عُقدت قمة في بروكسل في الشهر الماضي بين قادة من الاتحاد الأوروبي ونظرائهم من الاتحاد الأفريقي لأول مرة منذ عام 2017، فقد شعر الاتحاد الأوروبي بقلق متزايد بشأن نفوذه في القارة السمراء في ظل جهود الصين لبسط هيمنتها هناك. لكن على الرغم من أن قمة بروكسل ركزت على العلاقات الأوروبية الأفريقية، فإن السؤال الحقيقي الذي يدور في أذهان العديد من الدبلوماسيين هو مدى جدوى وفعالية الاتحاد الأفريقي. وقد القى الصراع في أوكرانيا بضلاله على اجتماع الاتحاد الأفريقي مع المسؤولين الأمريكيين الأسبوع الماضي، ويتساءل الكثيرون عما إذا كان الاتحاد الأفريقي قد فقد قدرته على التعامل مع الأزمات ورسم مسار مستقبلي عادل للقارة، خاصة مع اقترابه من الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه في شهر يونيو.

وقد تأسس الاتحاد الأفريقي في عام 2002، عندما حل محل منظمة الوحدة الأفريقية، والتي كان مقرها في إثيوبيا، كما مُنح تفويضًا طموحاَ بإنهاء الحروب في القارة، وتعزيز التجارة بين البلدان الأفريقية، وترسيخ المشاركة الدبلوماسية للقارة في المحافل الدولية. وتبلورت تلك الأفكار في وقت طغت فيه نبرة التفاؤل في إفريقيا مع تصاعد موجة الديمقراطية وظهور الأنماط الاقتصادية التي ساعدت في تقدم بلدان الأسواق الناشئة، لكن سرعان ما خبت تلك النبرة المتفائلة.

وقد تعالت الأصوات، منذ يوم التأسيس، متسائلة عن اختيار إثيوبيا كمقر للاتحاد الأفريقي، بسبب سجلها المثير للجدل في مجال حرية الصحافة، لكن تم وضع تلك المخاوف جانباً، وباشر الاتحاد الأفريقي بإرسال قوات للتدخل في حروب الإبادة الجماعية التي وقعت في دارفور، وعلى عكس المنظمة السابقة، فقد كان  للاتحاد الأفريقي تفويض باستخدام القوة للتدخل في الصراع، وقد استخدم هذا الحق في الأيام الأولى، وبالإضافة إلى دارفور، أرسل الاتحاد الأفريقي قوات إلى الصومال لمواجهة تهديد الجماعات المسلحة، ولكن، تلك النجاحات المبكرة أعقبتها أزمات غياب الكفاءة والجدارة.

وقد استولى المقاتلون الموالون لداعش على أجزاء كبيرة من شمال الموزمبيق الغني بالنفط، واستمرت حالة عدم الاستقرار، حيث فشل الاتحاد الأفريقي في صياغة استراتيجية قابلة للتطبيق لاحتواء المسلحين، ويسري الشيء نفسه على منطقة الساحل، حيث تُقاتل القوات الفرنسية تمردًا وحشيًا كبيرا ضد المسلحين بدعم مادي ضئيل من الاتحاد الأفريقي. وفي الأيام الأولى للاتحاد، تم ردع الانقلابات في إفريقيا بسبب وجود رد موحد من جانب الاتحاد الأفريقي، ولكن طوت تلك الجبهة الموحدة رُحى الأيام.

ويمثل الانقلاب العسكري الأخير في بوركينا فاسو دليلاً دامغًا على أن الاتحاد الأفريقي إما غير راغب أو غير قادر على مساعدة الدول الأعضاء لحل المشاكل لمنع الانقلابات، حيث ذهب بعض المحللين إلى حد الادعاء بأن الاتحاد الأفريقي قد منح بعض القادة السياسيين غير الشرعيين مظهرًا خادعًا للشرعية من خلال مناصبهم في الكتلة.

وقد تم انتخاب الرئيس الغيني السابق، ألفا كوندي، رئيسًا للاتحاد الأفريقي في عام 2017  على الرغم من تورطه في اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان والمطالب العامة بإجراء إصلاحات اقتصادية وأمنية، كما وجد “الراحل” إبراهيم كيتا، وهو الزعيم السابق لمالي، نفسه في وضع مماثل في عام 2019، عندما تم تعيينه لقيادة مبادرة الفنون والثقافة والتراث في الاتحاد الأفريقي،  ويقع المثال الأكثر وضوحا على توفير الاتحاد الأفريقي غطاء للفشل السياسي في البلد المضيف لمقره، حيث عجز الاتحاد عن إنهاء الحرب الأهلية الدموية في إثيوبيا.

ولم تقتصر التحديات على القضايا الأفريقية الداخلية، حيث برزت قضايا شرعية الاتحاد الأفريقي في السياسة الدولية في شهر يوليو الماضي، عندما وافق موسى فقي محمد، رئيس وزراء تشاد السابق ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في ذلك الوقت، على اعتماد إسرائيل كمراقب في الهيئة، وأثار القرار احتجاجات وادعاءات بوجود نفوذ لا مبرر له من طرف إسرائيل، التي حاولت الوصول إلى الاتحاد الأفريقي منذ تأسيسه، ووافق الاتحاد الأفريقي على تعليق النقاش حول وضع إسرائيل حتى القمة المقبلة في عام 2023. ولكن، فكرة إدراج إسرائيل كمراقب خلقت خلافات كبيرة وعمقت الانقسامات في قلب المنظمة.

قد حقق الاتحاد الأفريقي بعض النجاحات، حيث ساعدت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (أي أف سي أف تي أي) التي بدأت العمل في عام 2021، على تحويل التدفقات التجارية، وفي الوقت نفسه، عمل الاتحاد الأفريقي بشكل وثيق مع بكين لزيادة التجارة بين القارة والصين. ولكن نتائج هذه الاتفاقيات قد تعود بالفائدة على الصين أكثر من فائدتها للدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.

ومن السهل أن يتساءل المرء عما أنجزه الاتحاد الأفريقي، خاصة بعد مرور عقدين من الزمن، وما إذا كان يمكن لمنظمة محاكية للأمم المتحدة النجاح في أفريقيا، إن سجل الاتحاد الأفريقي لا يوحي بالكثير من التفاؤل، ولكن لا يعني ذلك أن مثل هذه الهيئة لا فائدة منها، فقد واجهت كل منظمة عالمية مماثلة مثل الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي فضائحها الخاصة حول عدم الكفاءة والفساد، ولا يعتبر الاتحاد الإفريقي المنظمة الوحيدة المصابة بسوء الإدارة.

والتحدي الأكبر الذي يواجه الاتحاد الأفريقي هو أن قوته قائمة على قوة أعضائه، وبالنظر إلى مستوى النشاط الحالي والتاريخي للصين وللولايات المتحدة وحتى لإسرائيل في القارة، يواجه الاتحاد الأفريقي معركة صعبة، فمع دخوله عقده الثالث، يمكن معرفة التحديات التي يواجها بسهولة. وللمضي قدمًا، يجب أن يكون التركيز على إعادة الروح التأسيسية للهيئة والتأكد من أن التجارب الناجحة مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية تعمل بصورة كاملة. إذا تمكنت إفريقيا من إحكام سيطرتها على مُقدراتها الاقتصادية، فسيكون من السهل عليه تجاوز التحديات الدبلوماسية التي لا تعد ولا تحصى.

 

جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، وقد عمل كمراسل من القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبو ظبي، وشغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إميرج 85” وهو مشروع إعلامي مقره الإمارات العربية المتحدة والذي يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: