بينما يعاني مُعظم العالم الغربي من الاضطرابات الناتجة عن الاحتجاجات تحت عنوان “حياة ذوي البشرة السوداء مهمة”؛ يجب على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثمار تلك اللحظة لعلاج مشكلة العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء الذين يعيشون على أراضيها، فمن البصرة إلى بيروت ومن تونس إلى تل أبيب هناك ممارسات عنصرية ضد ذوي البشرة السوداء تتخذ أشكالًا متعددة على مستوى تلك المنطقة.
وقد باتت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام تتميز بانتشار العبودية، حيث يتم استعباد الأفارقة ذوي البشرة السوداء وبيعهم في أسواق العبيد بين منطقتي المحيط الهندي والخليج العربي، والحقيقة أن هناك بعض أجزاء من الخليج لم تشهد إلغاء العبودية إلا في سبعينات القرن الماضي، وهذا ما يفسر كيف أن الإهانات العنصرية التي يتعرض لها ذوي البشرة السوداء في تلك الدول تتجسّد في وصفهم ب”العبيد” أو “الخدم”.
وقد أدّت تلك العقلية العنصرية إلى انتشار التمييز المنهجي ضد ذوي البشرة السوداء على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعُد مدينة البصرة التي تقع جنوبي العراق موطنًا للغالبية من ذوي البشرة السوداء على مستوى البلاد والذين يصل عددهم إلى 1.2 مليون نسمة، وطالما كان العراقيين ذوي البشرة السوداء يعانون من العنصرية بصورة منتظمة، وهُم يعانون من صعوبة الحصول على المسكن والتعليم والرعاية الصحية، كما أنهم لا يحصلون إلا على الوظائف البسيطة.
وبينما تعاني مجتمعات ذوي البشرة السوداء في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إرث العبودية؛ فإن هناك آخرين يعانون من العبودية الحديثة أو يواجهون ظروفًا شبيهة. وتعُد موريتانيا آخر الدول التي لازالت تشهد العبودية حتى اليوم. فوفقًا لمؤشر العبودية العالمي لعام 2018، هناك حوالي 90 ألف موريتاني من ذوي البشرة السوداء أو ما يوازي 2.4% من تعداد السكان يقعون ضحية لمنظومة تعُد شكلًا من أشكال العبودية الحديثة، وهُم قد ورثوا العبودية من أسلافهم وورثوها إلى أطفالهم. ألغيت العبودية منذ عام 1981، لكنها لم تُعتبر جريمة إلا في عام 2007، ولم يكن هذا إلا استجابة للضغوط الدولية، وذلك بعد الفشل المتعاقب للحكومات في القضاء على تلك الآفة.
وهناك مجتمعات مشابهة لذوي البشرة السوداء تعيش على هامش المجتمع في اليمن يطلقون على أنفسهم اسم (المُهمّشين)، بينما يشار إلى يمنيون آخرون باسم (الخدم) في إهانة واضحة لهم، والكثير من ذوي البشرة السوداء يلجأون إلى التسول للبقاء على قيد الحياة، والأكيد هو أن تلك الجماعات تتحمّل العبء الأكبر فيما يخص الحرب الأهلية اليمنية المستمرة.
وبينما هناك دول مثل موريتانيا واليمن تكافح تلك الممارسات التي تعود لمئات السنين؛ فقد لطخت العبودية سمعة دول أخرى خلال العصر الحديث، وطالما استخدم الأفارقة ذوي البشرة السوداء السواحل الليبية الطويلة على البحر المتوسط كقاعدة انطلاق للوصول إلى الشواطئ الأوربية، وتم استعباد الكثير من هؤلاء المهاجرين وتعذيبهم على يد الميليشيات الليبية، ثم بيعهم بعد ذلك في أسواق مفتوحة.
كما أن الثقافة الشائعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تساعد على نشر العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء، ومنها نشر رسوم الكاريكاتير للمواطنين ذوي البشرة السوداء من أجل السخرية، وذلك من أجل محو هؤلاء من الثقافة الوطنية، وهناك وسائل إعلام محلية في دول مثل تونس تصف مواطنيها بأنهم من أصحاب البشرة الفاتحة، وربما نشعر بالصدمة حين نعلم أن ذوي البشرة السوداء يشكلون 15% من تعداد تونس.
وإيران لديها نسبة كبيرة من ذوي البشرة السوداء تتركز في المنطقة الساحلية جنوبي البلاد ممن لهم إسهامات ضخمة في ثقافة تلك المنطقة – سواء من ناحية ثقافة الأطعمة والقيم الروحية أو من ناحية موسيقى بندرية الفريدة من نوعها، إلا أن الثقافة الشائعة في إيران تدفعنا للاعتقاد بأن جميع مواطني البلاد هم من الفُرس ذوي البشرة الفاتحة. وهذا ينبع من فكرة العرق الآري التي تميز الهوية الإيرانية. وتعد مسألة توصيف الأشخاص ذوي البشرة السوداء أسيرة للأفكار النمطية أو المواطنين ذوي البشرة السوداء ذوي الوجوه الشاحبة، ويتم إدماج الماكياج المزيف داخل رسوم الكاريكاتير الخاصة بالأشخاص ذوي البشرة السوداء، والواقع أن المسارح الإيرانية قديمًا اشتهرت بتقديم نوع من الأداء الكوميدي يسمى سيا بازي، وهو مصطلح يعني “تقمص دور ذوي البشرة السوداء”.
وفي العالم العربي وتحديدًا خلال الحقبة الأخيرة؛ تعرضت العديد من شبكات التليفزيون العربية للنقد بسبب التوصيف العنصري لذوي البشرة السوداء، وذلك عبر حلقات الكاميرا الخفية التي تهدف إلى السخرية منهم.
ومنذ حوالي عام تقريبًا؛ اندلعت احتجاجات في مدن إسرائيلية تنادي بتوقف الشرطة عن تعذيب ذوي البشرة السوداء والتمييز العنصري فيما يخص الحصول على السكن والرعاية الصحية والتعليم، وجاء أحد الأمثلة المروعة للعنصرية ضد ذوي البشرة السوداء في إسرائيل في عام 2016؛ وذلك حين اعترفت الحكومة بمنح النساء الأثيوبيات – الإسرائيليات موانع للحمل على المدى الطويل دون الحصول على موافقتهن، حتى أن معدل مواليد المواطنين انخفض إلى النصف على مدار السنوات العشر الماضية.
وربما تتمثل أحد أهم أشكال العنصرية المؤسسية الفاضحة التي يشهدها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نظام الكفالة، وهو النظام المعمول به لتوظيف العمال المهاجرين في لبنان وبعض مناطق الخليج، وهو ما وُصِف بأحد اشكال العبودية الحديثة، ونظام الكفالة الذي لا يخضع لقوانين العمل في لبنان؛ يمنح أصحاب الأعمال السيطرة الكاملة فيما يخص الإقامة القانونية لمن يعملون “لديهم”، ومن حين إلى آخر تظهر بين العمال المهاجرين قصص مروعة خاصة بنظام الكفالة أغلبها من الأفارقة، حيث يعملون ساعات طويلة دون مقابل، كما يتعرضون للتعذيب والتحرش الجنسي حتى أنهم لا يسلمون من القتل، والقليل منهم يجد ملاذًا في القانون لأجل مساعدته، إن وجد، وكذا فإن العنصرية تتواجد في قطاع السياحة والضيافة في لبنان وأجزاء من منطقة الخليج، حيث يشتكي السياح الأفارقة والقادمون من جنوب آسيا من أنه ممنوع عليهم دخول بعض الحانات والأندية الحديثة.
ولو كان هناك أي دافع للتغيير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فغالبًا سيأتي عبر المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال، كانت الاحتجاجات اللبنانية الأخيرة ضد الطبقة السياسية الفاسدة في طليعتها شباب البلاد، وشملت مطالب تلك الاحتجاجات إلغاء نظام الكفالة. وفي عام 2018 أصبحت تونس أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم بإقرار قانون واسع النطاق لمكافحة العنصرية.
لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب أن يتم، وتحتاج دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإعادة التفكير في مفهوم القومية، وإعادة تعريف مصطلح المواطنة، وإعادة التفاوض حول مسألة العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، ولو أن هناك أي بصيص من أمل لأجل القضاء على العنصرية وبقايا العبودية في المنطقة؛ فقد بات تحقيق هذا الأمل بمثابة أمرًا ضروريًا، وربما تصبح حركة “حياة ذوي البشرة السوداء مهمة” بمثابة العامل المحرك في هذا الإطار.
يعمل دنيانيش كامات كمحلل سياسي، وهو متخصص في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما يقدم استشارات للحكومات حول السياسات والمبادرات الاستراتيجية، وتطوير الصناعات الإبداعية مثل الإعلام والترفيه والثقافة.