سيصبح شهر نوفمبر من عام 2022 شهرا محوريا في تاريخ التكنولوجيا المعاصرة. حيث يرى العالم شبكة التواصل الاجتماعي الصغيرة والمؤثرة “تويتر” تحت قيادة إيلون ماسك وهي في حالة انهيار، بالتزامن مع بدء شركات التكنولوجيا الرائدة الأخرى في تسريح جماعي لموظفيها. وقدمت بورصة العملات المشفرة “أف تي أكس” التي كانت تعتبر ذات يوم عملاقا مستقرا في سوق العملات المشفرة، طلبا للإفلاس واستقال مؤسسها غريب الأطوار بعد فشله في تدبير مبلغ 8 مليارات دولار لتجنب سقوط البورصة (وربما حتى تجنب عقوبة السجن). وهناك تأثير فوري على المستثمرين ومستخدمي تلك المنصات، ولكن الجانب الضار لتلك الأحداث يكمن في تآكل الثقة في الابتكارات التكنولوجية.
لقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جذري كيفية تواصل الناس مع بعضهم البعض، وكيفية تبادل المعلومات في جميع أنحاء العالم. كما غيرت العملات الرقمية الطريقة التي يتم من خلالها تبادل الأموال والحفاظ عليها. وإذا كان بإمكان المليارديرات غريبي الأطوار تدمير الركائز الأساسية لتلك المنصات، فلماذا يجب على عامة الشعب تبنيها؟ وبالنظر إلى سرعة نمو الابتكار في الكثير من قطاعات التكنولوجيا، فأين يجب أن يضع الناس ثقتهم؟ وتلك ليست أسئلة سهلة الإجابة، حيث تفرض الأحداث الأخيرة محادثة جديدة مع وجهات نظر حديثة حول المستقبل.
وهيمنت على أسواق العملات المشفرة العالمية في نهاية شهر أكتوبر بورصتان رئيسيتان، هما ” بينانس” و “إف تي إكس”. وفي حين أن المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي الصيني الكندي لشركة ” بينانس” تشتقبنق زو كان معروفا بسلوكه المباشر، إلا أن مؤسس ” إف تي إكس” كان يعد الشاب المدلل في قطاع التشفير، وهو ابن أساتذة القانون في جامعة ستانفورد، وتم تصوير “سام بانكمان-فريد” البالغ من العمر 30 عاما، في صورة المنقذ ذو الرؤية في عالم العملات المشفرة، وأصبح وجه حركة “الإيثار الفعال” التي حضت بشعبية بين النخبة في وادي السيليكون وتحث تلك الحركة المديرين التنفيذيين الأثرياء في مجال التكنولوجيا على التخلي عن أجزاء من ثروتهم لإحداث تغيير اجتماعي أكبر، ومع إعلانات المجلات والرعاية الرياضية كان ينظر إلى “إف تي إكس” من قبل الكثيرين على أنها بورصة تشفير محترمة ويمكن الاعتماد عليها.
كما أنقذ “سام بانكمان-فريد” والمعرف اختصارا بـ “إس بي أف” العديد من شركات التشفير خلال الانكماش الأخير وكان ينظر إليه على أنه أنقذ بمفرده أجزاء من قطاع العملات الرقمية، وكان ذلك الشهر الماضي عندما بلغت قيمة بانكمان فرايد أكثر من 25 مليار دولار. لكن تبلغ ثروته أقل من مليار دولار اليوم وتتقلص بسرعة، وفي الأسبوع الماضي، أعلنت بينانس أنها ستنقذ إف تي إكس، وأرسلت تلك الأخبار موجات صدمة عبر قطاع العملات الرقمية وانخفض على أُثرها سعر البيتكوين.
ثم ازدادت الأمور سوءا، حيث تراجعت بينانس عن صفقة الاستحواذ بعد النظر في سجلات إف تي إكس، فقد وجدوا عجز لما يقرب من 8 مليارات دولار. فكيف حصل ذلك؟ لقد استخدم سام أصول العملاء المحتفظ بها في إف تي إكس لتمويل منصة تداول العملات المشفرة الصغيرة الميدا ريسرتش، وعندما أعلنت بينانس أنها تبيع معظم رمز أف تي تي المميز الخاص بها، وهو رمز مميز صادر عن إف تي أكس نفسها، والذي يمنح حامليه خصما على رسوم التداول في سوقها، كان هناك تهافت على إف تي إكس من قبل المستخدمين لإزالة أصولهم، ومن غير الواضح بالضبط مقدار عجز إف تي إكس في تغطية أصول العملاء، ولكنه لا يقل عن 6 مليارات دولار.
وأعطت تلك التطورات فرصة لنقاد التشفير الذين قالوا منذ فترة طويلة إن القطاع مليء بمخططات بونزي (البيع الهرمي)، وقد غرد “مات ستولر” وهو المتشكك الشهير في العملات المشفرة مؤخرا أن ” الثرثرة والأفعال السيئة لـ”سام بانكمانفرايد” ليست مهمة، إن العملات الرقمية هي سلسلة متداولة من مخططات “البيع الهرمي” وهذا واضح لسنوات. إن الإبلاغ عن الشخصيات هو لتشتيت الانتباه عن الآلاف من محامي تشفير “بق لو” الفاسدين الذين عززوا معرفة البيع الهرمي. ”
ووعد المنظمون في جميع أنحاء العالم بالتدقيق العميق في قطاع التشفير مع السقوط المذهل ل “إف تي إكس”، وقد يكون ذلك أحد الجوانب الايجابية من تلك الاحداث، حيث خُلقت العملات الرقمية من الرغبة في تخفيف تأثير المنظمين الحكوميين، لكن عدد الشخصيات المشبوهة في ذلك المجال جعل الكثير من اشكال التكنولوجيا المذهلة عديمة الفائدة، وعندما تنهار بورصة مثل “إف تي إكس” بفضل ما يشبه مخطط البيع الهرمي، فكيف يمكن للمستخدمين أن يثقوا في التكنولوجيا؟ وفي حين أن السيطرة الحكومية العلنية على العملة المشفرة مستحيلة تقريبا، إلا أنه ستكون هناك دفعة كبيرة في مشاريع التشفير المدعومة من الحكومة بما في ذلك تنظيم أفضل للبورصات وظهور العملات الرقمية للبنك المركزي.
وتدخل البنوك المركزية ليس بالأمر السيئ، حيث ستواصل العملات الرقمية للبنك المركزي تطور القطاع المالي، وقد حذر النقاد من أن تلك العملات تمكن من السيطرة بشكل أكبر على الأفراد وتتيح المراقبة والرصد. وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن استخدام الهواتف الذكية يمهد الطريق لتلك المخاوف، وحتى لو لم تنطلق العملات الرقمية للبنوك المركزية على المدى القصير، فإنها يمكن أن تساعد في استعادة بعض الثقة في التكنولوجيا التي تدعم العملات المشفرة.
وقد أكمل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي أكبر تجربة في العالم لمعاملات العملات الرقمية للمصرف المركزي (سي بي دي يو) في نهاية الشهر الماضي، ويعد ذلك توقيت جيد بالنظر إلى حقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من النقاط الساخنة في العالم فيما يخص التحويلات المالية. وبعد أن أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة مكان موثوق في سوق التحويلات المالية، فيمكنها البناء على ذلك من خلال عملتها الرقمية الخاصة بالبنك المركزي. ومرة أخرى، لا يتعين على النقاد استخدام ذلك الرمز الرقمي، لكن وجوده وحقيقة أنه مدعوم من الإمارات العربية المتحدة يجب أن يعطي بعض الثقة في التكنولوجيا نفسها.
ولا يزال من غير الواضح كيف سيكون مصير “إف تي إكس” ومستقبل “تويتر” ومع توقعات الأرباح المنخفضة بصورة مرعبة والتسريح الجماعي للعمال، فمن الواضح أن قطاع التكنولوجيا سيواجه الكثير من الصعاب خلال الشهرين المقبلين. لكن ذلك لا يعني الخلاص من عنصر الابتكار الذي خلق كل هذه التكنولوجيا، ويجب أن يكون هناك فقط بعض التدابير الملموسة لبناء جسور الثقة والعملات الرقمية للبنك المركزي مثل ما هو الحاصل في الإمارات العربية المتحدة هو نقطة انطلاق جيدة لبدء البناء.
جوزيف دانا هو كبير المحررين السابقين في إكسبونانشال فيو، وهي جريدة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع. كما شغل منصب رئيس تحرير موقع إميرج 85، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.
تويتر: @ibnezra