تم توجيه تهمة التجسس لمترجمة لبنانية – أمريكية تعمل مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في العراق، بدعوى قيامها بتمرير معلومات تتعلّق بمصادر الاستخبارات الأمريكية لشخص ينتمي لحزب الله، وتلك الواقعة إن ثبتت صحتها ستجعل من حزب الله ليس مجرد حزب لبناني محلي بل منظمة تتبع منهج العنف وتعمل على نطاق دولي.
وحزب الله يحب أن يصور نفسه على أنه حركة مقاومة محلية، وأنه بمثابة شاب صغير شجاع يدافع عن لبنان ضد الاعتداءات الإسرائيلية، لكن الحقيقة تنطوي على القليل من البطولة والكثير من الوحشية.
ولدى “حزب الله” تاريخ طويل من المؤامرات الإرهابية على مستوى العالم، وكانت بدايتها مع الهجوم الذي استهدف المركز اليهودي بمدينة بوينس أيرس في العام 1994، الذي أسفر عن مقتل 85 شخصًا وإصابة المئات، أعقبه تفجير “أبراج الخُبر”، والذي وقع في العام 1996 وتلك الأبراج تقع بمجمع سكني في المملكة العربية السعودية يستضيف عناصر من قوات التحالف التي كانت تراقب الحظر الجوي المفروض على الأراضي العراقية، وأسفر الحادث عن مقتل 19 من الجنود الأمريكيين واستشهاد مواطن سعودي الجنسية.
وفي العام 2009، ألقت السلطات المصرية القبض على 49 ناشطًا ينتمون لحزب الله كانوا يخططون للهجوم على أهداف إسرائيلية، وفي العام 2014 ألقت السلطات البيروفية القبض على مواطن لبناني لذات التهمة وُصِف بأنه عنصر نشط في حزب الله، وفي بلغاريا توصلت السلطات إلى أدلة “قوية” على أن حزب الله يقف وراء الهجوم الانتحاري الذي استهدف حافلة مكتظة بالسياح الإسرائيليين في العام 2012.
وكشفت الكويت في العام 2017 عن خلية إرهابية تابعة لحزب الله، كما كشفت عن خلية أخرى تابعة للحزب في العام 2019، وأدانت السلطات الإماراتية ستة لبنانيين بتهمة تأسيس خلية إرهابية على صلة بحزب الله، وفي ذات الوقت هناك مقاتلون من حزب الله يشتركون في المعارك بكل من سوريا واليمن والعراق.
هذا علاوة على إرهاب حزب الله الموجه إلى الداخل اللبناني، فقد وصف مجلس الأمن عملية مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري بأنها جريمة إرهابية، وتم توجيه الاتهام لخمسة من عناصر حزب الله باغتيال الحريري، والمثير للدهشة هو أن الحريري كان قد استغل نفوذه على المستويين الإقليمي والدولي لإقناع العالم بأن حزب الله ليس منظمة إرهابية، وإنما مجرد ميليشيا محلية لبنانية تقاتل الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، لكن الانسحاب الإسرائيلي الذي تم في العام 2000 نزع ورقة التوت التي كان حزب الله يتذرع بها على اعتبار أنه مجرد حركة “مقاومة محلية”.
وبالنسبة للشعب اللبناني، فإن حزب الله قد أثبت أنه مصدر البلاء، وعلى المستوى الداخلي فإن الشعارات الرنانة للحزب وتورطه في الحروب الإقليمية والمواجهات مع إسرائيل بين الحين والآخر، كانت مُنفّرة للمستثمرين الأجانب مما أدّى إلى انهيار الاقتصاد اللبناني وبسبب حزب الله تعثّر لبنان في سداد الديون للمرة الأولى مما أدّى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اللبناني الذي يمر بأزمة من الأساس.
والواقع أن تحويلات اللبنانيين بالخارج تعُد من ضمن أكبر التحويلات على مستوى العالم، كما أنها الداعم الرئيسي للاقتصاد اللبناني، وقد أدى استغلال حزب الله للجاليات اللبنانية في الخارج إلى انتشار الغضب في الدول المستضيفة لتلك الجاليات، وحالة التجسس التي تم اكتشافها في العراق جعلت جميع اللبنانيين موضع شك في نظر الولايات المتحدة، وبات الشخص اللبناني عُرضة للشك من وجهة نظر زميله الأمريكي.
والآن على الرغم من كل تلك المصاعب الاقتصادية فإن حزب الله مُصِرّ على المضي في ذات الطريق، ويقوم بالمكائد من أجل فصل البلاد عن الاقتصاد العالمي ودمج الاقتصاد اللبناني في المبادرة الإيرانية التي يُطلق عليها “اقتصاد المقاومة”.
وقد أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي العام 2017 باعتباره عامًا ل”اقتصاد المقاومة والإنتاج والتوظيف، وحسب وصف خامنئي فإن العام 2017 هو الذي أصبحت فيه إيران والحكومات الموالية لها بمثابة اتحاد اقتصادي يعمل بمعزل عن الاقتصاد العالمي، وتلك الفكرة ليست بجديدة، فقد حاول الاتحاد السوفيتي تنفيذها وكلنا نعلم ما انتهت إليه تلك التجربة – انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن حينها اهتز الاقتصاد الإيراني بدرجة لم تحدث منذ العام 1988، وتهاوت العملة الوطنية وباتت قطاعات كثيرة من الشعب تعيش تحت خط الفقر.
وخلال العام الحالي، دفع زعيم حزب الله حسن نصر الله بالاقتصاد اللبناني إلى ذات المسار الاقتصادي المحكوم عليه بالفشل، وسواء كان العالم يرى حزب الله كمنظمة إرهابية أو قام الحزب بإثارة المشكلات التي اثرت بالسلب على سُمعة المغتربين اللبنانيين، فمن الواضح أن حزب الله لا يهتم لتلك الأضرار التي تسبّب فيها، وطالما كانت لدى إيران خطة فإن نصر الله سيقوم بتنفيذها على الوجه الأكمل، وبغضّ النظر عما إذا كانت تلك الخطة ستفيد لبنان أو اللبنانيين.
أما المسؤولين اللبنانيين والذين يتمتع معظمهم بدعم وحماية حزب الله، فقد أصروا على أن الدولة باتت عاجزة عن التعامل مع الحزب وأن ميليشيا الحزب الموالية لإيران أصبحت بمثابة معضلة دولية لا يمكن لبيروت التعامل معها بمفردها، وفيما يخص تلك الجزئية الأخيرة فإن القادة اللبنانيين على حق.
وقد باتت لبنان دولة ضعيفة تستضيف جماعة تعمل على إثارة المتاعب داخل البلاد وخارجها.
ومنذ 20 عامًا قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان وهي دولة ضعيفة أخرى، وذلك لأنها كانت تستضيف تنظيم القاعدة على أراضيها، وقد تمثّل هدف الغزو في منع انتشار التطرف فضلًا عن إنقاذ أفغانستان من المتطرفين، وبينما تستعد الولايات المتحدة للرحيل من أفغانستان لا يمكن القول بأن الخطة الأمريكية قد نجحت، وباتت شؤون أفغانستان تسير بالكاد، وتحت أي ظرف، يلتمس العالم اختيار استراتيجية مختلفة ترمي إلى عزل المتطرفين والدول التي تأويهم.
والأمر المحزن هو أن لبنان الدولة المتطورة باتت على الطريق لتصبح مجرد أفغانستان أخرى.
حسين عبد الحسين هو مدير مكتب صحيفة “الراي” الكويتية اليومية في واشنطن، وهو زميل زائر سابقًا في معهد “تشاتام هاوس” لندن.