أصبحنا في مفترق طرق خلال المعركة مع جائحة كورونا (كوفيد-19)، وعلى الرغم من المجهودات الدولية التاريخية للتلقيح ضد الجائحة فإن المتغيرات والطفرات التي تنتج عن الجائحة لا زالت تفاجئنا، وقد نتج عن هذا الأمر مخاوف من أن الكفاح ضد الجائحة لن يمضي قدمًا دون مضاعفة التركيز على الدول الأقل نموًا، وفي قارة أفريقيا مُعظم الدول فشلت في تأمين اللقاحات اللازمة لمواطنيها أو حتى مجرد الشروع في تلك العملية، ويجب معالجة مسألة القوانين المجحفة والخاصة بحقوق الملكية الفكرية والتي يضعها منتجي اللقاح، تلك القوانين التي تعمل على منع وصول اللقاح إلى الدول النامية، ويجب إما معالجة مسألة تلك القوانين أو تعليق العمل بها من أجل الانطلاق في حملة عالمية لتوزيع اللقاحات، ولو كان لدينا الوقت لفعل شئ ما لإحداث توازن بين الاقتصاديات والأخلاقيات؛ فإن اليوم هو الوقت المناسب، حيث انتشرت العدوى التي تعُد بمثابة أسوأ الأوبئة التي شهدها العالم على مر التاريخ.

وهناك فرصة أمام الولايات المتحدة للضغط على منتجي اللقاحات من أجل إمداد الدول النامية بتلك اللقاحات نظير تكلفة قليلة، ولدى الحكومة الأمريكية وثيقة مهمة تتعلّق بالملكية الفكرية لإنتاج اللقاحات من نوع mRNA، لكن إدارة ترمب لم تعمل بتلك الوثيقة، والآن فإن البيت الأبيض تحت إدارة بايدن قد بعث بإشارات أنه ربما يعمل بتلك الوثيقة، لكن هل يملك البيت الأبيض الإرادة والاستطاعة لفعل ذلك؟، والواقع أن الشيطان يكمن في تفاصيل العقود التي تم التفاوض حولها بين السلطات الأمريكية وشركات الأدوية.

وما يمكن أن تفعله الإدارة الأمريكية هو إعطاء المزيد من حقوق استخدام ذات التقنية لشركات الأدوية، وذلك من أجل إنتاج الجيل القادم من اللقاحات الذي من المؤكّد أننا سنحتاجه قريبًا، وحتى الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح سوف يحتاجون جرعات من الجيل الجديد لتلك اللقاحات، تمامًا مثل جرعة مقاومة الأنفلونزا التي يجب أن يحصل عليها الشخص سنويًا.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن يتم تطوير مُعظم لقاحات جائحة كورونا في الدول الغربية، خاصة تلك اللقاحات التي تعتمد على التكنولوجيا الحيوية، وذلك لأن إنتاج هذا النوع من اللقاحات يعتمد على سلسلة من التقنيات تحرص الشركات الغربية على أن تنفرد بها، أو تعمل على إعطاء ترخيص إنتاج تلك اللقاحات لقاء مبالغ طائلة، وفي المقابل فإن قدرة الموارد البشرية في الشركات الغير غربية على استيعاب تلك الفكرة وإنتاج اللقاح باستخدام ذات التقنيات بات أمرًا شبه مستحيل، والواقع أن الأبحاث العلمية حول جائحة كورونا التي تُسبّب الإصابة بفيروس (كوفيد-19) تم إنتاجها في 111 دولة، والكثير من تلك الأبحاث تمت مشاركتها بسهولة، لكن وعلى الرغم من أن مصطلحي “العِلم” و”التكنولوجيا” مرتبطين ببعضهما البعض إلا أنهما ليسا مترادفين، و”التكنولوجيا” مُحاطة بالقوانين التي تنظّم عملها، واليوم فإن تطبيق تلك الجوانب القانونية من الممكن أن يتسّبب في الموت.

ومنذ بدأت التجارب لإنتاج اللقاحات بات الأمر بمثابة الشغل الشاغل للدول الغربية كل على حدة، وانخرطت الدول الأكثر ثراءًا بصورة غير لائقة في استعراض التعصب القومي فيما يخص اللقاحات، والولايات المتحدة تقترب من استلام 400 مليون جرعة من لقاحي فايزر-بيونتك و”مودرنا” بحلول نهاية مايو، على أن يصل الرقم الإجمالي إلى 600 مليون جرعة في نهاية يوليو، وهو ما يكفي لتوفير اللقاح ل300 مليون مواطن أمريكي، واليوم وكما أشارت العالِمة والمُفكّرة زينب توفيكجي فإنه حتى أواخر مارس كانت هناك 130 دولة لم تحصل على جرعة لقاح واحدة لمواطنيها.

لذا فقد بات لزامًا على منتجي الدواء في غير الدول الغربية؛ بخلاف الصين وروسيا تطوير وإنتاج المزيد من اللقاحات، لكن وبخلاف تقنيات تطوير اللقاحات هناك مجموعة من حقوق الملكية الفكرية التي تتخلل عملية الإنتاج، وتلك العملية تستلزم مزيد من الحرية لتمكين شركات الأدوية في الدول النامية من إنتاج المزيد من اللقاحات، بدلًا من انتظار قرار الدول الغربية بتمكين الدول النامية من الحصول على اللقاحات، وحتى الاتحاد الأوربي الذي يصف نفسه بأنه بطل العالم النامي بات يعمل ضمنيًا على إحياء فترة الاستعمار البغيضة.

وقد دأبت شركات الأدوية على الادعاء بأنها تقوم بعمل أبحاث مُكلّفة حول مجموعة من العقاقير، ومُعظم تلك الأبحاث تواجه الفشل، وحتى تلك الأبحاث الناجحة يجب أن تعمل على تغطية نفقات الأبحاث الفاشلة، وحجة القائمين على هذا النموذج من العمل قوية للغاية، وتلك الحالة يمكن أن تنطبق على الرقائق الإلكترونية على سبيل المثال، لكن هذا الأمر بعيد تمامًا عن الأخلاقيات حين يتعلّق الأمر بالدواء، والهاتف النقال لا يعُد بمثابة ضرورة وجودية بالنسبة للإنسان، ويمكن للمرء ن يصُر على حماية حقوق الملكية الفكرية فيما يخص الرقائق التي تدخل في عمل تلك الأجهزة دون أن يؤدي ذلك لموت إنسان، لكن إذا ما أصر المرء على الحصول على حقوق الملكية الفكرية وبحيث يؤدي ذلك لمنع حصول إنسان على لقاح ضد مرض فقدان المناعة المُكتسب (الإيدز)؛ فإن هذا الشخص يواجه الموت بكل تأكيد، إذا نظرنا من الجانب الأخلاقي فالأمر يختلف تمامًا.

لكن شركات الأدوية الغربية وعلى مدار عقود كانت قادرة على أن تخوض الجدل حول الحقوق الاقتصادية وأن تنتصر، وفي مواجهة أزمة وجودية تهدد العالم فقد بات لزامًا علينا أن نعالج الأمر من المنظور الأخلاقي وليس المنظور التجاري.

وكي نكون محقين فإن هناك بصيص أمل، فقد أصبح المعهد الهندي للأمصال أول الهيئات التي قامت بتوفير اللقاح لدولة جنوب أفريقيا، وقد تم إنتاج تلك الجرعات بعد الحصول على ترخيص من شركة استرازينيكا دون حصول الأخيرة على أرباح، أما لقاح سينوفارم الصيني فسوف يتم إنتاجه في الإمارات العربية المتحدة بالشراكة مع شركة G42 ومقرها أبو ظبي، تلك الترتيبات التي باتت بمثابة تجسيد لندرة الأعمال الخيرية الأخلاقية التي باتت تميّز غالبية شركات الأدوية الغربية.

والاقتصادات الناشئة تعمل على الإسراع بإيجاد الحلول الخاصة بها، أو على الأقل هي ترغب في ذلك، وهناك نماذج للتعاون بين دول النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ويعُد هذا التعاون بمثابة المدخل لإنتاج لقاحات جديدة وتوزيع تلك اللقاحات في الدول الاقل نموًا، والواقع أن عملية دعم التحالفات وتطوير وإنتاج لقاحات جديدة عبر مشاركة المعلومات والتكنولوجيا؛ يعُد الرهان الأفضل بالنسبة لنا خلال المرحلة القادمة من الحرب التي نخوضها ضد الجائحة، لكن هذا الأمر مشروط بتحرير قيود الملكية الفكرية أو على الأقل إعطاء تراخيص إنتاج اللقاحات بأثمان معقولة.

ويجب أن تدفعنا جائحة كورونا إلى تركيز الاهتمام على الضرورة الأخلاقية فيما يخص حقوق الملكية الفكرية، وإذا ما كانت هناك حاجة على مدار التاريخ لميثاق دولي حول أيًا من القضايا؛ فإن هذا الأمر يجب أن يتم برعاية الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية التابعة لها، وذلك من أجل مشاركة المعلومات الحيوية وإيجاد وسيلة لتوظيف تلك العملية لإنقاذ حياة البشر، وجائحة كورونا لن تكون الأخيرة.

 

يعيش جوزيف دانا بين جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، وهو يشغل منصب رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، التي تعُد بمثابة مختبر لاكتشاف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثير ذلك على المستوى الدولي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: