تمنح خطة “السلام لأجل الازدهار”، والتي أطلقها “دونالد ترامب”، الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا على أكثر من 15 في المائة من الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاستعمار الاسرائيلي. وتكون خطة السلام منحازة للإسرائيليين ومجحفة بحق الفلسطينيين إذا اعتقد الفلسطينيون أن الأرض هي آخر مرحلة نحو حياة أفضل وليست مجرد وسيلة لها.

وعندما اقتتل الفلسطينيون والصهاينة لأول مرة حول الأرض قبل قرن من الزمان، شكلت الأرض العمود الفقري لاقتصادهم القائم على الزراعة. ومنذ ذلك الحين، جعلت العولمة في الزراعة ميزة للبلدان التي تضم مساحات شاسعة من الأراضي، ولديها وفرة في المياه والتكنولوجيا، وهو ما جعل الزراعة المحلية في أي مكان آخر غير تنافسية، حتى للاستهلاك المحلي.

وبالمثل، عززت العولمة الصناعة الثقيلة العالمية في عدد قليل من البلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مما سمح لها بالمشاركة فيما يسمي ب” اقتصادات الحجم”.

بل إن الاقتصاد الزراعي والصناعي الرائد في إسرائيل قد تحول إلى اقتصاد “المعرفة”، وهو اقتصاد يعتمد على رأس المال البشري والتكنولوجيا بدلاً من الأرض أو التعداد السكاني أو الموارد الطبيعية. إن دافع إسرائيل للسيطرة قدر الإمكان على أرض فلسطين الواقعة تحت الاستعمار يعد ترفاً أكثر منه ضرورة، وهو ما يمكن للإسرائيليين – مع وجود اقتصاد تنافسي عالمي – تحمله مقارنة بالفلسطينيين.

وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الأخبار الجيدة هي أنه يمكنهم العيش في رخاء بدون جميع الأراضي التي قد يعتقدون أنهم بحاجة إليها أو يريدونها. فكل ما يحتاجونه الفلسطينيون هو الحكم الرشيد، وحرية التنقل بين دول العالم، بل وداخل دولتهم، ورأس المال الذي – إلى جانب مواردهم البشرية الوفيرة – يمكن أن يزيد اقتصادهم قوة، ويحسن حياتهم بشكل ملحوظ.

إن مثل هذا الوعد الاقتصادي ليس وعداً للمواساة، ولكنه نموذج أظهر نجاحًا كبيراً في بلدان أخرى، سواء كانت اقتصادات النمور الآسيوية مثل سنغافورة وهونج كونج، أو بلاد أقرب إلى فلسطين، مثل الإمارات العربية في دبي وأبو ظبي.

وبينما تخلو رؤية ترامب من التفاصيل، يتضح من الخريطة الواردة في الخطة أن الفلسطينيين سيسيطرون على المنطقة “أ” والمنطقة “ب”، كما حددتها اتفاقيات أوسلو. ويبلغ مجموع هاتين المنطقتين 2،256 كيلومتر مربع، أو 40٪ من مساحة الضفة الغربية البالغة 5,640 كيلومتر مربع. وتضم هذه الأرض 2.8 مليون نسمة، أي 97 بالمائة من سكان الضفة الغربية. وهناك نزاع على المساحة الباقية في الضفة الغربية، والمعروفة بالمنطقة (ج)، وربما تبدوا- داخل أي مستوطنة- وكأنها شبكة من الطرق السريعة المتقاطعة والأنفاق التي ستجعل الدولة الفلسطينية المقترحة متلاصقة. وستحصل الدولة الفلسطينية أيضًا على قطاع غزة الصغير والمكتظ بالسكان، وتبلغ مساحة القطاع “369” كيلومترًا مربعًا، ويستضيف 1.6 مليون فلسطيني. وستضم الدولة الفلسطينية أيضًا 350،000 من العرب الموجودين بالقدس، بالإضافة إلى الأحياء التي يعيش فيها هؤلاء المقدسيون في الأجزاء الشمالية الشرقية من مدينة القدس. ووفقًا لتصور خطة ترامب، ستغطي الدولة الفلسطينية على الأرجح مساحة إجمالية تبلغ حوالي 3000 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين.

إذًا، ما وجه المقارنة بين الدولة الفلسطينية الممكنة مستقبلاً وبين النمور الآسيوية؟ فمن حيث المساحة، ستبلغ فلسطين خمسة أضعاف مساحة سنغافورة، وثلاثة أضعاف مساحة هونغ كونغ. ومن حيث عدد السكان، يبلغ عدد سكان سنغافورة 5.6 مليون نسمة، وهونغ كونغ 7.4 مليون نسمة.

وبينما سنغافورة وهونغ كونغ أصغر حجما من دولة فلسطين المستقبلية، وأكثر ازدحاما منها، فإن ناتجهما المحلي الإجمالي يبلغ 340 مليار دولار أمريكي لسنغافورة و350 مليار دولار أمريكي لهونغ كونغ، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الضئيل للأراضي الفلسطينية، بقيمة لا تتجاوز 15 مليار دولار أمريكي. بل إن الأمر الأكثر فجعة، هو أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سنغافورة وهونغ كونغ والأراضي الفلسطينية، في عام 2017، كان “58,000” دولار أمريكي، و”46,000″ دولار أمريكي، و”3,100″ دولار أمريكي، على التوالي.

وحتى تكون خطة السلام أكثر جاذبية، وعد ترامب، في رؤيته للسلام، الفلسطينيين بمبلغ 50 مليار دولار أمريكي. وعلى الرغم من أن العرض يبدو سخيا، إلا أنه لن يكون كافياً لتغطية تكلفة البنية التحتية اللازمة لجعل الدولة الفلسطينية الموعودة متلاصقة، أو لإنعاش الاقتصاد من خلال الاستثمارات في المنتجعات السياحية، والبنية التحتية عالية التقنية، وغيرها من النفقات اللازمة.

إن أي خطة للسلام يجب أن تكون شاملة. ربما لو أبدى الفلسطينيون رغبتهم في القبول بدولة صغيرة تتمتع بالحكم الذاتي، لكنها غنية وذات حكم جيد، فسيقدم لهم حكومات العالم الدعم المالي اللازم.

وربما يجب أن يدرك الفلسطينيون الآن أن الأرض ليست أكثر أهمية من حياة من يعيش عليها. وربما يجب أن يفهموا أن المشكلة ليست فيمن يدير الأرض، ولكن في كيفية إدارة هذه الأرض. فإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية: أي إذا كانت السيادة على مساحة كبيرة من الأراضي هي مفتاح الرخاء، فينبغي أن يكون لبنان دولة غنية، ولكنها دولة مفلسة.

والفلسطينيون ليسوا بعيدين عن فوائد الحكم الرشيد. فخلال فترة ولايته القصيرة والناجحة من عام 2007 إلى عام 2013، قدم رئيس الوزراء سلام فياض إلى الفلسطينيين ما لم تستطع أجيال من القادة الذين “صنعوا التاريخ” تقديمه: إنه الوعد بإنشاء اقتصاد فعَال. إن تكرار تجربة فياض، على نطاق أوسع وبدعم دولي أكبر، قد يكون الهدف الذي يسعي إليه الفلسطينيون ولكنها بعيدة المنال.

يعمل “حسين عبد الحسين مديرًا مكتب صحيفة الراي الكويتية اليومية بواشنطن، وزميل زائر سابق بالمعهد الملكي في لندن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: