الاتفاق الشامل الذي تم مؤخرًا بين إسرائيل وكوسوفو وصربيا يعُد مثالًا حيًا على مسألة تجميل الصورة الدبلوماسية الذي تقوم به الولايات المتحدة لدعم دونالد ترامب الذي يعاني من قلة النقاط التي حصل عليها في استطلاعات الرأي، وكما تم الإعلان عنه فإن صربيا ستقوم بنقل سفارتها إلى القدس، وتنص الاتفاقية على اعتراف كل من إسرائيل وكوسوفو ببعضهما البعض وأن تفتتح بريشتينا سفارة لها في القدس، ولو تم ذلك ستكون كوسوفو أول دولة ذات أغلبية مسلمة لها تمثيل دبلوماسي في القدس، كما أنه لا توجد هناك أية دولة أوروبية لها سفارة في القدس حتى الوقت الراهن.

وقد لاقت تلك الاتفاقية معارضة قوية داخل إسرائيل وكوسوفو، ولاقت أيضًا معارضة من الشركاء الرئيسيين للدولتين وتحديدًا الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا، ولهذا السبب من غير المرجح لتلك الاتفاقية أن تؤتي ثمارها، علاوة على ذلك فإن الاتفاق بين إسرائيل-كوسوفو-صربيا لا يعني الكثير مقارنة بالاتفاقيات التي تمت بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، فتلك الاتفاقيات الأخيرة تُعبّر عن الموقف الجيوسياسي في الشرق الأوسط، أما السياسة الداخلية والوضع الجيوسياسي في كوسوفو وصربيا فإنه مختلفُ بالكامل عن الشرق الأوسط.

ولم يمر سوى أسبوعين منذ الإعلان عن تلك الاتفاقية حتى تعالت الأصوات على أعلى المستويات داخل حكومة بلجراد التي تدعو إلى التراجع عن الاتفاقية، وفي ظل الظروف الحالية لن تقوم أية حكومة صربية بالتوقيع على أية اتفاقية تشمل الاعتراف بكوسوفو التي أعلنت الاستقلال عن صربيا في العام 2008، والحكومة الصربية على أعلى المستويات تشدد الآن على أن صربيا ستعارض بقوة أي اعتراف إسرائيلي بكوسوفو، كما أن “الاتفاق” مع صربيا لنقل سفارتها إلى القدس يعتمد على التزام إسرائيل بعدم الاعتراف بكوسوفو. وفي الواقع، كوسوفو تتمتع بأهمية بالنسبة لصربيا لا تقل عن الأهمية التي تتمتّع بها القدس بالنسبة لإسرائيل وفلسطين، وكوسوفو بالنسبة لصربيا تعُد أرضًا “مقدسة” تتشابك مع القومية والهوية الصربية.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من فوزه بالانتخابات الأخيرة في ظل ظروف مثيرة للجدل فإن موقف الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش فيما يخص السياسة الداخلية بات ضعيفًا، وحزبه لم يستطيع الفوز بأغلبية الثلثين في البرلمان، كما أن المعارض الرئيسي أكثر وطنية من الرئيس الصربي. وفي كوسوفو، فإن حصول رئيس الوزراء عبد الله هوتي على الأغلبية في البرلمان بات يعتمد على مقعد واحد، ومن غير المرجح حصول حزبه على أغلبية الثلثين اللازمة للتصديق على أية اتفاقية.

وفي إسرائيل فإن المثقفين والمجتمع الاستراتيجي التابع لهم سيبدون غضبًا من قرار حكومة نتنياهو الاعتراف بكوسوفو، وعلى الرغم من أن هناك 110 دولة تعترف بكوسوفو إلا أن إسرائيل تعُد من أبرز الدول التي رفضت الاعتراف بها.

ولوقت طويل اختارت إسرائيل توظيف نشاطها الدبلوماسي للحفاظ على علاقات جيدة مع صربيا، وعلى أي حال فإن السبب الرئيسي الذي كان يدفع بإسرائيل في الماضي لمعارضة استقلال كوسوفو هو منع الفلسطينيين من الحصول على ذات الحق، وذلك على الرغم من اختلاف الحالتين إلى حد كبير، وكل من مواطني كوسوفو والفلسطينيون يعتمدون على مبدأ تقرير المصير لتدعيم مطالبهم في الحصول على الاستقلال، ومن وجهة نظر المشككين في إسرائيل ما الذي يمكن أن يمنع الفلسطينيين أو حتى عرب إسرائيل من المطالبة بالاستقلال في المستقبل؟، وفي جميع الاحتمالات يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد قرر المضي قدمًا في تنفيذ تلك الاتفاقية من أجل ضمها لسجل إنجازاته على صعيد السياسة الخارجية، دون النظر إلى أنه في تلك الحالة يأتي “الإنجاز” مخالفًا لصميم المصالح القومية الإسرائيلية كما عبّرت عنه حكومة نتنياهو ذاتها.

والاتفاقية التي تمت برعاية البيت الأبيض تعُد أيضًا فريدة من نوعها كونها أثارت ردود فعل متشابهة من شركاء كوسوفو وصربيا الدوليين، والذين يعتبرون على طرفي النقيض فيما يخص القضايا الدولية الرئيسية، والاتحاد الأوروبي يعارض بقوة الدول التي تريد نقل سفاراتها إلى القدس، ويرى الاتحاد الأوروبي أن قضية القدس يجب أن تكون جزءًا من التسوية النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.

وداخل الاتحاد الأوروبي، هناك أيضًا دول مثل إسبانيا وقبرص ظلت معارضة بقوة للاعتراف ببريشتينا، وكل من كوسوفو وصربيا تطمحان للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، الذي يعُد بالنسبة لكل منهما الشريك التجاري الأساسي ومقدم المساعدات، ولا توجد أيًا من الدولتين تستطيع إغضاب الاتحاد الأوروبي خاصة حين تحتاجان لدعمه في مرحلة ما بعد انحسار وباء كورونا (كوفيد-19)، وقد حذّر الاتحاد الأوروبي صربيا وكوسوفو علانية من أنهما سيعرضان عضويتهما في الاتحاد الأوروبي للخطر إذا ما أقدما على نقل سفارتيهما إلى القدس، أما روسيا التي تعتبر صربيا حليفها الرئيسي في البلقان فقد هاجمت الاتفاقية أيضًا كونها تتم تحت ضغط من الولايات المتحدة، كما أن تركيا أيضًا وهي الداعم الرئيسي لكوسوفو هاجمت الاتفاقية.

وإذا ما نحيّنا جانبًا مسألة أسرائيل والقدس من الاتفاق بين كوسوفو وصربيا فإن الجوانب الأخرى من تلك التسوية تبقى بعيدة عن التوقعات، والواقع أن البيت الأبيض ظل لمدة طويلة يضغط على صربيا من أجل الاعتراف بكوسوفو، وعلى أي حال فإن تلك تعُد بمثابة الجانب السياسي المسموم فيما يخص اعتراف صربيا بكوسوفو، حتى أن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أعلن أنه لن يلتقي بترامب إذا ما كانت مسألة الاعتراف بكوسوفو على جدول الأعمال.

وعوضًا عن ذلك فإن ما حصل عليه البيت الأبيض هو بيان هزيل من الدولتين يؤكد على استمرار العلاقات الاقتصادية على أن يتم بحث التفاصيل في وقت لاحق، والواقع أن تلك الاتفاقية ما هي إلا تكرار لمخطط وضعته وزارة الخارجية الأمريكية في فبراير الماضي، لذا فإن نتائج تلك الاتفاقية باتت معلومة مسبقًا.

وهذا الأمر يشير إلى حقيقة وحيدة واضحة بشدة – وهي أن تلك “الاتفاقية” تعُد محاولة من إدارة ترامب للقيام بإنجاز على صعيد السياسة الخارجية لدعم الرئيس الذي حصل على أرقام ضعيفة في استطلاعات الرأي، وفي هذا الإطار فقد قدّم نتنياهو الدعم لترمب باقتدار، ونتنياهو ذاته يواجه اتهامات بالفساد وغضبًا شعبيًا متصاعدًا بسبب تعامل حكومته مع أزمة فيروس كورونا، وغير معلوم حتى الآن إذا ما كان الناخبون في الولايات المتحدة وإسرائيل سيصدقون تلك التمثيلية التي تم إعدادها مسبقًا.

دنيانيش كامات، محلل سياسي، وهو متخصص في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما يقدم استشارات للحكومات حول السياسات والمبادرات الاستراتيجية، وتطوير الصناعات الإبداعية مثل الإعلام والترفيه والثقافة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: