يعتقد الأصوليون المسيحيون أن ظهور الفرسان الأربعة، الذي تنبأ به سفر الرؤيا في الكتاب المقدس، يبشر بقدوم يوم القيامة، وهو يوم الحساب عند الأديان الإبراهيمية، بما في ذلك الإسلام.
وبالطبع سيتم إنقاذ المؤمنون يوم القيامة، ولكن إذا حدثت كارثة الاحتباس الحراري التي تلوح في الأفق والتي تهدد جميع أشكال الحياة على كوكب الأرض اليوم كما هو متوقعً، فلن يسلم أحد.
وعلامات الكارثة الوشيكة مثل ارتفاع درجات الحرارة، وحرائق الغابات المستعرة، والفيضانات، وتلف المحاصيل، والجوع، على الرغم من كونها سيئة بما يكفي في حد ذاتها، إلا أنها أقل تأثرًا في الكتاب المقدس من ظهور الخيالين الخارقين الأربعة الذين يسيرون بخيولهم الابيض والأحمر والأسود والشاحب اللون.
ومع ذلك، سيكون من الحكمة النظر إلى العواصف الترابية التي غالبًا ما تغطي مناطق شاسعة من الشرق الأوسط باعتبارها نذيرًا لكارثة وشيكة، تمامًا كما يشير الغبار المتصاعد فوق تل في هوليوود الغربية إلى وصول وشيك لقطاع الطرق والذين يجلبوا معهم القتل والفوضى.
وقد تعرضت أجزاء من العراق وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط منذ بداية شهر أبريل لسلسلة من العواصف التي حولت السماء إلى اللون البرتقالي المشؤوم، وأغلقت المدارس والمطارات، وأرسلت الآلاف إلى المستشفيات وهم يجاهدون لالتقاط انفاسهم باحثين عن المساعدة والأكسجين.
وبالطبع، فأن الغبار والعواصف الرملية ليست بالشيء الجديد في المنطقة، لكن ما يثير القلق هو أنها تأتي في وقت مبكر في هذا العام، فهي غالبا ما تقع في أواخر فصلي الربيع والصيف، كما أنها صارت أكثر تواترًا وانتشارًا مما كانت عليه في الماضي.
وأفاد مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا في 16 مايو أنه منذ بداية شهر أبريل، تعرضت العراق وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط لثماني عواصف ترابية شديدة في ستة أسابيع فقط، وتحولت السماء فوق بغداد والنجف والسليمانية ومدن أخرى إلى اللون البرتقالي حيث انخفضت الرؤية إلى بضع مئات من الأمتار، وتم إغلاق المطارات والمدارس والمكاتب الحكومية في سبع محافظات من أصل 18 محافظة في العراق، وأعلن العديد من المحافظين حالات الطوارئ.
وبنفس الطريقة التي يكون من السهل للغاية تجاهل المظاهر الأخرى لتغير المناخ باعتبارها انحرافات عجيبة تقع لمرة واحدة، ويمكن تفسير الوصول المبكر للعواصف الترابية على أنها “استثناءات تثبت القاعدة”، ولكن مثل تلك “الاستثناءات” كما هو الحال مع الفيضانات غير الموسمية وحرائق الغابات والظواهر الأخرى المتعلقة بالطقس التي تصيب أجزاء مختلفة من العالم، يجب أن يُنظر إليها بدلاً من ذلك على أنها أحداث مترابطة، ومحصلتها هي رسالة الطبيعة لتحذيرنا من أن الكوكب يقترب بسرعة من نقطة الانهيار.
والغبار أو العواصف الرملية في العراق، والتي ضربت أيضًا المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى هذا العام، كانت ناجمة عن رياح مثل رياح “الشمال”، التي تهب من الشمال الغربي وتحمل الغبار والحطام من حوض دجلة والفرات، ومن مناطق بعيدة مثل الأردن وسوريا.
وتتولد هذه الرياح من مجموعة من الظروف المناخية، والتي تنشأ في البحر الأبيض المتوسط ، وجبال زاغروس الإيرانية، وأنظمة الضغط المنخفض للرياح الموسمية الصيفية التي تتولد في الهند وباكستان وأفغانستان، ومن درجات الحرارة السطحية الأكثر دفئًا أو برودة بشكل غير عادي في المحيط الهادئ، والمعروفة باسم النينو ولا نينا.
ويساهم النشاط البشري في تلك الظاهرة على كافة الأصعدة، من الجفاف في العراق، إلى الزراعة الزائدة للأراضي التي تخلق المزيد من الغبار، والدليل المقلق على أن “لا نينا” وهو نظام الطقس المؤثر على نطاق واسع في المحيط الهادئ الاستوائي، يتهيأ للاستمرار للعام الثالث، وهو حدث نادر لم نشهده منذ عام 1950.
ومن بين الحقائق القاسة التي يمكن العثور عليها في أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (أي بي سي سي) هو حقيقة أنه على الرغم من كل الحديث في جميع مؤتمرات الأمم المتحدة الستة والعشرين المعنية بالمناخ منذ مؤتمر قمة المناخ، في عام 1995، إلا إن حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يتسبب فيها الإنسان قد ارتفع بشكل مطرد وهائل.
وضخ العالم 38 جيجا طن من انبعاثات معادلة لثاني أكسيد الكربون في عام 1990، وفي عام 2019 كان الرقم 59 جيجا طنًا، وانبثقت 27 بالمائة منها من أسوأ منطقة تلوثًا في العالم وهي شرق آسيا. وبينما انخفض سعر مصادر الطاقة المتجددة بشكل حاد منذ عام 2000، إلا إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لم تواكب الطلب العالمي، ففي عام 2020 شكلت الخلايا الكهروضوئية 3 في المائة فقط من توليد الكهرباء في العالم، والرياح البرية 6 في المائة، والرياح البحرية أقل من 1 في المائة.
أما بالنسبة للثورة التي تم الترويج لها في قطاع السيارات الكهربائية، فإنها تظل منتجًا متخصصًا، والتي كانت في عام 2020 لا تزال تمثل أقل من 1 في المئة من أسطول المركبات العالمي.
وحتى إذا التزمت جميع البلدان بتعهداتها حول خفض الانبعاثات والتي قدمتها في مؤتمر قمة المناخ 26 في العام الماضي، حيث يخبرنا التاريخ أن فرصة حدوث ذلك الالتزام هي فرصة ضئيلة للغاية، وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تستمر الانبعاثات في الارتفاع، وسنفشل في منع أسوأ آثار الاحتباس الحراري.
ومن السهل طمأنة أنفسنا بأننا نقوم بواجبنا على الصعيد الفردي والجماعي، حيث نقوم بإطفاء الأنوار كلما أمكن ذلك، ونعيد تدوير النفايات، ونحافظ على المياه المنزلية، ونفكر في شراء سيارة كهربائية، وعلى المستوى العالمي، تجتمع دول العالم مرة واحدة في السنة في المؤتمر السنوي لتغير المناخ، ويومئ مندوبيها بالموافقة على الدعوات للعمل “الآن أو أبدًا” ويتعهدون بالحد من انبعاثات الاحتباس الحراري.
لكن لا ينبغي لنا أن نطمئن، حيث يشير التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى إننا نقوم بالقليل للغاية، وفي وقت متأخر جداً، أن الفرسان الذي ينذرون بنهاية العالم على الجانب الآخر من التل، وهم يقتربون بسرعة.
جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني، كان يعمل سابقًا مع التايمز، وقد عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.