لم تعُد مسألة ازدراء الرئيس رجب طيب أردوغان لوسائل التواصل الاجتماعي سرًا؛ فهو يقوم بحجب موقع تويتر بانتظام بغرض منع انتشار المعلومات التي لا يريدها، وقد هاجم علنًا فيسبوك ويوتيوب مُتهِمًا إياهما بتشويه قيم الأسرة التركية، وعقب احتجاجات جيزي بارك التي اندلعت في العام 2013 تعهّد أردوغان بالسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأخيرًا وفي يوليو الماضي نفّذ أردوغان وعده حين قام البرلمان بتمرير قانون يزيد من حالة التضييق على حرية الرأي في تركيا.

والقانون الجديد الذي سيبدأ العمل به من أول أكتوبر تم تمريره بعد 16 ساعة فقط من عرضه على البرلمان، وهو يستهدف المجال العام الوحيد الخاصة بحريّة الرأي الذي تبقّى في تركيا: الإنترنت.

يهدف القانون التركي الذي أتى على غرار القانون الألماني الخاص بشبكات الاتصالات إلى تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر إعطاء السلطات المزيد من القوة، وينص القانون على أن يكون لدى جميع مزودي خدمات وسائل التواصل الاجتماعي ممثلًا مقيمًا في تركيا، وأن يتم تخزين جميع البيانات في تركيا وأن تتم معالجة جميع الشكاوى في غضون 48 ساعة، وعدم الامتثال للقانون سيجعل المخالف عُرضة لتسديد غرامات باهظة تتخطّى 700 ألف دولار أمريكي.

تسيطر الحكومة التركية في الأساس على 90% من وسائل الإعلام التقليدية، لذا فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعُد الآن المنتدى الوحيد للنقاش بالنسبة للرأي العام، والقانون الجديد يعمل على تغيير هذا الأمر، وقد وصف يامان أكدنيز، الخبير في الحقوق الإلكترونية وأستاذ القانون بجامعة بيلجي في اسطنبول، هذا القانون بأنه “قانون الرقابة الذاتية”، مضيفًا أن “الكثير سيترددون في التعبير عن أنفسهم، مما يعني أن الأمر سيكون أكثر خطورة من مسألة الرقابة ذاتها”.

وبالنظر إلى الرقم القياسي الذي حققته الحكومة فإن أكدنيز على حق، وفي تقرير لمنصة إفدي لحرية التعبير وهي منصة تركية معنية بمراقبة حرية استخدام الإنترنت، فإنه بحلول نهاية العام 2019 بات الأتراك محرومون من الدخول لأكثر من 408 ألف موقعًا إلكترونيًا، ، وصُنفت تركيا في “تقرير الشفافية” الخاص بتويتر في النصف الأول من العام 2019 في المركز الثاني على مستوى العالم فيما يخص التدخلات القانونية من أجل إزالة المحتوى، والمثير للعجب أن هناك 20 ألفًا من المواطنين الأتراك تم تقديمهم للمحاكمة بتهمة “إهانة” الرئيس منذ صعوده إلى سدة الحكم في العام 2014، وتم توجيه ذات التهمة للكثيرين على منصات التواصل الاجتماعي.

ومن قبيل المكابرة عبر الادعاء الساذج بأن القانون الجديد تم تمريره لحماية المواطنين الأتراك على أقل تقدير، وهذا بالضبط هو الادعاء الذي عبّر عنه ماهر أونال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان، حيث قال أونال إن القانون “يهدف إلى حماية الحقوق الأساسية وحريات المواطنين”، فضلًا عن حماية ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا وعددهم 54 مليونًا من الحصول على معلومات مضللة، لكن إدراك الحزب الحاكم لمصطلح المعلومات المضللة ينم عن جنون الشك والاضطهاد، وخلال الفترة ما بين إبريل 2017 وحتى يناير 2020 حجبت السلطات التركية موقع ويكيبيديا وهي الموسوعة متعددة اللغات على شبكة الإنترنت بدعوى أنها “تقود حملة ضد تركيا”.

والجانب الأكثر إثارة للقلق في قانون وسائل التواصل الاجتماعي الجديد لا يتعلّق فقط بكونه يقوي عملية الرقابة، لكن لأنه يعطي السلطات صلاحية إزالة المحتوى، ويقول فاروق كير وهو محام ورئيس الجمعية المعلوماتية البديلة، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي تقوم بالتركيز على قضايا مثل المعرفة الإعلامية والرقابة على الإنترنت والرقابة الجماعية، إن القانون الجديد يعُد خرقًا للقوانين الحالية المتعلقة بحماية البيانات الشخصية، كما يعُد خرقًا للاتفاقيات الدولية التي تعمل على الحفاظ على الإنترنت كوسيلة تتمتع بالحرية والحياد ويمكن للجميع الوصول إليها، وشأنه شأن أكدنيز؛ فقد دعا كير منصات التواصل الاجتماعي لعدم القبول بهذا التشريع الجديد.

ويثير البند الخامس من القانون، والذي يتعلق “بحق النسيان”، القلق بصورة خاصة لأنه يعني أن المحتوى السابق لن يتم حجبه فقط، بل ستتم إزالته للأبد من جميع المصادر حتى أرشيف الأخبار.

والسبب الحقيقي وراء صياغة وتمرير هذا القانون بهذه العجلة من الأفضل أن يُفسّر من خلال حدث جرى خلال يوم واحد خلال العام الحالي وتحديدًا في السادس والعشرين من يوليو. في هذا اليوم، ألقى الرئيس خطبة أمام خريجي المدارس لهذا العام عبر اليوتيوب، وفي خلال دقائق وضع الآلاف “علامة الاستهجان” أمام الخطاب، وفي بداية هذا الشهر حصل مقطع الفيديو على أكثر من نصف مليون علامة من علامات عدم الإعجاب، وتم نشر هاشتاج #OyMoyYok “لن تحصل على صوتي” مرارًا وتكرارًا وسط التعليقات قبل أن يتم حجب الهاشتاج، وقد تم تمرير قانون وسائل التواصل الاجتماعي الجديد بعد ثلاثة أيام من خطاب أردوغان.

وسيستمر الرئيس في شيطنة وسائل التواصل الاجتماعي ووصفها بأنه “مصدر الأمور السيئة”، أما قاعدته الانتخابية التقليدية – الأكثر فقرًا والأقل تعليمًا والمواطنين المتدينين المحافظين في المناطق الريفية التركية – ربما سيصدقون الرئيس، لكنه في النهاية يحارب معركة خاسرة.

والواقع أن نصف تعداد الشعب التركي أعمارهم تقل عن 32 عامًا، وقد كبر هؤلاء خلال الأعوام العشرين التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية، وهؤلاء هم الشباب الذين تعهّد أردوغان بإعدادهم ليكونوا “جيلًا من الأتقياء”، لكن هؤلاء أيضًا بارعون في التكنولوجيا ولا يستخدمون وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة. وعلى عكس أردوغان وأمثاله من الحيتان، هم لا يرون وسائل التواصل الاجتماعي على أنها تمثل تهديدًا للوحدة الوطنية. وخلال الانتخابات التي ستقام في عام 2023، فإن خمسة ملايين من هؤلاء الشباب سيدلون بأصواتهم.

وهذا القانون الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ في غضون أسابيع قليلة والذي يرمي إلى خنق حرية التعبير لا يمكن إنكار صدوره، لكن نجاح أردوغان في إسكات جيل الأتقياء بشكل تام يعد مسألة أخرى.

 

ألكسندرا دي كرامر صحافية تقيم في اسطنبول، وتنقل “ألكسندرا” أخبار الربيع العربي من بيروت بصفتها مراسلة في الشرق الأوسط لصحيفة “مليت”، وتتناول “ألكسندرا” في عملها أخبار الشؤون الجارية والأخبار الثقافية، ولها كتابات في مجلات “مونكليه” و”كورير”، و”مايسون فرانشيز” وصحيفة “اسطنبول آرت نيوز”.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: