كيف نجعل مدننا أكثر استدامة – وما المقصود تحديدًا بكلمة “استدامة”؟، تلك هي الأسئلة الملحة والتي ستطرحها إمارة أبوظبي في شهر فبراير، بعدما وقع الاختيار على الإمارة لتستضيف الدورة العاشرة “للمنتدى الحضري العالمي” برعاية الأمم المتحدة.

وتلك هي المرة الأولى التي تستضيف فيها دولة عربية أهم مؤتمر عالمي عن المدن، والذي يُعقد كل عامين منذ العام 2002. وتقول الأمم المتحدة، إنها “فرصة مهمة” لعاصمة الإمارات العربية المتحدة” لعرض إنجازاتها في تعزيز التنمية الحضرية المستدامة وتطبيقها.”

ولكن إلى أي مدى يمكن إطلاق وصف “مستدامة” على تطوير مدينة أبو ظبي – أو أي من المدن الكبرى المنتشرة في دول الخليج بسبب اكتشاف النفط، أو تلك المدن الموجودة في أي مكان آخر بسبب تجارة العولمة في القرن العشرين، أو، تطوير تلك المدن الكبرى في أوروبا وأمريكا الشمالية؟. ويشكل المنتدى الحضري العالمي، برعاية برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، فرصة لطرح الأسئلة الصعبة حول دور المدينة، باعتبارها محرك التنمية للاقتصادات العالمية منذ الثورة الصناعية التي جعلت العالم يسير في اتجاه كارثة بيئية، ورغم ذلك، من غير المرجح أن تُطرح تلك الأسئلة في شهر فبراير.
وما سيتم مناقشته هو “جدول الأعمال الحضري الجديد”، وهي وثيقة اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة في عام 2016. ويثني جدول الأعمال على المدن باعتبارها محركات “لخلق فرص العمل، وفرص لسبل العيش، وتحسين نوعية الحياة”. ويقول جدول الأعمال، يجب أن يكون الناس متساوون في الاستفادة من المزايا والفرص التي توفرها المدن.”

ولكن في ظل اهتمام برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية بقدرة المدينة على حل العديد من المشكلات الاجتماعية، نجد أن البرنامج يغض الطرف عن التأثيرات السلبية للمدن. وعلى الرغم من اعتراف البرنامج بكارثة التغير المناخي التي تلوح في الأفق، فإنه يصر على “أن المدن يمكن أن تكون مصدر حلول للتحديات التي يواجهها عالمنا اليوم وليس سببًا فيها”.

والحقيقة المؤلمة هي أن المدن وما تجذبهم من أعداد هائلة من البشر، تولد النفايات والتلوث، وزيادة الطلب على الطاقة والمياه بشكل لا يمكن للكرة الأرضية توفيره، أو مواجهته بأي تخطيط ماهر لموارد الأرض – على الرغم من النوايا المثلى للمنتدى الحضري العالمي برعاية الأمم المتحدة.

ومع انتشار المدن، فإن مدينتي أبوظبي وجارتها دبي من النماذج الجذابة. وتم إنشاء المدينتين مع الحرص على الاستثمار والسياحة الداخليين، وإنشاء المرافق التي تجعلهما مدينتين جذابتين تشتبهان المتجمعات العالمية المتنوعة. وبدءًا من المسابح والأسواق التجارية والأبراج السكنية المكيفة وصولاً إلى سيارات الدفع الرباعي المتطورة، وكل ما هو تواق للطاقة في تلك المدن، بل وفي وكل مدينة خليجية أخرى، فهناك تلك الحقيقة التي يهمسون بها وهي – أن هذا المكان الحار والجاف كان واحدًا من آخر الأماكن التي قد تتحول الى مدينة كبرى متطورة لولا اكتشاف النفط.

وتلك معضلة. فبأي حال يمكن حرمان أي شخص من فرصة التوسع اقتصاديًا؟ هل تحصل المدن القديمة في العالم – من بكين إلى نيويورك – على حرية التوسع الاقتصادي لمجرد امتلاكها للمدن؟. ونقول مرة أخرى، أصبحت “المدن” التي ظهرت لأول مرة في تلك البقعة من العالم تحديدًا- من السهول الطمييية لنهري دجلة والفرات، من أوائل المدن المعروفة على مستوى العالم منذ أكثر من “5,000” عام.

وتمثل المدن، سواء كانت مبنية في القرن التاسع عشر وأخذت في التوسع عشوائيًا منذ ذلك الحين، أو تطورت مؤخرًا بفكر جديد، أماكن محورية لجميع الأمراض البيئية التي ابتلي بها كوكب الأرض اليوم. وتشغل المدن “2%” فقط من مساحة الأرض، ولكنها مسؤولة عن “60%” من إجمالي استهلاك الطاقة، وعن ثلاثة أرباع انبعاثات الغازات الدفيئة والنفايات.

ولن يزداد هذا الأمر إلا سوءًا. ويعيش نصف سكان العالم بالفعل في المدن، ويتزايد العدد يوميًا – ويتوقع موئل الأمم المتحدة [برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية] أن تشهد المدن زيادة جديدة في عدد سكانها بأكثر من “2,5” مليار نسمة جديدة بحلول عام 2050.

وهناك عدد قليل من المدن التي توسعت بنفس سرعة مدن دولة الإمارات ودول الخليج الأخرى. ويشير أحد الرسومات البيانية إلى النتائج الحتمية على المستوى الجغرافي- حيث استهلاك الفرد من الكهرباء بين عامي 1971 و2014 في دول مجلس التعاون الخليجي الست، وعلى سبيل المقارنة، الاتحاد الأوروبي.

إن استهلاك الكهرباء للفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت قد فاق بشكل كبير استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية السبعينيات، وارتفع بشكل كارثي منذ ذلك الحين. وفي الواقع، بدأ استهلاك الفرد من الكهرباء في الاتحاد الأوروبي في الانخفاض منذ عام 2009، مسجلاً 5900 كيلوواط في الساعة بحلول عام 2014، بينما ارتفع في المملكة العربية السعودية إلى 9440 كيلوواط في الساعة، و11.260 كيلوواط في الإمارات و15200 كيلوواط في قطر والكويت، و19590 كيلوواط في البحرين.

وفي مؤتمر فبراير، سيناقش الخبراء بجدية مواضيع مثل “قيادة التحضر المستدام من خلال الثقافة والابتكار” و”التكنولوجيا الرائدة، والمدن المستدامة”. ورغم نقاشهم هذا، فإن المدينة التي يجتمعون فيها ستنمو يوميًا، وتجذب المزيد من الرحلات الجوية، وتُشيد المزيد من المباني، وتُستورد المزيد من السيارات والأغذية، وتتولد المزيد من الكهرباء، وتُحلى مياه البحر. ومع ذلك، فإنه تبقى أبوظبي أقل جاذبية مقارنة بالمراكز الحضرية في بلدٍ مثل الصين على سبيل المثال. واستوعبت مساحة تشونغتشينغ الكبرى مليون نسمة إضافية في غضون عامين منذ العام 2011، وبهذا يصل عدد سكان المدينة إلى حوالي “28” مليون نسمة.

إن الحقيقة التي لن يتطرق إليها أحد في المنتدى الحضري العالمي هي: لا وجود الآن أو فيما بعد لما يسمى بالمدينة المستدامة. ومثلما حذر الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريس العالم، في بداية اجتماع تغير المناخ COP25 في مدريد هذا الشهر، قائلا كل ما نؤمله لتجنب “السير أثناء النوم مرورًا بنقطة اللاعودة”، ” هو وقف التوسع في مدننا وطرقها.

وهذا لن يحدث أبدًا في عالم تدفعه وسائل متطورة نحو النمو والتنمية الاقتصادية الدائمة. ولهذا هناك سؤال أخلاقي: لماذا يجب على العالم الناشئ أن يحد من طموحه في الرخاء بينما تحقق الدول المتقدمة بالفعل نموًا سريعًا؟. ربما ينبغي أن يكون هذا السؤال هو نقطة البداية للأسئلة التي طرحت خلال مؤتمر الأمم المتحدة في فبراير.

 

جونثان جورنال، صحفي بريطاني، عمل سابقًا لدى صحيفة “التايمز”، وقضى فترة من حياته في منطقة الشرق الأوسط وعمل بها، ويعيش الآن في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: