بعد مرور عام على الحرب التي استمرت 44 يومًا بين أرمينيا وأذربيجان بشأن ناغورنو-كاراباك، ثمة صراع آخر يتشكّل في منطقة القوقاز. هذه المرة، تصاعدت التوترات بين إيران وأذربيجان في أعقاب إلقاء باكو القبض على سائقي شاحنات إيرانيين، وتدريباتها العسكرية المشتركة مع تركيا وباكستان. وفي حين ما زال من المستبعد حدوث مواجهة واسعة النطاق بين البلدين، فإن هذا الوضع المشتعل يدل على التوترات الدفينة القوية في المنطقة؛ فقد فقدت إيران نفوذها نتيجة لصراع العام الماضي، بينما تعززت مكانة إسرائيل عدوها اللدود وتركيا القوة المنافسة لها. والتركيب العرقي المعقد، ووفرة موارد الطاقة، والتقاطع بين طرق التجارة العالمية الآخذة في التوسع، كل ذلك يعني أن التدافع نحو الهيمنة في منطقة القوقاز سوف يستمر.
في الأول من أكتوبر، أجرت إيران تدريبات عسكرية مكثفة على حدودها الشمالية مع أذربيجان؛ فنشرت الآلاف من القوات وعشرات الدبابات والأسلحة المدفعية والمروحيات في أكبر التدريبات منذ تسعينيات القرن الماضي. وردت أذربيجان باستعراض عضلاتها العسكرية إلى جانب حليفتها تركيا، ونشرت كذلك هذه الدولة الواقعة في منطقة القوقاز أنظمة مضادة للطائرات بالقرب من العاصمة باكو، الأمر غير المُستغرب نظرًا لأن محمد باقري، القائد العسكري للحرس الثوري الإسلامي ورئيس هيئة الأركان الإيراني، قال إنه في حالة تصاعد الصراع، «فإن حرس الثورة الإسلامية سيهاجم أذربيجان بأربعة آلاف صاروخ، وهو ما سيدمر باكو بشكل كامل». علاوة على ذلك، قال قائد حرس الثورة الإسلامية في تبريز، اللواء حسين بورسميل إن «تكرار تهديدات إسرائيل ضد إيران التي تصل من خلال جمهورية أذربيجان لا يصب في مصلحة باكو، بل ويشكل أيضًا تهديدًا لوجودها نفسه».
لا شك أن إسرائيل لعبت دورًا بالغ الأهمية خلال الحرب في ناغورنو-كاراباك عام 2020 من خلال تزويد أذربيجان بأسلحة متطورة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار التي تُسمَى كاميكازي، ولكن الدولة اليهودية والجمهورية السوفيتية السابقة الغنية بالطاقة كانتا شريكتين إستراتيجيتين لسنوات عديدة. وتتهم طهران حاليًا باكو بإيواء مقاتلين سوريين مدعومين من تركيا على أراضيها، على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى أنهم كانوا هناك بالفعل خلال الحرب التي استمرت 44 يومًا، ولكن لماذا ظلت إيران صامتة لأكثر من عام بشأن هذه المخاوف؟
بعد حرب العام الماضي، خسرت الجمهورية الإسلامية قدرًا كبيرًا من نفوذها في منطقة القوقاز، وعملت تركيا على تحسين مواقفها إلى حد كبير. وحتى باكستان تمكنت من زيادة مكانتها في المنطقة. وفي سبتمبر، أجرت قوات من باكستان وتركيا وأذربيجان تدريبات عسكرية بالقرب من باكو، على الرغم من احتجاجات طهران. الأهم من ذلك هو أنه نتيجة لنزاع عام 2020، استولت أذربيجان على معظم ناغورنو-كارباك والمناطق المحيطة بها، ما يعني أن طرق النقل من إيران إلى أرمينيا تمر الآن عبر أذربيجان، وليس عبر الأراضي التي كانت تسيطر عليها العرقية الأرمينية لأكثر من عقدين. بعبارة أخرى، هناك واقع جغرافي سياسي جديد في القوقاز، وإيران لديها أسباب عديدة للقلق.
هذا لا يعني مع ذلك أن الجمهورية الإسلامية مستعدة لشن هجوم على جارتها الشمالية؛ فبعد أن وقع الرئيسان الأذربيجاني والتركي إلهام علييف ورجب طيب أردوغان على إعلان شوشا في يونيو، أصبح البلدان حليفين عسكريين مقربين، وتعهد الطرفان وفقًا لهذه الوثيقة بالعمل المشترك للرد على التهديدات العسكرية. يدرك القادة الإيرانيون تمامًا أن باكو ليست بمفردها؛ فالحرب ضد أذربيجان تعني أيضًا حربًا ضد تركيا، ومن شبه المؤكد أن باكستان وإسرائيل ستقدمان المساعدة العسكرية لدولة القوقاز. ومن ثم، من المستبعد أن تختار طهران الانخراط في مثل هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر.
على الرغم من وجود شائعات بأن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تنشر قواتها في أرمينيا لمنع تركيا وأذربيجان من الاستيلاء على الأجزاء الجنوبية من البلاد، فمثل هذا الخيار لا يبدو محتملًا على الإطلاق؛ فأرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تهيمن عليها روسيا، وتعتمد بقوة على موسكو. وتتمركز قوات حفظ السلام الروسية في ناغورنو-كارباك منذ نوفمبر 2020، وآخر شيء يحتاج إليه الكرملين هو صراع آخر في منطقة نفوذه.
لكن بالنسبة لإيران، تعتبر محافظة سيونيك الجنوبية الأرمينية، التي يسميها الأذربيجانيون زانجيزور، نقطة ضعف؛ فهذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية تفصل الأراضي الرئيسية لأذربيجان عن جمهورية نخجوان المعزولة ذاتية الحكم. وبالنظر إلى أن باكو ويريفان بدأتا تدريجيًا في تطبيع العلاقات بينهما، فإن الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يبني البلدان ممرًا بريًا يربط باكو ليس فقط بنخجوان، ولكن أيضًا مع تركيا. سيصبح ممر نخجوان جزءًا من طريق التجارة العالمية من الصين إلى أوروبا عبر بحر قزوين، وسيتخطى إيران. في الوقت نفسه، شاركت الجمهورية الإسلامية في تمويل بناء ممر نقل دولي يُعرف باسم مشروع الشمال والجنوب الذي يمتد من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان ويصل بحرًا إلى الهند، ولكن إذا كانت هناك مواجهة جدية مع باكو، فإن إنشاء هذا الممر في حد ذاته سيتعرض للخطر.
لذا، فإن خيارات إيران محدودة نوعًا ما. افتراضيًّا، يمكن لطهران أن تغامر وتخوض حربًا ضد أذربيجان، ولكن في هذه الحالة يمكن لملايين الأذربيجانيين الذين يعيشون في إيران دعم حرب عصابات ضد الجمهورية الإسلامية؛ فقد أدى انتصار أذربيجان في الحرب التي استمرت 44 يومًا ضد أرمينيا إلى تنامي الفخر القومي بين الأذربيجانيين الإيرانيين، ما يعني أنه سيتعين على طهران التفكير مرتين قبل الدخول في مواجهة مع جارتها الشمالية.
في الواقع، ظهرت مؤشرات على تهدئة الوضع مع إطلاق سراح سائقي الشاحنات الإيرانيين الملقى القبض عليهم وتعهد وزيرا خارجية البلدين بحل الخلافات من خلال الحوار.
ثمة شيء واحد مؤكد، وهو أن الحرب المحتملة في منطقة القوقاز الغنية بالطاقة ستسفر عن ارتفاع أسعار الغاز في السوق العالمية.
نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي في صربيا يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع الاهتمام بصورة خاصة بالطاقة و«سياسات خطوط الأنابيب».