بسبب الجائحة العالمية الناتجة عن فيروس كورونا المستجد، كوفيد-19، اهتزت الثقة في قدرة الحكومات على الاستجابة للتهديدات التي كانت المجتمعات العلمية والصحية على علم بها. وبدءَا من آسيا إلى أوروبا وصولاً إلى أمريكا الشمالية، تكافح السلطات الصحية للتغلب على هذا الفيروس. ولن نغفل في هذا المقام الإشارة إلى دول مثل كوريا الشمالية ومجموعة متنوعة من المجموعات غير الحكومية. وستعلم تلك الدول أنه لا شيء أكثر تدميرا للنظام الليبرالي الحديث بقيادة الغرب من العامل البيولوجي. وبمجرد انتهاء الأزمة، لن تحتاج الدول الغربية والدول المتحالفة معها إلى مجرد الاستعداد بشكل أفضل للجائحة التالية والتي ستحدث بشكل طبيعي، بل عليها أيضًا الاستعداد بشكل أفضل لإمكانية انتشار رقعة الضرر بفعل العوامل البيولوجية التي تسبب بها الإنسان.
وفي خضم الأزمة الحالية، لا يمكن لأحد أن يدعي أنه لم يكن ثمة تحذير من أن الفيروسات الجديدة ستنتشر بشكل أسرع وأبعد مقارنة بالأزمات الصحية السابقة. ولكن تلك التحذيرات تميل إلى أن تكون عامة وإستراتيجية، وليست محددة من حيث خصائص الفيروس الجديد أو مصدره الأصلي. فعلى سبيل المثال، نشرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض مادة ضخمة عن الجائحات والتأهب لها، وقدمت توصيات إلى المؤسسات الصحية الخاصة منها والعامة في الولايات المتحدة الأمريكية. وحذر مجتمع الاستخبارات الأمريكية في عام 2017 في تقرير له يصدر كل أربع سنوات حول التهديدات العالمية، من أن “زيادة السفر، وضعف البنية التحتية الصحية سيجعل التغلب على الأمراض المعدية أمرًا بالغ الصعوبة.”
ومع ذلك، فشلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم في الإبقاء على أنظمة ومؤسسات الصحة العامة الخاصة بها قوية بما فيه الكفاية لمواجهة مثل هذه الحالات الطارئة. وفي العام 2019، خلص الخبراء المعنيين بالأمن الصحي العالمي، إلى أن معظم البلدان لم تكن مستعدة للتعامل مع تفشي أمراض معدية كارثية. ووفقًا لدراسة مهمة شارك في إعدادها منظمة مبادرة التهديد النووي وجامعة جونز هوبكنز، كانت النظم الصحية في جميع أنحاء العالم ضعيفة، ولم تكن أي دولة عل استعداد تام لوقوع حادثة بيولوجية كارثية عالمية.
والصحة العالمية هي مشكلة باتت بشكل كبير ضربًا من ضروب تهديدات الأمن القومي بسبب الاستخدام الخبيث لعلم الأحياء من جانب الدول أو الجهات غير الرسمية. ويمكن اختراع الأمراض في المختبرات، ويتم تخزين مسببات الأمراض من جانب وزارات الدفاع في بعض البلدان، ويفترض أنها لأغراض دفاعية، لإعداد مضادات الترياق اذا تعرضت قواتها المسلحة لهجوم بيولوجي من العدو.
ولكن الأزمة الصحية التي سببها فيروس كورونا تذكرنا بأن الأسلحة البيولوجية، بخلاف الأسلحة النووية أو الكيميائية، يصعب جدًا العثور عليها وكشفها في وقت كافٍ للتعامل معها.
وبينما تستطيع الأقمار الصناعية الكشف عن المنشآت العسكرية الكبيرة، وتستطيع أجهزة الاستخبارات مراقبة القدرات الكيميائية للدول والجهات غير الرسمية، فإن علم الأحياء موجود في كل مكان. ويمكن للجهة المؤذية أن يستخدم العامل المسبب للمرض كسلاح بطرق ذات تقنية منخفضة للغاية. ولنتذكر الرعب الذي أحدثته الجمرة الخبيثة بعد هجمات الحادي عشر “11” سبتمبر. فعلى مدار أسابيع، شهدت العاصمة الأمريكية حالة من الخوف، واضطراب كبير في حركة المرور العادية. وفي النهاية، تبين أن المهاجم كان شخصًا بمفرده، إنه طبيب أبحاث طبية مُدرب، كان لديه إمكانية الوصول إلى عينات المختبر. ولم تُكتشف دوافعه بعد.
إن العلماء الذين يعملون على الأسلحة البيولوجية يميزون تلك الأسلحة عن “أسلحة الدمار الشامل” الأخرى. ووفقًا “لغريغوري كوبلينتز”، مؤلف كتاب “الأسلحة الحية: الحرب البيولوجية والأمن الدولي”، فالأسلحة البيولوجية ليست مفيدة بشكل خاص في ساحة المعركة، ويتم تطويرها بسرية كبيرة، ولا تمثل في الواقع رادع تقليدي في المشهد الجغرافي السياسي الكبير. ولكنها أداة فعالة للتخويف، أو مفيدة في الحروب غير المتكافئة، عندما يمكن لطرف أصغر وأضعف أن يلحق الضرر والخوف بعدوٍ ذو قدرة قتالية تقليدية أكبر.
وهذا هو السبب في زيادة حدة الخوف من الأسلحة البيولوجية والتهديد باستخدامها منذ هجمات الحادي عشر “11” من سبتمبر. وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد صوت لصالح القرار 1540، الذي أطلق مضمارً جديدًا للتعاون الدولي، في محاولة لتقييم التهديدات الجديدة للإرهابيين أو غيرهم من الجهات المؤذية غير الرسمية والتعامل معها، والذين يسعون إلى الوصول إلى العوامل البيولوجية (أو أسلحة أخرى ذات تأثير جماعي).
إن التطورات التي شهدها عالم التكنولوجيا، ابتداءً من مشروع الجينوم البشري وصولاً إلى الاختراعات المختبرية الأخرى في علم الأحياء والتي لم تظهر إلا مرة واحدة في أفلام الخيال العلمي، جعلت التحدي أكثر عبئًا على الحكومات. ويمكن أن تنشأ التهديدات من بيئات مدنية هادئة في العادة، وليس فقط في مجال الصراع بين الدول.
ولعدة عقود، بدأ التعاون بين خبراء الصحة العامة في الدول المتقدمة وهؤلاء الموجودون في دول العالم الثالث لبناء بعض خطوط الدفاع الأولى المفيدة ضد التهديدات البيولوجية. ولاحظ البعض أن تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014 تم احتوائه بسرعة أكبر في البلدان التي طورت بنية تحتية أفضل للصحة العامة، وغالبًا بمساعدة غربية. ومن الواضح أن توسيع قدرات مختبرات الصحة العامة في البلدان النامية أمرًا مهمًا بسبب مساهمة تلك المختبرات بشكل أساسي في الرفاهية العامة، ويشير أيضًا إلى وجود قدرة محلية على اكتشاف التهديد البيولوجي من جهة بشرية معادية.
وحتى الآن، لم نشهد أن مجموعات إرهابية تحاول الاستفادة من أزمة فيروس كورونا. ومع ذلك، لا يحتاج هؤلاء الإرهابيين إلى أن يكونوا خبراء بيولوجيين ليكتشفوا بعض الفوائد لقضاياهم في عالم يشعر فيه المدنيون بالخوف، والحكومات غير مستعدة أو فطنة بما يكفي للتعامل مع الأزمات. وعلاوة على ذلك، سيتمكن هؤلاء الإرهابيون من تعلم الكثير عن مسببات الأمراض البيولوجية عند حساب التكلفة والمكاسب. ويجب أن نفعل الكثير للاستعداد لأي حوادث طارئة قد يتسبب فيها هؤلاء الإرهابيون.