تبدأ حاليًا الثغرات في استراتيجية العلاقات العامة الإسرائيلية في الظهور. استغرق الأمر عقودًا من الحكومة الإسرائيلية لإقناع الحكومات الداعمة في الغرب، وعلى الأخص الولايات المتحدة، بأن إسرائيل دولة ديمقراطية مكتملة العناصر. وكانت العقبة الواضحة أمام ذلك هي الحقيقة التي لا مفر منها بأن إسرائيل تفرض سيطرتها على ملايين الفلسطينيين. وفي مواجهة انعدام المساواة الصارخ هذا، تمكنت إسرائيل مع ذلك من تسويق نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن موضوع النقاش الأساسي هذا الذي يتناوله مؤيدو إسرائيل في جميع أنحاء العالم مُعرَّض للخطر حاليًا.

فالحكومة الإسرائيلية المنتخبة حديثًا، التي تُعَد النظام اليميني الأكثر صراحةً في تاريخ الدولة، تدفع باقتراح من شأنه أن يلغي على نحو فعّال سلطة المحكمة العليا. وبأغلبية بسيطة، يمكن للبرلمان الإسرائيلي أن يتحكم في المحكمة العليا ويضع قوانين غير خاضعة للرقابة بشأن كل شيء، بدءًا من حرية التعبير وحتى حقوق التصويت. ويتضمن القانون المُقترَح، الذي اجتاز أول ثلاث قراءات له في البرلمان، بندًا يقضي بأن القوانين التي يُقِّرها البرلمان غير قابلة للمراجعة من جانب نظام المحاكم الإسرائيلي. ووفقًا لأستاذة القانون الإسرائيلي جيلا ستوبلر، فإن البلد “على وشك مواجهة أعمق وأخطر أزمة دستورية — بل ووجودية — في تاريخ إسرائيل”.

كما أشرنا فيما سبق، إسرائيل ليست ديمقراطية مكتملة العناصر لأنها تحرم ملايين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها من حقوقهم على جانبي الخط الأخضر. ومن ثم، فإن حالة الانفعال الشديد المحيط بهذه الإصلاحات القضائية تتعلق بتأثيرها على المواطنين اليهود في البلد الذين يتمتعون بحقوق ديمقراطية كاملة. وحتى لو لم يُصدَّق على هذه الإصلاحات، فستبقى إسرائيل ديمقراطية غير مكتملة تُمنَح فيها الحقوق على أساس العِرق والدين. أما إذا أقرت إسرائيل هذا الإصلاح القضائي، فإن هذا لن يؤدي سوى إلى إلغاء تطبيق العملية الديمقراطية على مجموعة مختارة من مواطنيها.

وقد جادل كثيرًا السياسيون الذين يقودون هذا الإصلاح التاريخي بأن المحكمة العليا هيئة سياسية تمامًا تتخفى وراء ستار الشرعية القضائية. وعلى مدار الوقت، كانت المحكمة العليا إحدى الهيئات الحكومية القليلة التي وقفت في وجه بعض صور الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هذا لا يعني أن المحكمة العليا متحيزة ضد الاحتلال، ولكنها حكمت لصالح الفلسطينيين في قضايا مثل جدار الفصل العنصري وعمليات الاستيلاء الأخرى على الأراضي. ولعل الأهم من ذلك فيما يخص الإصلاحات القضائية هو أن المحكمة عوضت أيضًا عن الفساد المتجذر والمستشري في المؤسسة السياسية الإسرائيلية. وليس من المفاجئ أن بنيامين نتنياهو، الذي يواجه حاليًا ادعاءات فساد خطيرة أمام القضاء، هو رئيس الوزراء الذي يشرف على هذا التغيير المهم.

هذا وقد أثارت الأزمة القضائية العديد من المناشدات المحمومة من مؤيدي إسرائيل المتحمسين وأشعلت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلد. وكان قطاع الأعمال الإسرائيلي، لا سيما في مجال التكنولوجيا المتقدمة التي يُشاد بها، من بين أكثر الجهات المنتقدة بقوة للإصلاح القضائي. فقال العديد من الرؤساء التنفيذيين المؤثرين في مجال التكنولوجيا بعبارات لا لبس فيها إنهم سيعملون على نقل أعمالهم إلى خارج إسرائيل إذا تمَّ إقرار الإصلاحات. ولكننا لم نر بعد ما إذا كانت هذه التهديدات ستُنفَذ أم لا. وقد انخفض الشيكل الإسرائيلي بأكثر من 6 في المائة خلال الشهر الماضي، وهو الآن في أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ ثلاث سنوات.

استخدم مؤيدو إسرائيل المتحمسون، مثل مايكل بلومبرج والصحفي في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، منصاتهم للتحذير من أنه إذا تحوِّلت هذه الإصلاحات إلى قانون، فإنها ستطيح بجهودهم لتأييد إسرائيل في الولايات المتحدة. ولعلهم يستبقون الأحداث. وإذا تم إقرار الإصلاحات، فسيتعين تغيير استراتيجية العلاقات العامة الإسرائيلية. ونحن نرى بالفعل دليلًا على حدوث ذلك؛ فبالفعل قامت جماعات مثل المجلس الإسرائيلي الأمريكي بطرح موضوعات نقاش جديدة تقلل من الإصلاحات وتشير إلى أن أي انتقاد لنتنياهو معادٍ للسامية. ورغم أن موضوعات النقاش هذه منفصلة عن الواقع، فمن الضروري التركيز على كيفية استغلال إسرائيل حاليًا لتحول اهتمام وسائل الإعلام إلى الإصلاحات للمضي قدمًا في أهدافها طويلة الأجل.

في الأسبوع الماضي، أظهر هجوم المستوطنين المروع على قرية حوارة الفلسطينية إلى أي مدى ستعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية على تشجيع عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين والسماح بحدوثه. قبل يومين من الهجوم على حوارة، مُنِح وزير المالية الجديد، بتسلئيل سموتريتش، سلطة كاملة على العديد من جوانب الحياة في الضفة الغربية، بما في ذلك التخطيط الحضري والبناء والبنية التحتية. وكان هذا لافتًا للنظر لأن نقل سلطة الأراضي الواقعة تحت الاحتلال العسكري إلى وزير مدني هو شكل من أشكال الضم الرسمي لهذه الأراضي. وبعد تسليم السلطة، كتب المحامي الإسرائيلي البارز في مجال حقوق الإنسان ميخائيل سفارد على تويتر أن “الحكومة الإسرائيلية اتخذت اليوم إجراءً يتضمن ضم الضفة الغربية بحكم القانون”.

ومع ذلك، فإن هذه التطورات لم يغفل عنها الإعلام الإسرائيلي على الرغم من تركيز التغطية الإعلامية على الإصلاحات القضائية ومناشدات الصحفيين من أمثال فريدمان بأن العالم يجب أن ينقذ روح إسرائيل.

أيَّا كانت نتيجة الإصلاحات، قد يكون للنقاش تأثير إيجابي طويل المدى. فقد بدأ نقاش جديد حول زيف الديمقراطية الإسرائيلية عبر عقود من العلاقات العامة الإسرائيلية. ويجب أن تحدث مثل هذه المحادثات لو صار المجتمع الدولي جادًا بشأن حقيقة النظام الإسرائيلي. فلا يمكن أن تكون هناك أية صفقات سلام حقيقية بين إسرائيل والفلسطينيين إذا كانت الطبيعة الحقيقية للحكومة الإسرائيلية تتخفى وراء ستار وهمي. هذا لا يعني أنه سيكون هناك أي تغيير في عملية السلام بسبب الإصلاح القضائي، بل على العكس تمامًا. لكن على الأقل ثمة فرصة ضئيلة بإجراء نقاش أكثر صدقًا حول إسرائيل ووجهات نظرها حول الديمقراطية.

 

جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط. وقد عمل صحفيًا في القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبوظبي، كما شغل منصب رئيس تحرير إميرج 85، وهو مشروع إعلامي في أبوظبي يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: