لقد فعل الكوميدي الهندي فير داس مؤخرا في عرضه “أنا قادم من دولتين هنديتين مختلفتين” ما يفترض أن يفعله الكوميدي الساخر، وهو إغضاب البعض، وتسلية البعض الآخر، وفي نهاية العرض في مدينة واشنطن هذا الشهر، وقف فير داس على خشبة المسرح ليقدم عرض قصير، مدته ست دقائق سلط الضوء فيه على التناقضات الموجودة في الهند من قضايا العنف الجنسي، وفيروس كورونا، والسياسة، والدين.

وأثارت مقاطع الفيديو الخاصة بالعرض المسرحي “منولوج” رد فعل غير عادي، حيث كان هناك احتجاج على ما كان يُنظر إليه على أنه سلسلة من الإهانات موجهة للهند، ولكن كان هناك أيضًا دعم للطريقة التي قام بها الممثل الكوميدي بتسليط الضوء على عيوب المجتمع الذي ينتمي إليه، وفي موطنه الأم، تم تقديم شكاوى ضده إلى الشرطة، وتم منعه حتى من تقديم العروض في ولاية ماديا براديش.

ويجب لتلك الضجة حول ما وصفه داس فيما بعد بـ “رسالة حب إلى بلدي” أن تثير الجدل أيضاً حول أهمية الكوميديا الساخرة في حياة الشعوب. لكن داس وأعماله الساخرة ​​لا تخلو من المشاكل، ويجب أن يشمل النقاش أيضًا تدقيق أعمال الكوميديين الساخرين أنفسهم.

وتكمن فائدة الكوميديا الساخرة، رغم انطوائها على عنصر السخرية اللاذعة والهجاء، في مقدرتها على طرد عنصر الخوف من نفوس الناس، وهو العنصر الذي تسعى الأنظمة الاستبدادية والسلاطين والطغاة إلى غرسه لإخضاع شعوبهم. وقد قام نشطاء في العراق وسوريا، ممن عاشوا في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، بإنشاء سلسلة من الرسوم المتحركة على غرار “مسلسل الأب الأكبر” التي سخرت من زعيم الجماعة المتطرفة آنذاك أبو بكر البغدادي، وكان الهدف إظهار داعش في صورة ” مجموعة من الحمقى”.

والفُكاهة، إذا استخدمت بطريقة ذكية، تستفز المتلقي للرد بطريقة تزيد من فقدانه على سيطرته على نفسه، ولنتذكر محاولة دونالد ترامب حث وزارة العدل الأميركية على التحقيق في برنامج “ستردي نايت لايف”، وهو مسلسل كوميدي طويل الأمد على قناة إن بي سي، حول “جريمة” السخرية منه؟

وعندما سعت الأنظمة إلى القضاء على الرموز السياسية المعارضة، وجد الناس طرقاً بارعة لإظهار مدى سخافة ذلك المسعى، ففي عام 1967، بعد وقت قصير من الحرب العربية الإسرائيلية، حظرت إسرائيل عرض الرموز الفلسطينية، بما في ذلك علمها الأحمر والأبيض والأسود والأخضر، ويقال إن الفلسطينيين حملوا البطيخ الذي يحمل نفس الألوان لتجاهل تلك القواعد.

إن الأنظمة الاستبدادية الحساسة، التي يقودها الرجال في كل الأحوال تقريبا، تتمتع بقدر خاص من اللباقة في التعامل مع النساء اللاتي يشاركن في الأعمال الكوميدية، ففي عام 2015 ، قام أحد أعضاء مجلس الوزراء الحكومي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإطلاق حملة ضد النساء اللاتي يضحكن في العلن، قائلا إن ذلك ينشر الرذيلة، وكان هذا سبباً في إثارة ردود فعل عكسية محرجة (للحكومة) إلى حد ما على قنوات التواصل الاجتماعي، حيث نشرت النساء أشرطة فيديو لأنفسهن مع الوسم kahkahaha # اضحك باللغة التركية.

وفي السودان، أعلن معارضو نظام عمر البشير الاستبدادي في عام 2012 أن أيام الاحتجاج هي أيام “لعق الكوع”، وكان ذلك إشارة إلى رد البشير للمحتجين بأنهم في سعيهم لإزاحته من السلطة، كانوا يحاولون شيئًا مستحيلًا، مثل لعق الكوع. (وبالتأكيد أن البشير لديه الوقت الكافي لمحاولة لعق كوعه، نظرًا لأنه في السجن لأكثر من عام).

ويفتح الساخرون السياسيون الباب أمام المواطنين العاديين لإيجاد منفذ للتنفيس عن مخاوفهم بشأن الظلم في المجتمع، وغالبًا ما تكون المعارضة السياسية ملوثة بسبب كونها جزءًا من “نظام” سياسي فاقد للمصداقية، ويصبح من السهل التعامل مع الكوميديا الساخرة، وعلى عكس التعليقات السياسية أو الخطب الرنانة، تعتبر الكوميديا الساخرة مشوقة وذات نمط حديث.

وأعلنت حركة طالبان هذا الأسبوع عن إرشادات جديدة للمحتوى الإعلامي للقنوات التلفزيونية في أفغانستان، وليس من المستغرب أن القواعد تشدد على البرامج الكوميدية، حيث تسعى الأنظمة الأوتوقراطية المعادية للمرأة مثل طالبان إلى إقصاء الكوميديا الساخرة من الثقافة الشعبية بحجة الحفاظ على أخلاق المجتمع، لأن الكوميديا ​​تسلط الضوء باستمرار على ما هو مقبول في المجتمع وما هو غير مقبول. ومن خلال الأخذ والرد المستمر بين ما يُعتبر مناسبًا أو غير مناسب يمكن للمجتمعات أن ترى عيوبها وتتطور. وعكس ذلك الأخذ والرد العرض الكوميدي الأخير للممثل الكوميدي الأمريكي ديف تشابيل على قناة نتفلكس، والذي أثار جدلاً عامًا محتدمًا حول ما إذا كان من المقبول أن تثير نكات الممثل الكوميدي العراك بين مجتمعين مهمشين (في هذه الحالة، مجتمع أصحاب البشرة السمراء ومجتمع الميم).

وتلك النقاشات والمناظرات مهمة، لا سيما عندما يحدث تداخل ما بين هوية الكوميدي الساخر مع من هو في مرمى نكاته وتعليقاته الساخرة. وفير داس رجل من مناطق حضرية وهندوسي وينتمي للطبقة العليا في المجتمع ويتحدث الإنجليزية ومغاير جنسياً. وهوياته المختلفة تضعه في قمة الترتيب الاجتماعي والاقتصادي في بلاده، وحقيقة أنه وصل إلى هذا المستوى، ليصبح قادرًا على التحدث إلى الجمهور في مركز كينيدي في العاصمة الأمريكية، هو رمز لمشكلة لم يتطرق لها أبدًا أو لم يركز عليها خلال عرضه المسرحي، فلم يتحدث داس ولو لمرة واحدة أثناء عرضه عن نظام الطبقات الاجتماعية الهندية، والذي هو أساس للامتيازات التي يتمتع بها، وهو نفس النظام الذي سمح له ببناء حياته المهنية على حساب السخرية من الطبقات المضطهدة وإطلاق النكات المعادية للمتحولين جنسياً. ويغذي نجاح داس الظلم الذي يهاجمه في عرضه المسرحي، والكوميديون “الأقل حظاً منه” في الهند، والذين لا يحملون أي من امتيازاته، سُجنوا لمجرد الاشتباه في كونهم لا يظهرون قدرا كافيا من الاحترام، ففي شهر يناير، سُجن منور فاروقي، الممثل الكوميدي المسلم القادم من منطقة فقيرة، لمدة 35 يومًا بسبب بعض النكات، وقد اعترفت الشرطة لاحقًا بأنه ليس صاحب تلك النكات. ومن غير المحتمل أن يواجه داس نفس الصعاب، بل على العكس من ذلك، ربما يكون الغضب المحيط بداس مفيدًا للعفو عنه في نيودلهي. ومن المرجح أن تغذي روح الدعابة النخبوية غير المتاحة للجميع لدى داس الصراع الطبقي الذي تمكن الحزب الحاكم من تسخيره لمصلحته بمهارة لتعزيز مشروعه القائم على حكم الأكثرية.

وكما كتب جورج أورويل، “كل نكتة هي ثورة صغيرة.” لكن الثورة ستفشل إذا كان رواة تلك النكات هم أنفسهم جزءًا من المشكلة، عندئذٍ سنكون نحن هدف تلك النكات.

 

دانيش كامات محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما أنه مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للهيئات الحكومية والقطاع الخاص.

 

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: