في يوليه/ تموز، ستبدأ إسرائيل في ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ورغم ذلك، واجهت الخطة معارضة من جهة استثنائية، وهي: حركة المستوطنين، فما السبب إذًا؟. الجواب المتشابك يكمن في تاريخ إسرائيل المخزي بضمها فعليًا الأراضي الفلسطينية منذ بداية النزاع.

وقبل مناقشة الوضع في الضفة الغربية، فمن الفائدة بمكان استعراض بعض الأحداث التاريخية حديثة العهد. فمنذ عام 1967، وعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية لأول مرة، تجنب الزعماء الإسرائيليين مسألة الطرق لضم الضفة الغربية رسميًا حتى لا يضطر إلى منح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، والاضطرار في الوقت ذاته الى قيام دولة فصل عنصري صراحة.

ومع إعلان “دونالد ترامب” عن “صفقة القرن”، بات هذا الوضع على وشك التغيير. وأشارت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنها ستؤيد ضم إسرائيل لنحو “30%” من الضفة الغربية، بما في ذلك غور الأردن الخصيب، بشرط أن تقبل إسرائيل بكامل خطة ترامب للسلام بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي الخطة التي جرى الكشف عنها في وقت سابق من هذا العام. وهذا يعني أنه على إسرائيل الدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين لأربع سنوات على الأقل، وأن تلتزم إسرائيل بإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، غير أن إسرائيل لم توافق رسميًا بعد على هاذين الشرطين، وبالتالي فإن عملية الضم وشيكة الحدوث ستكون أحادية الجانب.

غير أن ذلك لم يمنع حركة المستوطنين الإسرائيليين من إظهار قدرًا من المعارضة الشديدة، سواء لخطة الضم، أو لرئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” نفسه. وقال مجلس “يشع”، وهو المنظمة الجامعة للمستوطنات في الضفة الغربية، إنه يرفض احتمال قيام دولة فلسطينية في المستقبل. وقال رئيس مجلس “يشع”، دافيد إلحياني، إن ترامب، وجاريد كوشنر، كبير مستشاري ترامب والمهندس الرئيسي لخطط السلام، “أثبتا في خطتهما أنهما ليسا أصدقاء لدولة إسرائيل”.

والحقيقة وراء الخلافات داخل اليمين السياسي هي أن إسرائيل تمارس الضم الفعلي منذ عام 1967. واستثمرت إسرائيل مبالغ طائلة لبناء بنية تحتية مصممة لمنع قيام الدولة الفلسطينية. وبدءًا من الطرق وخطوط الكهرباء وصولاً إلى شبكات الهاتف الخلوي، كان الدافع وراء تطوير الضفة الغربية هو سياسة الضم الفعلي. لقد ابتلعت المستوطنات الإسرائيلية القرى الفلسطينية التي كانت تنتشر في السابق في المنحدرات الجبلية، ولم يتبق من تلك القرى سوى المجتمعات الفلسطينية المنفصلة، وهو ما يسهل على الجيش الإسرائيلي السيطرة عليها. وهذا تكتيك فرق تسد واضح للعيان.

وكان مشروع تطوير الضفة الغربية ناجحًا جدًا لدرجة أن إسرائيل نجحت في زيادة عدد المستوطنين، وتضييق الخناق على حياة الفلسطينيين دون إدانتها دوليًا بشكل حقيقي. ولكن إذا ضمت إسرائيل الضفة الغربية رسميًا الشهر المقبل، فسيضع هذا إسرائيل أمام مجموعة من المقارنات الحتمية مع سياسات الفصل العنصري، والإجراءات المحتملة من الاتحاد الأوروبي والهيئات الدولية الأخرى.

وبالنظر إلى الجانب السلبي المحتمل، والانقسام داخل التيار اليميني، فما السر وراء سعي “نتنياهو” لضم الضفة الغربية؟. ويشير أحد التفسيرات للمحلل الإسرائيلي، انشيل فايفر، إلى أن “نتنياهو لن يضم أجزاء من الضفة الغربية إلا إذا كان مقتنعاً بأن عملية الضم ستعزز خطته الطويلة لإخراج القضية الفلسطينية من الأجندة السياسية العالمية، وتحقيق التطبيع والتحالف غير الرسمي المناهض لإيران بين إسرائيل والقوى العربية الرئيسية”.

وهذا بالفعل ما يدفع “نتنياهو” لضم الضفة الغربية، ولكنه من المؤكد أيضًا أن ضم الضفة الغربية سيضخم القضية الفلسطينية، وليس التقليل منها. إذًا، ما الفائدة من عملية الضم؟. الجواب، هو أن “نتنياهو” يعتقد أن ضم الضفة الغربية سيرفع عن إسرائيل في نهاية المطاف كامل مسؤوليتها عن الفلسطينيين وصنع السلام.

وبالعودة إلى الماضي المخزي. تكشف وثائق أرشيفية للمؤرخ الإسرائيلي “بيني موريس” عما أسماه “التطهير العرقي” الشامل للفلسطينيين من وطنهم خلال حرب 1948 والتي أدت إلى قيام إسرائيل. وما يثر الفضول هو أن قادة الدولة الوليدة لم “ينهوا المهمة”. وإن ما أوقفهم هو شعورهم بالخزي، وبالتالي تركوا المهمة الشنيعة في منتصف الطريق. ويرى “موريس”، أن عدم القدرة على إنهاء المهمة هو مصدر المشاكل اليوم – لأنها فكرة مخيفة من جميع الأوجه.

واليوم، هناك شيء مماثل يحدث في الضفة الغربية. وعلى مدار 50 عامًا من الضم الفعلي، كان المسؤولون الإسرائيليون يخشون إضفاء الطابع الرسمي عليه، والسبب مرة أخر هو الشعور بالخزي من فعل أشياء شنيعة إلى أقصى درجة. وما يفضله هؤلاء المسؤولون هو إبقاء سيطرتهم على الفلسطينيين، والحيلولة دون التوصل إلى أي حل مستدام (أو منصف) للصراع، أو أي إدانة دولية. (وربما أن الشعور بالخزي يأتي تدريجيًا).

وبعيدًا عن البيروقراطيين، يدعم الكثير الإسرائيليين عملية ضم الضفة الغربية. والحقيقة هي أن الضمير الإسرائيلي الذي لم ينزعج أبداً من ممارسة الظلم على الفلسطينيين، بدء بإخراجهم من أراضيهم.

وقد عبر، ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، عن مشاعر العديد من الإسرائيليين عندما قال إن الصراع سينجلي من تلقاء نفسه عندما “يصبح الفلسطينيون كنديين”، مشيرًا إلى أن إبعاد الفلسطينيين تمامًا سيكون أمرًا جيدًا لإسرائيل. وتكمن الفكرة هنا في أن الفلسطينيين ذات يومٍ سيتنازلون عن تاريخهم ببساطة، أو يتنصلون منه بهدوء. وفي سبيل ذلك، ستجعل إسرائيل أحوال الفلسطينيين في غاية السوء بحيث لا يكون أمام الفلسطينيين خيار سوى الرحيل عن بلادهم.

ومن ثم تنفيذ عملية الضم. وبينما يغادر الفلسطينيون، لم تعد المسؤولية عن حل النزاع مسألة هامة طالما أنه لن يحدث المزيد من الصراع. ولذلك فلا داعي للقلق الذي يساور مجلس “يشع”. والمشكلة في هذه الفكرة هي أن الفلسطينيين لديهم أفكار إيجابية عن أرضهم.

ويحب السياسيون الإسرائيليون أن يقولوا إنه ليس لديهم شريك للسلام في الفلسطينيين. والواقع يقول إن الفلسطينيين ليس لديهم شريك في إسرائيل. ولم يكن لديهم مطلقًا.

 

“جوزيف دانا”، يتنقل بين دولة جنوب أفريقيا ودول الشرق الأوسط، ويعمل كبير محرري “emerge85″، أحد المختبرات التي تستكشف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثيرها العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: