يتوجه اللبنانيون الى صناديق الاقتراع في السادس من ايار (مايو) في انتخابات تم تضخيمها بشكل جعل اللبنانيين يشعرون انهم محظوظون للعيش في ظلّ دولة ديموقراطية. لكن الخيارات في لبنان ليست حرة على الشكل الذي تبدو عليه، بل ان الاسوأ يكمن في ان هذه الانتخابات تعد بتكريس سيطرة ”حزب الله“.

بداية، على عكس الديموقراطيات حيث تتم الدعوة لانتخابات لحسم التعادل السياسي، يتم الاتفاق على عقد انتخابات في لبنان فقط بعدما يتوصل الزعماء المتنافسون الى حل خلافاتهم، فيقرّون قانونا يضمن سطوتهم.

ولأن استغرق زعماء لبنان ما يقارب العقد للاتفاق حول كيفية الاستمرار في تقاسم مغانم الدولة، لم ينتخب اللبنانيون ممثليهم منذ العام ٢٠٠٩، ما يجعل ”مجلس النواب“ اللبناني المنتهية صلاحيته البرلمان صاحب ثاني أطول ولاية في تاريخ البلاد، بعد برلمان الحرب الاهلية، الذي امتدت ولايته من ١٩٧٢ الى ١٩٩٢.

حلّ الخلافات بين الزعماء كرّس تعديلا دستوريا غير مكتوب، ففيما ينص الدستور اللبناني على ان ”الشعب هو مصدر السلطات“، ينصّ الترتيب القائم على ان الشعب اللبناني هو واحد من ثلاثة: الشعب والجيش والمقاومة. صيغة ”حزب الله“ هذه لا تضع ”الجيش“ و“المقاومة“ على قدم المساواة مع ”الشعب“ فحسب، وهو الذي يفترض ان يتمتع نظريا بالسيادة فوق الجميع، بل ان الصيغة تجعل ”الجيش“ و“المقاومة“ مستقلين عن ”ارادة الشعب“.

صيغة ”حزب الله“ غير الدستورية تضع فعليا سياستي لبنان الدفاعية والخارجية خارج سيطرة اي حكومة يختارها ”الشعب اللبناني“، وهو ما يعني ان اللبنانيين سيختارون حكومة بصلاحيات أقل مما يفترض بها، حكومة تدير الاقتصاد، بما في ذلك الخدمات والاشغال العامة، وهنا يأتي دور الزعماء اصحاب الشهية المفتوحة دائما للفساد واختلاس المال العام.

على مدى العقود الاربعة الماضية، انحدر زعماء لبنان من العائلات نفسها، ويعرف اي متابع للسياسة اللبنانية ان السياسيين اما يشغلون مناصبهم منذ الأزل — مثل رئيس ”مجلس النواب“ نبيه بري، صاحب اطول ولاية في العالم منذ ان تسلم منصبه في العام ١٩٩٢ — ام خلفهم في مناصبهم اولادهم، او احفادهم، او انسبائهم.

هذا العام، يترشح للانتخابات خمسة الى سبعة زعماء، او خلفاؤهم من عائلاتهم. كل من الزعماء القدامى او ممن خلفهم يترأس لائحة انتخابية، يشارك فيها مرشحون هم في غالبيتهم نفسهم من البرلمانات السابقة.

منذ استقلال البلاد في العام ١٩٤٣، طبق لبنان النظام الاكثري البسيط الذي يسمح للفائز بحصد كل المقاعد، وهو ما اعطى الزعماء قبضة حديدية على طوائفهم ودوائرهم الانتخابية. على انه في هذه الانتخابات، يعتمد لبنان نظام النسبية في دوائر متعددة، وهو ما يسمح لعدد من المنافسين ذات الاوزان الخفيفة شعبيا وسياسيا بالتسلل بين اصابع الزعماء والوصول الى ”مجلس النواب“. معظم منافسي الزعماء هم عادة من المرشحين ممن يتمتعون بدعم زعماء منافسين.

هكذا، بدلا من ان تجبر النسبية الزعماء على الترشح وفقا للوائح ذات برامج واضحة، دفعتهم الى ان يصبحوا أقل أخلاقية واكثر تقلبا، فنرى زعيمين يتحالفان في دائرة انتخابية ما، ويتواجهان في دائرة مجاورة، ما انتج شبكة من التحالفات قاعدتها الوحيدة المصالح الذاتية.

في هذه الاثناء، وجد بعض المرشحين غير الحزبيين، ممن يطلقوا على انفسهم اسم ”مستقلين“، فرصة في النسبية لاقتناص مقعد هنا او هناك، ودخل كثير منهم في تحالفات لتشكيل لوائحهم الخاصة، في وقت يعتقد الخبراء ان حفنة من هؤلاء ”المستقلين“ قد تكون محظوظة وتصل فعليا الى ”مجلس النواب“.

على الرغم من قبضتهم الحديدية، وجد الزعماء انفسهم مهزوزين في مواجهة ”المستقلين“ الاضعف منهم بكثير. في جنوب لبنان، معقل ”حزب الله“، اعتدى ٤٠ عضوا في الحزب على منافس لهم شيعي ”مستقل“ كان يقوم بالصاق صوره بنفسه. وفي جبل لبنان، اعتقلت القوات الامنية ناشطا واخته من ”حزب الكتائب اللبنانية“ المسيحي لتوزيعهم مناشيرا سخرت من ”انجازات“ نائب مسيحي من كتلة الرئيس ميشال عون.

لقد استخدم زعماء لبنان و“حزب الله“ التعييب المجتمعي، والاستقواء، ولي الاذرع بحق منافسيهم. وزير خارجية لبنان جبران باسيل قام، من دون اي حياء، باستخدام الموارد الحكومية لحملته الانتخابية في الاغتراب، اما وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي تدير وزارته الانتخابات، فهو نفسه من المرشحين. بدوره، عمد رئيس الحكومة سعد الحريري الى استغلال التسهيلات التي يقدمها منصبه لشن الحملة الانتخابية له وللائحته. اما ”حزب الله“، فقد اخاف منافسيه وابقاهم بعيدين عن دوائر ترشيحهم.

من شبه الاكيد انه سيتم اعادة انتخاب زعماء لبنان وكتلهم الى ”مجلس النواب“، وهي كتل قد تتوسع او تتقلص قليلا. وسيتصارع الزعماء فيما بينهم في محاولة كل منهم للفوز ببعض المقاعد الاضافية على حساب الآخرين. ”المستقلون“ بدورهم قد يفجروا مفاجئة.

ومن الاكيد ايضا ان ”مجلس نواب“ ٢٠٠٩ سيعيد تشكيل نفسه في ٢٠١٨، ما يعني ان على اللبنانيين ان يتوقعوا المزيد من السياسة نفسها مستقبلا.

يعاني لبنان من مشكلتين مزمنتين: ميليشيا ”حزب الله“ ذات القوة العسكرية والأمنية الخارجة عن السيطرة، وطبقة الزعماء الفاسدة والمترسخة في النظام، ولا يمكن لانتخابات ٢٠١٨ ان تساهم في معالجة اي من المشكلتين، ما يؤكد الاعتقاد القائل بأن ما يسمى ديموقراطية في لبنان هي في الواقع نظام لا يستجيب للتغيير من داخله.

مع استحالة التغيير عبر الانتخابات، تصبح العملية مسابقة في الشعبية يجدد من خلالها الزعماء ولاياتهم، ويقوم فيها ”حزب الله“ بتطبيع صيغته اللاطبيعية والغير دستورية في البلاد.

في ”مجلس نواب“ ٢٠١٨، توقعوا ان يحافظ الشيعي بري على منصبه رئيسا للبرلمان، وان يحتفظ السني الحريري برئاسة الحكومة، وان يصارع المسيحي باسيل لخلافة حماه المتقدم في السن عون في الرئاسة. اما عائلة جنبلاط، وهي الأن في جيلها القيادي الثالث بعد الاستقلال مع مرشحها تيمور، فهي ستحافظ على زعامة الدروز. بدوره، سيبقى قائد ”القوات اللبنانية“ سمير جعجع ثاني اقوى شخصية مسيحية، والأهم من ذلك كله ان ”حزب الله سيحافظ على الميليشيا الهائلة وعلى امساكه بلبنان بشكل عام.

AFP PHOTO/ANWAR AMRO

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: