لو طبقنا تعريف “ألبرت أينشتاين” للجنون على الانتخابات اللبنانية، فسيكون التعريف على النحو التالي: الجنون هو أن تنتخب الساسة أنفسهم مرارًا وتكرارًا وتتوقع منهم نتائج مختلفة. ومع انقشاع غبار الانتخابات البرلمانية اللبنانية، ما زال “ميشيل عون” رئيسًا للبلاد، وأُعيد انتخاب “نبيه بري” للمرة السادسة تواليًا رئيسًا للبرلمان اللبناني، ليكون رئيس البرلمان الأكثر بقاء في منصبه على الأرض من خلال ستة وعشرين عامًا قضاها في منصبه، إضافة إلى أنه من المتوقع أن يشكل رئيس الوزراء “سعد الحريري” مجلس الوزراء الذي سيظل محافظًا على التركيبة السياسية الحالية دون النظر إلى التعديلات الوزارية البسيطة.

ومن المؤكد أن نفس المسؤولين سيمارسون السياسات الفاشلة ذاتها. فهناك حزب الله الذي سيظل مسيطرًا على مقاليد السلطة، ولاسيما السياسة الخارجية والأمن، في الوقت الذي قد يتوقع فيه الشعب اللبناني المزيد من هؤلاء المسؤولون بأعينهم فيما يتعلق بانقطاع التيار الكهربي باستمرار، وتكدس القمامة في الشوارع، ومستويات التلوث العالية في الهواء والماء والتي تنذر بالخطورة، والفساد المتزايد واختلاس الأموال العامة.

كان من المفترض أن تكون الانتخابات فرصة للبنانيين لتحسين جزءًا من ترتيبهم المزري بين دول العالم. وفقًا لصندوق النقد الدولي، تحتل البلاد المرتبة الثالثة من بين الدول الأكثر مديونية في العالم، ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، تحتل البلاد المرتبة “143” من بين “180” دولة الأكثر فسادًا ، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تحتل البلاد المرتبة الثامنة في العالم في “انتشار استهلاك التبغ”.

لا تدل نتائج الانتخابات على أن مؤشرات الإدارة السيئة للبلاد ستتغير، غير أن التغير الجوهري في حقيقة الأمر يكمن في تحجيم نفوذ الحريري وأن يعتمد أكثر على منظمة حزب الله وحلفائها. وبعد أن خسر أربعة عشر “14” مقعدًا من الخمسة وثلاثين “35” مقعدًا التي كانت لكتله سابقًا، أصبح الحريري أكثر وهنًا، في الوقت الذي عاد فيه مناصري الرئيس السوري بشار الأسد من اللبنانيين إلى المشهد بقوة وأصبحوا الآن إحدى مصادر القوة لمنظمة حزب الله.

و بعد أن خسر فرصة أخر في استبدال قادتهم ممن هم دون المستوى، فقد يبدو أن سلوك الشعب اللبناني محيرًا. ومع ذلك، من الجيد دومًا أن نتذكر أن الشعبوية سلاح يمكن استخدامه بنفس الطريقة في جميع البلدان. ونرى في كل دولة ومنها لبنان أن الشعبوية قد تقوض الديمقراطية إلى مدى بعيد.

ومثل الأمريكيين الذي يعتقدون خطئًا بأن فرض رسوم جمركية على الصادرات تعزز من أسواق الوظائف لديهم، ومثل البريطانيين الذين فشلوا في تقدير فوائد الاتحاد الأوروبي، قبل اللبنانيون بخيارات طائفية لكي يشعروا بالراحة، على المدى القصير، بيد أنها ستضر كثيرًا بمصالحهم على المدى البعيد. ومن خلال توظيف الشعبوية، يصف الساسة اللبنانيون ومنهم قادة حزب الله الانتخابات على أن لعبة صفرية النتائج، أي أن فوز الطوائف الأخرى يعني خسارتنا وتعرضنا للانقراض. وكان من شأن تلك اللهجة أن يقبل معظم اللبنانيين على صناديق الاقتراع، ليس بسبب تقديرهم لقادتهم الطائفيين، بل كيدًا في أعضاء الطوائف الأخرى. وطالما أن اللبنانيين يعالجون مشاكلهم عن طريق الساسة ضيقي الأفق والمشاحنات الطائفية قصيرة المدى، فسيظل اللبنانيون يرفضون مصالحهم بإعادة انتخاب الساسة أنفسهم رغم خذلانهم للبنانيين مرارًا وتكرارًا.

لم تفرز الانتخابات الأخيرة أي تغييرات رئيسية على مستوى الحكومة، سوى إعادة تشكيل البرلمان ومجلس الوزراء، فضلاً عن استمرار منظمة حزب الله في إضعاف المعارضة الضعيفة أيًا كانت للإبقاء على سيطرتها العسكرية أو الأمنية المطلقة على الدولة. وسيظل “عون”و”بري” و”الحريري” وغيرهم من القادة مستمرين في سباقهم نحو توسعة شبكة المحسوبية الخاصة بهم.

ومما يؤسف له أن تبدو لبنان غارقة في ظل عجز قادتها وناخبيها على تجاوز مصالحهم الشخصية العاجلة. فمن بيده إنقاذ البلاد، وكيف له ذلك، إنها أسئلة أجوبتها قليلة.

تفترض عواصم العالم القوية منذ فترة طويلة وحتى الآن أن الشعب اللبناني رهينة في يد منظمة حزب الله النجباء المؤيدة لإيران. ومع إمكانية الأخذ بهذه الفرضية في الماضي، إلا أنها غير مجدية في الوقت الحاضر، لأنه يبدو أن أغلبية اللبنانيين قد تصالحوا مع دولتهم التي يعاد تشكيلها في شكل حزب الله، ودولتهم هي إحدى دول “محور” الممانعة ضد الغطرسة العالمية. بغض النظر عما يعنيه هذا القول.

وأبرم القادة اللبنانيون واحدًا تلو الآخر تسويات مع حزب الله. وكان أولهم السيد/ عون، وتلاه “وليد جنبلاط”، وكان آخرهم “الحريري”. وفي تلك الصفقة، ترك حزب الله الدولة مرتعًا لهؤلاء الثلاثة، في الوقت الذي يحصل في حزب إيران في لبنان على تصريح مجاني لتحويل الدولة إلى قاعدة لمغامراته الإقليمية.

لذلك من المنطقي بعد ذلك، وفي ظل عجز القادة اللبنانيين على مواجهة حزب الله واسترداد بلدهم أو عدم رغبتهم في ذلك، فلا بد أن تكون هناك عواقب لهذا الأمر. ويجب على العالم إيقاف التعامل مع بيروت لأنها حكومة شديدة الضعف بحيث لا يمكنها التعامل مع الميليشيا المارقة، وأن يبدأ في التعامل معها على أنها حكومة متواطئة مع ميليشيا حزب الله والتي تثير المشاكل في أنحاء المنطقة وجميع دول العالم. ربما بعد أن تزيد عواصم العالم من قيمة رهانها، أن يعيد اللبنانيون وقادتهم تفكيرهم في اتفاقهم مع حزب الله. وربما بعدها سيذهب اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع وهدفهم إجبار قادتهم على إيقاف منظمة حزب الله وإبلاغها بأن لبنان لا ترغب في تحمل تداعيات سلوكها المزعج. لقد فوت اللبنانيون بشكل واضح فرصة في انتخابات هذا العام، وليس من السابق لأوانه البدء استعدادًا لانتخابات 2022.

PHOTO / Mahmoud ZAYYAT

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: