يُعتبرالساحل الغربي لجنوب إفريقيا، والواقع في قاع القارة السمراء قطعة قاحلة من الأرض وشديد المراس، ويبعد مسافة أقل من ساعة بالسيارة من مدينة كيب تاون، وتتحول التضاريس بشكل كبير إلى مناظر طبيعية وعرة وشبه غريبة، حيث تلتقي النباتات الجافة فجأة بالمياه المتجمدة للمحيط الأطلسي، وقد أصبحت هذه القطعة غير المرتقبة من الأرض خلفية للتحول العالمي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.

وتتغير طريقة توليدنا للطاقة واستهلاكها، وبفضل التقدم التكنولوجي المذهل، انخفضت تكلفة إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة من مصادر مثل الشمس والرياح بشكل كبير، وذلك التحول الكبير نحو الطاقة المتجددة يغير عالم الوقود الأحفوري، وقريبًا، سيكون من المنطقي أن تستثمر الشركات في الطاقة المتجددة أكثر من الوقود الأحفوري، وبالنظر إلى خطورة التحديات المناخية التي نواجها، تعد تلك أخبار سارة لمستقبل الحضارة الإنسانية، وتتفق كل المنظمات العلمية في العالم تقريبًا على أننا بحاجة إلى الحد من استهلاكنا للنفط لوقف الاحتباس الحراري.

ويبدو أن النمو الهائل للطاقة المتجددة هو بالضبط ما نحتاجه للتعامل مع التحديات المناخية، ولكن الانتقال ليس بالسرعة التي يتوقعها البعض، أو كما هو موضح في وسائل الإعلام الرسمية، فلا يزال لدينا قدر هائل من العمل للقيام به فيما يتعلق باعتمادنا على الوقود الأحفوري.

ويُعتبر الارتفاع الكبير في أسعار نفط خام برنت مؤشر على مدى اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري، فبينما تقول شركات الوقود الأحفوري إنها مستعدة لتبني التحول إلى الطاقة المتجددة، لا يزال الكثيرون منجذبين للأرباح التي تُجنى من بيع النفط والغاز، كما يعتقد العديد من الخبراء أن الطلب العالمي على النفط لم يبلغ ذروته بعد.

وتعد النرويج مثال مناسب على ذلك التناقض، فقد قادت الدولة الإسكندنافية العالم في مجال التحول إلى السيارات الكهربائية على مدى العقد الماضي، وأصبحت أكثر من 90 بالمائة من السيارات الخاصة في النرويج تعمل بالكهرباء، وهذا شيء مذهل، وفي حين أن النرويج قد تتبنى السيارات الكهربائية على الصعيد المحلي، إلا أنها على الصعيد الخارجي، لا تزال تعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات كمصدر لإيراداتها في قطاع التصدير، وفي عام 2020 ، كان النفط الخام أحد أهم سلع التصدير في الاقتصاد النرويجي، ويبدو أن النرويج تحاول كسب المغانم في كلا المعركتين.

ويحدث الشيء ذاته في جنوب إفريقيا، حيث تقوم شركات الهيدروكربونات متعددة الجنسيات، والتي تقول بانتظام إنها ملتزمة بالتحول إلى نظام الطاقة المتجددة بمسح واسع لساحل جنوب إفريقيا الوعر بحثًا عن رواسب جديدة من النفط والغاز، وقد خسرت شركة “رويل دتش شل” مؤخرًا محاولة رفيعة المستوى لإجراء مسح زلزالي ضخم لمدة أربعة إلى خمسة أشهر للنفط على طول الساحل البري بجنوب إفريقيا، وتحديدا في الجزء الشرقي من المقاطعة. وكان من المفترض أن تغطي منطقة المسح دائرة نصف قطرها 6000 كيلومتر مربع باستخدام سونار عالي النبرة، والذي كان من الممكن أن يكون له تأثيرات شديدة وطويلة الأمد على الحياة البحرية في المنطقة، وكانت شركة شل واثقة جدًا من قدرتها على إجراء المسح حتى أنها تعاقدت مع إحدى السفن والتي رست في كيب تاون أثناء تقديم طلبات الاستئناف.

وبعد احتجاجات شعبية عارمة وتقديم التماس عبر الإنترنت حصد أكثر من 440 ألف توقيع، أصدرت محكمة عليا في جنوب إفريقيا أمرًا عاجلاً بوقف الاستكشافات، ووجدت المحكمة أن شركة شل لم تحصل على التراخيص المناسبة بموجب قانون إدارة البيئة الوطنية لتنفيذ مثل تلك الاستكشافات الضارة على الخط الساحلي البكر، وقوبل ذلك النصر بالبهجة في جنوب إفريقيا وحول العالم، لكن سرعان ما خبت تلك الفرحة بعد إقرار خطط التعدين الواسعة للساحل الغربي للبلاد.

وعلى عكس الساحل الشرقي في جنوب أفريقيا “وايلد كوست”، فإن الساحل الغربي لجنوب إفريقيا غني بالمعادن وبالنفط، وهناك العشرات من مشاريع التعدين الحالية والمستقبلية في المنطقة، والتي تركز على النفط والغاز والماس والمعادن الأخرى، ويعد استخراج المعادن والهيدروكربونات ممارسة معيارية في جميع أنحاء العالم وسيستمر لعقود قادمة.

وتمثل المشكلة في جنوب إفريقيا رمزًا للاتجاه الأكثر إثارة للقلق، وهي أن شركات التعدين والنفط تستفيد من المؤسسات الحكومية الضعيفة للتسريع من وتيرة المشاريع، وتُمنح الموافقات بسرعة وغالبًا على الرغم من الالتماسات العديدة لإجراء دراسة أعمق للأثر البيئي على المنطقة، وفي إحدى الحالات، مُنح الإذن لمشروع على الرغم من وجود 35 طلبا جادًا لإعادة النظر في ذلك المشروع. وإذا كان هذا هو الوضع القائم في أحد أكثر الاقتصادات الصناعية في إفريقيا، فيمكن للمرء تخيل المعدل الذي تتم به مشروعات التنقيب والتعدين في أجزاء أخرى من القارة.

وتكشف المعركة حول التعدين في جنوب إفريقيا عن التناقضات في النقاش الساخن حول الطاقة المتجددة، وباختصار، يقع عبء التغيير في كيفية إنتاج واستهلاك الطاقة على عاتق المستهلك. ولم تكن البنية التحتية للطاقة المتجددة، أرخص على الإطلاق للأفراد، سواء كانت ألواح شمسية منزلية أو سيارات كهربائية، فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يشترونها، وكلما كانت التكنولوجيا أفضل، كلما انخفضت الأسعار أكثر وأكثر.

ولا يمكننا لوم الشركات الخاصة على سعيها لتحقيق الربح والبحث عن فرص نمو جديدة، ولن يكون هناك تغيير كبير في مشاريع الاستكشاف الجديدة، حتى يتم إصلاح السوق وجعل الوقود الأحفوري باهظ التكلفة للبيع والاستخدام.

ويمكن أن تؤدي الاختيارات الفردية إلى إحداث تغييرات في اتجاه السوق، وعندما يختار المزيد من الناس التحول إلى النظام الأخضر، ستكون تلك هي بداية التحول الحقيقي للطاقة المتجددة.

 

جوزيف دانا، هو كاتب مقيم في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، وهو مراسل من القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبوظبي، وقد شغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إميرج 85” ، وهو مشروع إعلامي مقره الإمارات العربية المتحدة يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: