بعد مرور عشرة أشهر من ظهور فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة من النوع 2، وما تبعه من تسجيل “42” مليون حالة إصابة مؤكدة بالفيروس، ومليون حالة وفاة، حان الوقت للتساؤل عن سبب تفوق بعض الدول دون غيرها في معركتها ضد فيروس كورونا.
وظهر اسم دولة الإمارات العربية المُتحدة بين الدول التي تفوقت في هذه المعركة. وستُجرى دراسة دقيقة لسجل دولة الإمارات المُتعلق بالتعامل مع فيروس كورونا على يد مجموعة من الباحثين الساعين لإعداد العالم للتعامل بشكل أفضل مع الهجوم الميكروبي القادم لا محالة.
وكانت الولايات المُتحدة الأمريكية من بين الدول التي خسرت معركتها ضد فيروس كورونا بشكل غير متوقع، حيث سجلت حتى الآن أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا في العالم والذي بلغ 8.5 مليون حالة أو 20٪ من إجمالي عدد الإصابات حول العالم. كما أن حصيلة الوفيات بها والتي تجاوزت “226000” حالة وفاة هي الأكبر في العالم. لا يتناسب أي من الرقمين مع حجم سكانها البالغ “330” مليون نسمة. أما الهند، فعلى الرغم من أنها سجلت عدد إصابات قريب من العدد الذي سجلته الولايات المُتحدة الأمريكية، إلا أن عدد سُكانها يبلغ أربعة أضعاف سكان الولايات المُتحدة الأمريكية بينما بلغت حصيلة الوفيات بها “115000” حالة وفاة، وهو نصف حصيلة الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبنفس القدر، كان هناك تناقض صارخ بين تأثير الجائحة في الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتأثيرها في الخليج. ففي الدول الغربية، أدى ذلك المزيج القاتل المتمثل في المصلحة الذاتية السياسية والتردد في اتخاذ القرار إلى تباطؤ الاستجابة للجائحة، والفشل في احتوائها في الوقت المناسب. أما دول مجلس التعاون الخليجي، فلم تكن مُثقلة بأنظمة سياسية غير عملية، ومن ثمَّ تمكنت حكوماتها من الاستجابة للجائحة بسرعة أكبر- وكانت الإمارات العربية المتحدة أكثرهم سرعة.
وفي 27 يناير/كانون الثاني، سجلت الإمارات العربية المتحدة أول إصابة بفيروس كورونا. قبل أن يرتفع عدد الحالات بشكل مطرد، ليبلغ ذروته عند 994 حالة إصابة في 23 مايو/أيار، ثم لم يلبث أن انخفض المعدل اليومي للإصابة إلى أدنى مستوى له عند 164 إصابة مع بداية أغسطس/آب. ومنذ ذلك الحين، استمر معدل الإصابات اليومية في الارتفاع المطرد والبطيء، ليبلغ أعلى مستوى له على الإطلاق وهو “1,538” إصابة في 18 أكتوبر/تشرين الأول. وبحلول 20 أكتوبر/تشرين الأول، بلغ إجمالي الإصابات في الإمارات “117594” حالة، وعدد الوفيات “470” حالة.
ويعود الارتفاع في عدد الحالات اليومية إلى سببين – وهما زيادة نسبة الفحص والتي كشفت حتماً عن المزيد من الإصابات، وإعادة الانفتاح التدريجي للاقتصاد، وهو الأمر الذي أدى حتماً إلى بعض الزيادة في انتقال العدوى. ولكن الأمر الأكثر أهمية، هو أن الزيادة في عدد الإصابات لم يقابلها نفس الزيادة في الوفيات.
ورغم ذلك، فقد يُؤدي اقتصار النظر على إجمالي عدد حالات الإصابة والوفاة إلى وجود انطباع غير واقعي عن مدى نجاح الدولة في تعاملها مع الجائحة. فوفقًا لهذا المقياس، ومع وجود “117,594” حالة إصابة بحلول 20 أكتوبر/تشرين الأول، احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الأربعين “40” من حيث الدول الأكثر تضررًا من الجائحة في العالم. وفي ضوء مقياس معدل الوفيات، احتلت دولة الإمارات المركز الثمانين مسجلة “470” حالة وفاة.
يعني تقييم مدى فاعلية تعامل الدولة مع الجائحة بالنظر إلى عدد حالات الإصابة والوفيات والإحصاءات الأخرى لكل فرد من السكان. ومع تسجيل دولة الإمارات “11846” إصابة بالفيروس لكل مليون نسمة، أصبحت الدولة في المرتبة “41” عالميًا، وهذا أفضل بكثير من أربعة من جيرانها الخمسة في مجلس التعاون الخليجي – بما في ذلك قطر (ثاني أسوأ دولة على مستوى العالم، بعدد إصابات “46280” لكل مليون). ووفقًا لهذا المقياس، فلم يتفوق على الإمارات سوى المملكة العربية السعودية، التي جاءت في المرتبة “55”، بـ “9806” إصابة لكل مليون، مُحققة بذلك تفوقًا طفيفًا على الإمارات العربية المتحدة.
ويجب أيضًا النظر إلى عدد الوفيات في أي بلد بالنسبة لحجم سكانه. ففي 20 أكتوبر/تشرين الأول، بلغ إجمالي الوفيات في دولة الإمارات العربية المتحدة “470” حالة وفاة، بمعدل “47” حالة وفاة لكل مليون فرد من السكان – وهو معدل أقل بكثير من المتوسط العالمي والبالغ 145 حالة وفاة. وبهذا المقياس، تفوقت دولة الإمارات في تعاملها مع الجائحة على 105 دولة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وجميع الدول الأوروبية الكبرى، فضلاً عن شركائها الخمسة في مجلس التعاون الخليجي.
هناك أداة أخرى مفيدة لتقييم كفاءة استجابة أي دولة للجائحة، وهي معدل إماتة الحال بالغة الأهمية (CFR). ويمثل هذا المعدل النسبة بين عدد الحالات المؤكدة والوفيات. فإذا كان معدل إماتة الحالات في بلد ما هو “1%”، فسيموت واحد من كل 100 مريض.
وكما هو متوقع، شهدت جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست ارتفاعًا مفاجئًا في معدل الوفيات خلال شهري مارس وأبريل. ولكن ابتداءً من 12 مايو وحتى الآن، انخفض معدل إماتة الحالات في دولة الإمارات بشكل مطرد، مسجلاً أدنى نسبة له عند “0.4%”، في حين أن الدول الخمس الأخرى تشهد الآن بوادر على ارتفاع معدل إماتة الحالات مرة أخرى.
لا يعني ذلك أي انتقاد لأداء دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى – بل إن المعدل الحالي لإماتة الحالات في المملكة العربية السعودية والبالغ “1,5%” أفضل كثيرًا مقارنة بالمتوسط العالمي والبالغ “2,8%”، وأفضل من مجموعة مُعينة من الدول، والتي تشمل ذلك المملكة المتحدة (بمعدل إماتة حالات “5,9%”) وفرنسا (بمعدل إماتة حالات “3,7%”) والولايات المتحدة الأمريكية (بمعدل إماتة حالات “2,7%”).
ومع ذلك، يُشير هذا المعدل إلى أنه إضافة إلى سرعة تصرف دولة الإمارات العربية المتحدة للحد من انتشار فيروس كورونا داخل حدودها، قد تفوقت باستمرار ليس فقط على جيرانها ولكن أيضًا على كثير من دول العالم في الحد من الآثار المُدمرة المُترتبة على المرض.
ولكن، كيف استطاعت تحقيق ذلك؟ يكمن جزء من الإجابة في نظام الرعاية الصحية المتطور بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يذخر بالعيادات والمستشفيات ذات المستوى العالمي والمدعومة بنظام تأمين يضمن للمرضى الحصول على أفضل الخبرات والمعدات المتاحة. ورغم هذا، كان من المُمكن ألا يُحقق أي من ذلك نتيجة تُذكر لو لم تتعامل دولة الإمارات العربية المتحدة بسرعة وذكاء منذ البداية للحد من تأثير الجائحة.
في فبراير/شباط، أجرت منظمة الصحة العالمية تقييمًا لجميع الدول البالغ عددها 18 دولة، فيما يتعلق بخطط العمل الوطنية لمواجهة للجائحة، وسجلت دولة واحدة فقط أكبر عدد ممكن من النقاط – وهي دولة الإمارات العربية المتحدة. تجلى مدى استعداد دولة الإمارات للتعامل مع تلك الجائحة من خلال كل خطوة تتخذها في الوقت المناسب عل مدار الجائحة. بدءًا من الفرض المُبكر لضوابط السفر وصولاً إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل، الأمر الذي وضع الإمارات العربية المتحدة في مركز الصدارة.
وأثبتت تجربة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكثير من دول أوروبا الأخرى، عندما يتعلق الأمر بمواجهة تهديد غير مسبوق على نطاق جائحة فيروس كورونا، أن الدول التي تُركز طبقتها السياسية على الانتخابات القادمة أكثر من الصالح العام – حتى في خضم أزمة عالمية كالتي تمر بها البلاد- من شأنها أن تشكل خطرًا على صحة شعبها.
جوناثان جورنال، صحفي بريطاني، عمل في وقت سابق لدى صحيفة “التايمز”، وقضى فترة من حياته في منطقة الشرق الأوسط وعمل بها، ويعيش الآن في المملكة المتحدة.