يشير إلى الحاجة الملحة لاتفاقيات دولية شاملة يمكن أن تنظم استكشاف الفضاء واستخراج الموارد.

 

على سبيل المثال، في حين أن الهند منفتحة على الأطر التي تقدمها الدول الغربية حول استكشاف الفضاء، فإنها تستكشف أيضا الفرص مع محطة أبحاث القمر الدولية، وهي مبادرة تقودها الصين وروسيا. وتعكس هذه المشاركة المزدوجة نهج الهند الدقيق في الشراكات الدولية في مجال استكشاف الفضاء، حيث تسعى إلى الحفاظ على المرونة الاستراتيجية في مشهد جيوسياسي متغير.

 

 

ومع ذلك، فإن المهم  في توقيع الهند على اتفاقات أرتميس ربما يكون تحولا دقيقا في موقفها من مبدأ عدم التملك الذي أرسته معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وينص المبدأ، وهو حجر الزاوية في قانون الفضاء الدولي، على أن الأجرام السماوية مثل القمر لا يمكن أن تخضع لمكية أي دولة، مما يمنع استعمار الفضاء الخارجي من قبل الدول. وعلى النقيض من ذلك، فإن اتفاقات أرتميس لا تتعارض مع مبدأ عدم الاستيلاء، فإنها تقدم مفهوم “المناطق الآمنة”، الذي يمكن أن يسمح للبلدان بأن تكون في حيازة فعلية لمناطق محددة أو مناطق من الأجرام السماوية، فكيف ستستجيب روسيا والصين لهذه النقطة، هذا ما سنراه في المستقبل.

 

وفي حين ينظر إلى هبوط الهند على سطح القمر على أنه أنجاز مضاد للإمبريالية الغربية، فإنه يثير أيضا تساؤلات حول المعنى الحقيقي لإنهاء الاستعمار، والكثير من سرد إنهاء الاستعمار له ما يبرره. وأساءت الصحافة الغربية إلى نفسها عندما تساءلت عما إذا كانت التنمية في الهند ستبنى بشكل أفضل من خلال التركيز على الرعاية الصحية والبنية التحتية وعلى تحسين مشاكلها الاجتماعية. وعندما نجحت الهند في وضع مسبار آلي في مدار حول المريخ في عام 2014، نشرت صحيفة نيويورك تايمز رسما كاريكاتوريا عنصريا صارخا يظهر رجلا مع بقرة يطرق باب غرفة تحمل علامة نادي النخبة للفضاء و(اعتذرت الصحيفة لاحقا بعد حدوث ضجة).

 

وظهرت العنصرية في وسائل الإعلام الغربية، ولا سيما في أوساط المثقفين خلال المراحل الأولى من الصراع في أوكرانيا،  حيث أشارت شخصيات إعلامية غربية علنا إلى حقيقة أن الأوكرانيين، بسبب مظهرهم، كانوا “متحضرين” و “يشبهوننا”، وكان المعنى الضمني ، خاصة عند مقارنتها بصور الفوضى التي أعقبت انسحاب أمريكا من أفغانستان، أن حياة الأوكرانيين كانت أكثر أهمية من حياة الأفغان وغيرهم من الأشخاص الفارين من الصراعات في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

 

ولا يعد ذلك بالجديد بالنسبة لشعوب الجنوب العالمي أو للأنظمة التي تحكمها، ففي حين ينظر إلى هبوط الهند على سطح القمر على أنه مضاد للإمبريالية الغربية، فإنه يثير أيضا تساؤلات حول المعنى الحقيقي لإنهاء الاستعمار. فهل يساء استخدام السرد للحد من الحريات المكتسبة خلال النضال ضد الاستعمار؟ هذا مصدر قلق ليس فقط للهند ولكن للبلدان الأخرى المستعمرة سابقا أيضا، ومع اشتداد التنافس الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، تستغل دول مثل الهند هذه اللحظة التاريخية لإعادة تشكيل السياسات المحلية تحت ذريعة إنهاء الاستعمار، وغالبا على حساب قيمها الدستورية، وقد أعرب المثقفون الهنود عن مخاوفهم بشأن هذا الاتجاه.

 

ومن ثم، فإن مهمة تشاندرايان-3 الهندية هي صورة مصغرة للديناميكيات الأكبر في مجال استكشاف الفضاء والجغرافيا السياسية، ولخصت المهمة التعقيدات والفرص التي تأتي مع استكشاف الفضاء من الفوائد الاقتصادية والابتكار الفعال إلى تقليل التكلفة إلى المناورات الجيوسياسية وإنهاء الاستعمار، وفي حين أن رحلة الهند إلى القمر تقدم دروسا قيمة لجميع قوى الفضاء ذات الخبرة والطموح، فإنها تسلط الضوء أيضا على الضرورة الملحة لتحقيق توافق عالمي في الآراء حول استكشاف الفضاء.

 

دنيانيش كامات محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما يقدم استشارات بشأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية للكيانات الحكومية والقطاع الخاص.

 X: @sybaritico

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: