في حين تتمتع الولايات المتحدة ودول أوربا على العموم باكتفاء ذاتي في مجال الإنتاج الغذائي، إلا إن الحرب في أوكرانيا سيكون لها تأثير كبير على إحدى أهم المنتجات المستخدمة في الزراعة ألا وهي الأسمدة. هذا لا يعني أن العالم بأسره سيشعر بالجوع، لكن ما من شك أن أسعار الغذاء سوف ترتفع بصورة جنونية فيما لو استمر هذا النزاع لفترة أطول مع صعوبة الحصول على مصادر مضمونة لتوفير تلك الأسمدة.

وتعتبر روسيا واحدة من أكبر مصدري الأسمدة، حيث تمثل نسبة 13 في المئة من إجمالي إنتاج العالم من المواد الكيميائية والمعادن المضافة للتربة من أجل المساعدة على نمو المحاصيل، وعلى صعيد آخر تشير التحركات الروسية الأخيرة إلى أن الكرملين مستعد لاستغلال تلك الميزة بصورة كبيرة، ففي 4 مارس، أوقفت الحكومة الروسية صادرات الأسمدة، وهي خطوة أثارت الذعر من الهند إلى ولاية أيداهو.

كما تعمل بيلاروسيا، وهي منتج مهم آخر وحليف موسكو الوحيد في أوروبا، على إبطاء وتيرة صادراتها من الأسمدة، بعد أن فرض الغرب عقوبات على مينسك لدورها في دعم الغزو الروسي لأوكرانيا، فلم تعد بيلاروسيا قادرة على شحن البوتاس، مما أدى إلى حدوث اضطرابات في سلسلة التوريد العالمية لهذه المادة الزراعية الهامة.

ويعلم الرئيس فلاديمير بوتين أن إيقاف الصادرات قد يؤدي إلى نقص الغذاء لمئات الملايين من البشر، من جانبها تقدر وزارة الصناعة والتجارة الروسية أن الاضطرابات في شحنات الأسمدة يمكن أن “تتسبب في انهيار أسواق الغذاء الخارجية” من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية. وقد صرحت الوزارة مؤخرًا: “بعد كل ذلك، من الصعب للغاية أو حتى من المستحيل توفير بدائل للأسمدة الروسية اليوم”.

حتى لو أنهت روسيا وأوكرانيا الأعمال العدائية فيما بينهما قريبًا، فإن أسعار الطاقة والأسمدة والمواد الغذائية ستواصل ارتفاعها لمدة عام آخر على الأقل. وفي حين أن الدول الغربية الأكثر ثراءً يمكنها الصمود أمام موجة ارتفاع الأسعار، فإن نقص الغذاء الناجم عن عدم الوصول إلى الصادرات الروسية والأوكرانية سوف يزعزع الاستقرار في دول مثل لبنان وتونس واليمن وليبيا وأماكن أخرى.

وروسيا على علم بهذا أيضاً، فوفقاً لوزارة الدفاع البريطانية، فرضت القوات البحرية الروسية حصاراً على ساحل البحر الأسود في أوكرانيا، مما أدى إلى عزل أوكرانيا عن خطوط الملاحة الدولية، وتسيطر روسيا الآن على الصادرات الزراعية لأوكرانيا، بالرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان لدى أوكرانيا الكثير من المواد الغذائية لبيعها في الوقت الحالي. ففي 9 مارس، فرضت كييف حظراً خاصاً بها على تصدير القمح والشوفان والسكر والماشية وغيرها من المنتجات لضمان الإمدادات المحلية. ولكن إذا ما أوقفت روسيا أيضًا تصدير القمح والشعير والذرة، فلابد أن تتفاقم مشكلة نقص الغذاء في العديد من البلدان.

ومن الجدير بالذكر أن الكرملين قد أوقف بالفعل صادرات الحبوب إلى أعضاء الاتحاد الأوراسي بقيادة موسكو، وتلك الدول هي أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان. وكان الدافع وراء القرار هو الحاجة إلى ضمان الأمن الغذائي للبلاد والمساعدة في حماية السوق المحلية، ويبدو أن شعار “انقذوا أنفسكم” هو السياسة الرسمية ليس فقط للاتحاد الروسي فحسب، ولكن لمعظم الجهات الفاعلة في الساحة العالمية.

وتكمن المشكلة بالنسبة للعديد من البلدان في أن روسيا وأوكرانيا تمثلان حوالي 30 في المائة من صادرات القمح العالمية وحوالي 80 في المائة من صادرات زيت عباد الشمس، وفي الوقت نفسه، يمر 40 في المائة من صادرات القمح من منطقة البحر الأسود إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد.

وسوف يتضرر لبنان تحديداً وبشكل كبير، كون أن 80 في المئة من إمداداته من القمح تأتي من أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، تستورد تركيا 70 في المئة من قمحها من روسيا، لكن وزارة الزراعة في البلاد تدعي أن نقص الإمدادات لن يكون له تأثير ملموس حتى موسم الحصاد المقبل، هذا إن حصل بالفعل.

كما يعتمد مستوردو القمح الرئيسيون الآخرون، لا سيما مصر وبنغلاديش وإيران – بشكل كبير على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا، ومن المتوقع أن تواجه هذه الدول نقصاً خطيراً في الغذاء. وفي تونس، حيث تتعمق الأزمة المالية والسياسية، حيث أصبح السعر الحالي للقمح هو13 دولارًا للمكيال، وهو ما لا يستطيع التونسيون تحمله.

وتعد الجزائر إحدى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي لا تستورد القمح من روسيا أو أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، تقوم بشراء الحبوب من الأرجنتين وفرنسا، وهناك إمكانية أيضاً أن تحصل على القمح من الولايات المتحدة، لكن النقل يستغرق أسابيع، مما يؤدي كذلك إلى ارتفاع السعر.

ومع تنامي الشكوك حول مصير المحاصيل في أوكرانيا، واستخدام الكرملين لحظر تصدير السلع كورقة مفاوضات سياسية، يبدو من المؤكد أن استمرار نقص الغذاء العالمي سيستمر لفترة طويلة عقب انتهاء الأعمال العدائية. فالعقوبات التي فرضها الغرب على روسيا لن يتم رفعها مباشرة مع عودة القوات الروسية إلى ثكناتها، ومن غير المرجح أن يرفع الكرملين العقوبات المضادة في أي وقت قريب.

وهكذا، أدت الحرب في أوكرانيا إلى مضاعفات من شأنها قلب موازين التجارة الدولية وتهديد الأمن الغذائي العالمي للسنوات القادمة. وللتعويض عن ذلك، على البلدان الغنية والفقيرة أن تصبح أكثر اعتماداً على نفسها لغرض مواجهة أي خسائر لها علاقة بالمنتجات الزراعية وتوفيرها.

 

نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي في صربيا، يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بالطاقة و “سياسات خطوط الأنابيب”.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: