سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية وحلفاء رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد، إلى إعلان حرب إسرائيل غير المتكافئة والتي استمرت ثلاثة أيام ضد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في غزة على أنها نجاحًا كبيرا.
لكن الحقيقة هي أن تلك الجولة غير المبررة من القتال في الفترة من 5 إلى 7 أغسطس، لم تقتل عشرات الفلسطينيين فحسب، بل تركت ورائها تداعيات خطيرة على المنطقة ككل وعلى إسرائيل نفسها.
وتعرض “يائير لبيد” لانتقادات منذ سنوات من قبل منافسه رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، لافتقاره إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع التهديدات الأمنية. ويأمل “يائير لبيد” الذي تولى المنصب مؤخرًا من “نفتالي بينيت” أن يُنتخب رئيسًا للوزراء في شهر نوفمبر.
ووفقًا “لغاليا غولان” وهي الأستاذة الفخرية للعلوم السياسية في الجامعة العبرية، سمحت الحرب لبيد بتجهيز أوراق اعتماده الأمنية، وقالت غولان: “لم يكن هناك سبب لنشوب تلك الحرب إلا لإعطاء لبيد فرصة لإظهار استعداده للقتال”.
وحركة الجهاد الإسلامي هي فصيل أصغر من حماس التي تحكم قطاع غزة، وتعتقد كلا المجموعتان أن المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط هي أراض إسلامية وأنه يجب تدمير إسرائيل. وخاضت إسرائيل حروبًا متكررة مع الفصائل الفلسطينية منذ سيطرة حماس على غزة في عام 2006، ومنذ ذلك الحين، قتل القصف الإسرائيلي الآلاف وحول مناطق واسعة إلى أنقاض، كما أدى الحصار المفروض على القطاع إلى شل اقتصاد غزة. وقتلت الهجمات الصاروخية الفلسطينية أكثر من 100 إسرائيلي. وقد تعرض كلا الجانبين لانتقادات من المجتمع الدولي وجماعات حقوق الإنسان.
وحصدت آخر ثلاثة أيام من القتال أرواح 49 فلسطينيا، معظمهم مدنيون وبينهم 17 طفلا، وذلك وفق بيانات وزارة الصحة في غزة. وأصيب نحو 360 شخصا، وكان سبب بعض القتلى الفلسطينيين هو فشل صواريخ الجهاد الاسلامي أو عدم كفاءتها، وأصيب أكثر من 40 إسرائيليا بجروح طفيفة.
وفضلا عن الخسائر البشرية المروعة، كانت هناك ثلاثة جوانب مقلقة لتلك الحرب من حيث مسار الصراع بشكل عام. أولاً، لتعديل القول المأثور الشهير للاستراتيجي الألماني “كارل فون كلاوزفيتز” بأن الحرب هي عبارى عن استمرار للسياسة بوسائل أخرى، حيث كانت تلك الحرب استمرارًا لدورة إسرائيل اللانهائية من السياسات الانتخابية. ثانيًا، أظهر الصراع أن لبيد، إذا تم انتخابه، سيكون شيطاني مثل أسلافه على الرغم من تصويره على أنه ضمن الوسط السياسي. وثالثًا، يفتقر المجتمع ووسائل الإعلام الإسرائيلية، باستثناء اليسار السياسي المنحسر، وبعض من جماعات الضغط وصحيفة هآرتس، إلى القدرة أو الرغبة في الانخراط في التفكير النقدي عندما يتعلق الأمر بالشؤون العسكرية، وهذا أمر خطير على مستقبل واحد من أطول الصراعات في العالم.
وقال “مناحم كلاين” وهو الأستاذ الفخري للعلوم السياسية بجامعة بار إيلان: “عملت آلية الدعاية بشكل جيد للغاية، حيث كانت هناك تغطية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وأجرت المحطات مقابلات مع جنرالات سابقين قدموا الخطاب الرسمي، وكانوا بطيئين في إظهار الإصابات الفلسطينية التي تسبب فيها الجيش، لكن عندما فشلت صواريخ الجهاد الإسلامي وقتلت فلسطينيين، أظهروها على الفور “.
ولم يُقتل في تلك الحرب أي إسرائيلي، مما عزز الشعور المفتعل بالنصر. وذلك سلوك نموذجي للجماعة الموالية لـ يائير لبيد والجيش، وكتب جيروزاليم في عمود سياسي في “ياكوف كاتس” : ” كانت العملية التي استمرت ثلاثة أيام والتي تسمى “بريكنق دون ” ناجحة بكل المقاييس تقريبًا، حيث تم اختيار الأهداف بعناية وتم الضرب بدقة، كما أن درع القبة الحديدية الصاروخي اعترض 96 في المئة من صواريخ الجهاد الإسلامي”.
وشددت وسائل إعلام إسرائيلية على أن لبيد كان بارعا، حيث استطاع تجنب جر حماس إلى القتال ووقف القصف بعد ثلاثة أيام على عكس الجولات السابقة المطولة، ويُعتقد أن حماس بقيت في الخارج جزئيًا لعدم تعريض المكاسب الاقتصادية المحسوبة لغزة للخطر والتي جاءت من القرار الإسرائيلي الأخير بالسماح لآلاف العمال من قطاع غزة بدخول إسرائيل.
وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا دعمهما للدفاع الإسرائيلي عن النفس فإن مسألة ما إذا كان هناك أي سبب مشروع لإسرائيل لخوض الحرب هي إلى حد كبير قضية آراء.
واعتقلت إسرائيل زعيم حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية بسام السعدي في جنين في تاريخ 1 من شهر أغسطس. مستشهدة بمعلومات استخبارية تفيد بأن الجماعة كانت تخطط لإطلاق نار على أهداف إسرائيلية بالقرب من حدود غزة، وشنت إسرائيل، بعد أن فرضت قيودًا على التجمعات السكانية بجوار الحدود، ما أسمته “ضربة استباقية” من خلال اغتيال تيسير الجعبري وهو قائد الجهاد الإسلامي في شمال قطاع غزة، وفعلت ذلك وهي تعلم تمامًا أن ذلك سيؤدي إلى تصعيد الصراع إلى حرب وإطلاق مئات صواريخ الجهاد الإسلامي باتجاه إسرائيل.
وهكذا فإن لابيد، معتمدا على القبة الحديدية، عرض الإسرائيليين للخطر، وذلك لتحقيق مكاسب تكتيكية محدودة، كما أشار كلاين في حديثه حيث قال: يمكن استبدال القادة الذي تم اغتيالهم من حركة الجهاد الإسلامي وحماس، ولا يعتقد الباحث أن للاغتيالات تأثير طويل المدى على تلك الجماعات.
وقال كلاين عن نهج إسرائيل: “لا يوجد تفكير استراتيجي، هناك فقط تفكير عملي وتكتيكي”.
وقدم من يروون الحرب على أنها انتصار حقيقة اغتيال خالد منصور “قائد الجهاد الإسلامي في جنوب قطاع غزة” كدليل. لكن كلاين اختلف معهم في الراي، وقال “مع نهاية الجولة سنعود إلى نفس الوضع الذي كنا فيه”.
لكن ربما نحن الآن أكثر حكمة ودراية، فنحن نعلم أن لبيد مستعدًا للعب بحياة العرب وحتى الإسرائيليين (كون الإسرائيليين تعرضوا للمزيد من صواريخ الجهاد الإسلامي) من أجل المصلحة الذاتية السياسية. ومن الواضح الآن أن مهارة إسرائيل التكنولوجية المتزايدة، كما هو وضاح في القبة الحديدية، تجعلها أكثر استعدادا وليس اقل استعدادا للتصعيد الذي قد يؤثر في المستقبل على نطاق أوسع في المنطقة، وقد يتسبب ذلك في دوامة أوسع من العنف مع الفلسطينيين وتأجيج الرأي العام في العالم العربي.
بن لينفيلد هو مراسل شؤون الشرق الأوسط السابق في جيروزاليم بوست.