منذ قدوم فلاديمير بوتين إلى السُلطة في عام 1999؛ فقدت روسيا تدريجيًا نفوذها في الدول المجاورة مثل أوكرانيا وجورجيا، وفي بعض الدول البعيدة مثل كوبا. وحاليًا، تُحاول روسيا استعادة نفوذها الدولي من خلال وجودها في السودان، ومن ثمَّ يُمكنها إقحام نفسها في القضايا الأمنية بمزيدٍ من الثبات –وصولاً إلى تدخُلِها في قضايا الطاقة– في شمال شرق أفريقيا والشرق الأوسط وما ورائهما.

ورغم أن موعد الانتهاء من تلك القاعدة لم يتضح بعد، إلا أنها سيكون بمقدورها إرساء أربع سفن حربية في نفس الوقت، بما في ذلك السُفن التي تعمل بالطاقة النووية. كما أن الاتفاق مع السودان سيمنح روسيا الحق في استخدام المجال الجوي السوداني. ستقع تلك المنشأة، التي ستكون قادرة على استيعاب ما يصل إلى 300 شخص من الأفراد العسكريين والمدنيين، بالقُرب من المركز التجاري السوداني الرئيسي في بورتسودان، والذي يستقر بدوره على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر.

ومن المتوقع أن يسمح وجود قاعدة في السودان بزيادة نفوذ موسكو في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وقد يتسع نطاق استخدامها بشدة ليشمل دعم العمليات ضد قراصنة البحر قِبالة سواحل الصومال، وإتاحة الوصول إلى المحيط الهندي، ودعم السفن الروسية في البحر الأسود والأساطيل الموجودة في المحيط الهادئ.

بمجرد اكتمال تلك القاعدة؛ يُصبح من المُمكن تسليم الشحنات العسكرية إلى السودان وباقي الدول الأفريقية عبر البحر وليس عبر الجو فقط. وعلى مدار العقدين الماضيين كانت السودان ثاني أكبر دولة أفريقية تشتري الأسلحة الروسية؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسودان 510 مليون دولار خلال عام 2018.

وعلى الرغم من كل ما سبق، لم يتضح بشكل كامل بعد سبب رغبة الكرملين في مثل هذا الوجود الكبير في السودان؛ فالحسابات التي تقف خلف هذا الأمر معقدة للغاية، وتشمل الحرب في منطقة دونباس بأوكرانيا والحرب الأهلية السورية؛ حيث تقدّم القوات الروسية الدعم بقوة للرئيس بشار الأسد. وعلى النقيض من الوضع في سوريا، فإن روسيا غير متورطة رسميًا في حرب الدونباس، لكن في حالة تصاعُد الموقف هناك، سيميل الكرملين إلى تقديم الدعم بشكل مباشر إلى القوات الموالية لروسيا في المنطقة، وفي تلك الحالة من المرجح أن يفرض الغرب عقوبات على الاتحاد الروسي، مما يعني أن موسكو قد تواجه صعوبة في إمداد قواتها الموجودة في سوريا، ومن المُمكن أن يُخفِّف الوجود الروسي في السودان من القلق بشأن ذلك.

وفيما بعد، سَتُفسِح تلك القاعدة المجال أمام روسيا لتوسيع نِطاق نفوذها العسكري والسياسي في شرق أفريقيا ووسطها. وخلافًا للاتحاد السوفيتي السابق، فإن النفوذ الروسي في تلك المنطقة يعُد محدودًا. ويُقدم الكرملين حاليًا لبعض الدول الأفريقية «مجموعة من التدابير الأمنية» التي تشمل برامج تدريبية للقوات المسلحة المحلية وإبرام عقود في مجال الدفاع، فضلًا عن المشروعات المُشتركة في المجالين الاقتصادي والتنقيب عن الطاقة. ومنذ عام 2016 تُفاوض موسكو لإتاحة لسُفنها حرية الدخول إلى موانئ بعض الدول مثل السودان وإريتريا ومصر وليبيا وموزمبيق. وستُعزز القاعدة البحرية في السودان، والتي وُصِفَت رسميًا بأنها مُنشأة لتوفير الدعم المادي والفني، من الوجود الروسي في المِنطقة، مما يجعل موسكو أحد الأطراف الفعَّالة بها مُجَدَّدًا.

هناك أيضًا اعتقاد بأن تلك القاعدة ستساعد موسكو على وضع بعض التدابير للسيطرة على النفط الذي يتدفق عبر منطقة شمال شرق أفريقيا. من وجهة نظر موسكو، يعُد ذلك سببًا قويًا للغاية لتأسيس تلك القاعدة، ولكنه ينطوي أيضًا على مزيد من المُشكلات في المنطقة التي يجب على موسكو أن يكون لها دور فعَّال بها لتحقيق أهدافها طويلة المدى.

تقع مُعظم حقول النفط في تلك المنطقة بجنوب السودان، ولكن صادرات النفط تعتمد بالكامل تقريبًا على جمهورية السودان، وإذا كانت روسيا تهدف إلى السيطرة على تدفق النفط بتلك المنطقة، فإنها بحاجة إلى امتلاك المحطة النهائية للنِفط –ذات الأهمية الاستراتيجية- في بورتسودان.

وقد اتخذت الحكومة الانتقالية في السودان، خلال شهر إبريل، بعض الخطوات لتسليم إدارة مينائها البحري الرئيسي لشركة من الإمارات، ومع ذلك، لم تتم الصفقة بعد. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه عقب الإطاحة بعمر البشير في عام 2019، أعلنت كل من الإمارات والسعودية عن حزمة معونات للسودان بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتحقيق الاستقرار في البلاد. لذلك، يتعين على موسكو أن تجد طريقة لتفادي أي مواجهة مُباشرة مع مصالح دول الخليج العربي في السودان.

تمتلك روسيا حاليًا 6 قواعد عسكرية أجنبية، تقع 5 منها في الجمهوريات المجاورة التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي السابق، وتوجد القاعدة السادسة على الأراضي السورية. ورغم أن القاعدة البحرية الروسية اللوجستية في السودان ستكون أصغر بكثير من تلك الموجودة في ميناء طرطوس السوري، ولكن هناك اعتقاد سائد بأن تلك القاعدة في السودان ما هي إلَّا أولى خطوات موسكو في طريق عودتها إلى أفريقيا. وقد يسعى الكرملين في نهاية المطاف إلى تأمين وجود دائم في المحيط الهندي، بعد أن فقد هذا الوجود خلال الأعوام التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.

لذا فإن السودان مجرد تمهيد للكشف عن الطموحات الروسية الجديدة بالمنطقة في المجالات الاستراتيجية والطاقة.

نيكولا ميكوفيتش؛ محلل سياسي يقيم في صربيا، ويُركز عمله غالبًا على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع التركيز بشكل خاص على مجال الطاقة و«السياسات المُتعلقة بخطوط أنابيب النفط».

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: