منذ ظهور فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” وتحوله إلى جائحة عالمية، تلقت الركيزتان المتكاملتان لصنع الثروة في دول الخليج – النفط والسياحة الدولية – ضربات قوية. واليوم، تعمل دول المنطقة بشكل جزري ودؤوب على تغيير أسلوب إدارتها. وبينما تتخلص دول الخليج من أكبر عدد من العمالة لديها، فإنها باتت على وشك استبدال العاملين الأجانب الذي يغمرون أراضيها. وهذا ليس أمرًا سيئًا؛ وعلى تلك الدول دعم هذا الإجراء. والسبب، أن هذا الإجراء سيحفز الكفاءة، والأهم من ذلك، أنه سيعجل باعتماد الصناعات الاقتصادية الجديدة على أساس توليد المعرفة وتنظيم المعلومات.

ومع استثناء واضح للمملكة العربية السعودية، وإلى حد ما، دولة عمان، فقد اعتمدت دول الخليج بشكل كبير على العمالة الأجنبية لمواكبة متطلبات الاقتصاد الحديث. وأسندت دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، إلى العمالة الأجنبية تنفيذ أجزاء كبيرة من اقتصادها. وبات المغتربون هم من يقودون الاقتصاد، بدءًا من تجارة التجزئة وصولاً إلى التكنولوجيا العالية والبناء. وبهذا أصبحت دولة الإمارات واحدة من أكثر بلدان العالم تنوعًا من حيث السكان، حيث يعيش فيها ما يقرب من 200 جنسية. وعلى الجانب الآخر، تبلغ نسبة الإماراتيين “11,4%” فقط من السكان – مما أدى إلى درجة معينة من عدم التوافق الاجتماعي والثقافي. وفي ظل التراجع الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، يبدو أن النموذج الإماراتي قديمًا، وبات مهيئا للإصلاح المنشود بشدة.

وأصبح الاقتصاد العالمي معتمدًا اعتمادًا متزايدًا على التكنولوجيا، وبفضلها يمكن العمل عن بعد. وفي الأيام الأولى للجائحة، أنقذت التكنولوجيا الاقتصاد العالمي من الانهيار المفاجئ وشبه الكلي. وبالرغم من أن المخاطر قائمة، ربما نجح العالم في تجنب تكرار سيناريو الكساد الكبير على نطاق واسع. واليوم، تقول بعض شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم لموظفيها أنه يمكنهم الاستمرار في العمل من المنزل بعد انتهاء الجائحة.

وهناك أفق جديد من الإمكانيات الواعدة، وعلى دول الخليج الاستفادة منها. فمع وجود بنية تحتية متطورة للإنترنت، والحرص على دعم التكنولوجيا كبديل للصناعات الاستخراجية، بات الخليج – وخاصة الإمارات العربية المتحدة – في وضع مثالي لتقديم فرص جديدة للشركات.

أولاً، يشير التحول إلى العمل عن بعد إلى أن اقتصادات الخليج أصبحت بدرجة كبيرة في غنى عن العمالة الخارجية، وتستطيع تلك الدول توظيف تلك العمالة خارج البلاد وتركها هناك. وهناك عائدات ضخمة من هذا الإجراء. فلن تحتاج الشركات إلى دفع نفقات الانتقال والسكن والبدلات التعليمية للأطفال المعالين، وربما حتى التأمين الصحي لأولئك الذين تم توظيفهم في البلدان التي لديها برامج صحية وطنية. كما ستعكس الرواتب قوانين الصناعة المحلية، بدلاً من الرواتب المرتفعة التي يتوقعها العاملون في دول الخليج.

ثانيًا، ومنذ بداية الجائحة، فقد الآلاف في جميع أنحاء الخليج وظائفهم، مما أدى إلى عودة العمال الأجانب إلى بلدانهم الأصلية. وهذا في الغالب دليل على الآفاق الاقتصادية المتضائلة للخليج. ومع ذلك، بات هذا الإصلاح القسري لسوق العمل الإجراء اللازم والمطلوب لطرق أبوب معيار اقتصادي جديد.

وتستطيع دول الخليج في ظل هذان التطوران مجتمعان التفكير بجدية في أفضل طريقة لإعادة هيكلة نموذجها الاقتصادي. وباختصار، تشير إعادة هيكلة النموذج الاقتصادي إلى توظيف عدد أقل من العمال المتمرسون على استخدام التكنولوجيا في الصناعات ذات القيمة العالية، والتي تتوافق مع الخطط المعلنة منذ فترة طويلة للتركيز على صناعة المعرفة.

ويشير الواقع إلى أن دبي تفهم ذلك بالفعل. وباتباع النموذج الرائد لدولة “إستونيا”، تسمح دبي بالفعل لأصحاب المشاريع الرقمية بتسجيل أعمالهم في الإمارة، مع العمل من مكان آخر. وتضمن هذه الأعمال الرقمية لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تظل خلية من ريادة الأعمال التكنولوجية، دون تكبد التكاليف غير الضرورية التي يتطلبها نموذج العمل الحالي. وفي الوقت نفسه، تستطيع الشركات الناشئة دخول الأسواق المتطورة، وتحمل أعباء ضريبية منخفضة. وباستخدام هذا النموذج، طورت “إستونيا”، وبوجود عدد قليل من العمال الأجانب المقيمين، أحد أقوى قطاعات التكنولوجيا في أوروبا، وهذا على عكس الإمارات التي تعتمد على عدد كبير من العمالة. واليوم، تستطيع الإمارات أن تكون مثل إستونيا.

وهناك تداعيات غير مباشرة لنموذج العمل هذا. فالأتمتة والذكاء الاصطناعي يعتبروا ضروريان لأي اقتصاد معرفي ناشئ مثل دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن شأن التطور المحلي في هذين المجالين أن يساعد على رفع كفاءة القوى العاملة المحلية وتصديرها أيضًا. وهذا مع الاخذ في الاعتبار تأثير برنامج الفضاء الإماراتي، وإطلاق مسبار الأمل إلى المريخ في وقت لاحق. كما ان هناك توجه هائل من الهيئات البحثية في الإمارات العربية المتحدة نحو الأنشطة العلمية والتكنولوجية. وأي تطور في مجال الأتمتة والذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير مماثل.

وأخيرًا، هناك أساس طبيعي، لكنه ليس أقل أهمية، لإنشاء نموذج اقتصادي جديد. إن تلبية متطلبات الأجانب في منطقة صحراوية تستورد كل ما تستهلكه تقريبًا، ليس بالأمر السهل. وبينما خطت دول الخليج خطى واسعة في تأمين سلاسل إمدادات الغذاء والماء، فإنها مع ذلك عملية مكلفة، وتحول الموارد بعيدًا عن المشاريع الأكثر إيجابية وإنتاجية، ناهيك عن تقليل الآثار البيئية.

من الخطأ بمكان النظر إلى نزوح العمال الأجانب من الخليج على أنه نذير بالهلاك الاقتصادي، بل هو تذكير بأن الاقتصاد الجديد الذي تتطلع إليه المنطقة يقتصد حتمًا في اعتماده على الموارد البشرية. ولطالما أعلنت دول الخليج عن رغبتها في أن تصبح اقتصادات قائمة على المعرفة. إن الفرص التي تأتي من الأزمات باتت تشجع على إعادة تنشيط الإصلاح لتحقيق هذه الغاية.

 

يعيش جوزيف دانا بين جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، وهو يشغل منصب رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، التي تعُد بمثابة مختبر لاكتشاف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثير ذلك على المستوى الدولي.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: