توفر ثورة الطاقة الخضراء فرصة من أجل تغيير مستقبل قارة أفريقيا، فتلك القارة تنعم بوجود وفرة من المعادن، وأحد تلك المعادن هو الليثيوم، الذي يعُد عنصرًا أساسيًا في تصنيع البطاريات المُستخدمة في السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة، ويوفر الليثيوم للدول الأفريقية فرصة من أجل تنمية الاقتصاد في القرن الحادي والعشرين، ولتحقيق هذا الهدف يجب على تلك الدول ألا تصبح مجرد مورّد للمواد الخام، بل يجب أن تتجه تلك الدول إلى التصنيع وان تكون لها حصة في تلك الصناعة التي تدر مليارات الدولارات.
وكما أشار هادلي ناتوس رئيس مجلس إدارة الشركة المتخصصة في التعدين والتنقيب (مؤسسة تانتالكس للموارد)؛ فإن “أفريقيا تحتاج إلى أن تصبح مقصدًا بدلًا من أن تصبح مجرد مصدر للموارد”.
وتمتلك أفريقيا ما يقارب 30% من احتياطيات المعادن على مستوى العالم، لكن ومنذ فترة طويلة يتم تصدير تلك المواد الخام الثمينة إلى الدول الأخرى، وتلك العملية يُطلق عليها في الدول التي تحصل على المعادن الأفريقية “القيمة المضافة”، لكن بالنسبة للقارة الأفريقية فإن هذه العملية مجرد فخ.
واللجوء إلى الطاقة الخضراء من أجل الخدمات وإنتاج السيارات على مستوى العالم أدّى إلى زيادة هائلة في الطلب على بطاريات ليثيوم-أيون، وخلال تلك الثورة الصناعية الأخيرة فإن الليثيوم بدون شك لا غنى عنه، وباعتباره أحد الموارد الطبيعية فإن هذا المعدن الساخن سيصبح مطلوبًا بشدة.
وتحتل كل من زيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية مركزين ضمن أعلى 10 دول على مستوى العالم امتلاكًا لاحتياطيات الليثيوم، وفي زيمبابوي هناك معدن واحد – بيكيتا – يحتوي على أكثر من 11 مليون طن من خام الليثيوم، وحتى اليوم لم تقم القارة الأفريقية بأية خطوة للاشتراك في المنافسة على إنتاج البطاريات.
يأتي هذا الأمر على الرغم من التوجُه المتصاعد للقارة الأفريقية نحو الطاقة الخضراء، وهناك شركة آمبرساند الرواندية الناشئة التي تعُد أول شركة على مستوى أفريقيا متخصصة في إنتاج الدراجات النارية الكهربائية، وقد نجحت الشركة في الحصول على 3.5 مليون دولار من أصحاب رأس المال المغامرين بمدينة سان فرانسيسكو، وأتت تلك العملية تحت مظلة صندوق سلامة النظام البيئي، وتهدف الشركة إلى استخدام تلك الأموال لتطوير منظومتها للدراجات ومحطات تحويل البطاريات في رواندا، كما تهدف إلى التوسُع خارج الحدود الرواندية، وتعُد الدراجات النارية التي تعمل بالأجرة عنصرًا هامًا في منظومة النقل العام، كما أنها تساعد على تخفيف حدة البطالة، وقد وضعت شركة آمبرساند لنفسها هدفًا مثيرًا للإعجاب يتمثّل في تحويل جميع الدراجات النارية التي تعمل بالأجرة في شرق أفريقيا إلى العمل بالطاقة الكهربائية بحلول العام 2030.
وقال جوش ويل المدير التنفيذي لشركة آمبرساند في تصريحات لمجلة بلومبرج :”الاستثمارات التي أتت من وادي السيليكون الأمريكي قضت على خرافة أن النقل الكهربائي سيأخذ مكانه في الدول الغنية أولًا ثم ينتقل بعد ذلك إلى الدول النامية”.
ولا يمكن تجاهُل أهمية الليثيوم – الذي يُطلق عليه أحيانًا “الذهب الأبيض” أو “النفط الجديد” – بالنسبة للتنمية في قارة أفريقيا، وتعُد بطاريات الليثيوم-أيون العنصر الأهم في تقنية التخزين بسبب كثافة الطاقة الموجودة بها، وهذا النوع من البطاريات يتم استخدامه بشكل متزايد في صناعات الطاقة والنقل.
وبالطبع فإن عملية تأسيس أية صناعة تحتاج إلى استثمارات، لكن الحجة العملية تعُد في صف القارة الأفريقية، وإنتاج البطاريات يحتاج إلى هيدروكسيد الليثيوم، ومُعظم محطات التحويل على مستوى العالم توجد في الصين أو جنوب شرق آسيا، وبناء إحدى تلك المحطات في أفريقيا يستلزم 300 مليون دولار وسيكون له مزايا سواء فيما يخص التكلفة أو التخطيط والتنفيذ.
وتؤكد المؤشرات على أن هناك رغبة للاستثمار في إنتاج البطاريات، وهناك شركة نورث فولت السويدية التي تعمل على تطوير البطاريات والمتخصصة في صناعة تقنية الليثيوم-أيون اللازمة للسيارات الكهربائية، وقد خصصت الشركة مليار دولار لإنشاء مصنع في السويد، كما أعلنت أوائل الشهر الحالي عن صفقة لتوريد أنظمة البطاريات اللازمة لكهربة معدات البناء الخاصة بشركة بون للمعدات وهي شركة هولندية لها عدة فروع على مستوى العالم، كما أن كل من شركة تسلا وتويوتا تستثمر في إنتاج البطاريات، لذا ما الذي يمنع أفريقيا من الاستثمار في ذات المجال؟.
وإذا ما نظرنا إلى المكان المناسب على مستوى القارة لإنشاء محطة لإنتاج البطاريات، وبالنظر إلى الاعتبارات اللوجستية وقوة العمل التي تمتلك الدراسة الكافية فإن زيمبابوي ستكون الخيار الأمثل، ويجب إزالة معوقات التجارة بين الدول الأفريقية، وهذا الأمر يحدث في الأساس برعاية اتفاقية التجارة الحرة في أفريقيا؛ والتي تضم 54 دولة من أصل 55 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي.
لكن وعلاوة على الاستثمار فإن تأسيس أية صناعة يحتاج إلى رؤية، وعلى مدار وقت طويل فقدت أفريقيا العديد من الفرص بسبب التفكير على المدى القصير فقط، والرغبة المتزايدة على مستوى العالم والحاجة للطاقة الخضراء يوفران فرصة لتصحيح هذا الوضع، وذلك من أجل تمكين أفريقيا من الاستفادة من المزايا الثمينة للموارد التي تمتلكها وتأسيس نموذج يثير الإعجاب ويصبح نبراسًا لباقي دول العالم.
ويمكن لطاقة البطاريات أن تكون بمثابة فرصة لكتابة تاريخ القارة الأفريقية من جديد.
مارك هولتزمان هو رئيس شركة سي بي زد القابضة ، وهي أكبر مؤسسة مالية على مستوى زيمبابوي ، وكان يشغل منصب نائب رئيس بنك باركليز ، والرئيس لجامعة دنفر.