ها أنت تسوق في دبي على طول الطريق السريع “E11” بسيارتك ذاتية القيادة بالكامل، بينما تشارك في إحدى الاجتماعات على منصة زووم، أو تلعب “جراند ثفت أوتو 5″على هاتفك الذكي، أو ببساطة تنام على مقعد الراكب، وفجأة يوقظك صوت ارتطام مزعج.

لقد خذلتك التكنولوجيا الرائعة التي وثقت فيها، ووضعت بين يديها حياتك وحياة الآخرين، والتي لم تستطع اكتشاف أحد المشاة الجهلة وهو يخاطر بحياته لاجتياز الشارع، في محاولة غير حكيمة منه للاندفاع عبر شارع بعرض 12 ممر.

وتتمتع السيارة بالذكاء الكافي على الأقل لتستشعر حدوث شيء ما، حيث سترسل تقريرًا عن الحادث وصور بالكاميرا وموقعها إلى الشرطة، ثم تُشعل أضواء الخطر وتتوقف بأمان على جانب الطريق انتظارًا لوصول خدمات الطوارئ.

ويستمر سير المركبات ذاتية القيادة في ساعة الذروة، باستخدام ذكاء السرب للحفاظ على حركة المرور بالسرعة المثلى، وبالكاد يتباطأ سير السيارات أثناء مناورتها وحركتها بكل مرونة حول جسد الضحية.

وإذا حدث مثل هذا الحادث لسائق يقود سيارة عادية اليوم، في دبي أو في أي مكان آخر في العالم تقريبًا، فسيواجه عواقب وخيمة.

ولكن واحدة من أحدث النقاط المحورية على الطريق المتسارع نحو فتح الباب على مصراعيه للمركبات ذاتية القيادة، هي التزكية التي قدمتها دراسة حول الثغرات القانونية المحتملة من قبل الحكومة البريطانية والتي تنص على إعطاء مستخدمي السيارات ذاتية القيادة حصانة من الملاحقة القضائية لأي شيء قد يحدث، من تجاهل الإشارة الحمراء إلى القيادة الخطرة التي تؤدي إلى الوفاة.

ووفقاً لتلك الدراسة، يقع اللوم على كاهل الشركة المصنعة لنظام قيادة السيارة، كما تقترح الدراسة، ألا تتجاوز مسؤولية السائق التأكد من أن السيارة مؤمنة بشكل صحيح وأن الركاب يرتدون أحزمة الأمان.

وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة البريطانية ستتبنى تلك التوصيات أو كم عدد الدول الأخرى التي ستحذو حذوها. ولكن مع اقتراب تحول فكرة السيارات ذاتية القيادة إلى واقع مُعاش، فإن الحكومات تجاهد للتعامل مع التداعيات القانونية التي ستتمخض عن ذلك الواقع.

وفي نهاية المطاف، سيتبنى العالم بأسره إطارا قانونيًا موحدًا للتعامل مع التساؤلات شبه الفلسفية التي تطرحها المركبات ذاتية القيادة، لأنه لا يوجد خيار آخر، فلا يمكن لمصنعي السيارات إنشاء أنظمة تقنية معقدة وإطار قانوني لتلبية المتطلبات المختلفة لعشرات من المناطق القضائية لدول متعددة.

وبينما يضغط المصنعون على المشرعين لإظهار المزيد من المرونة واللين، تسود الحيرة والارتباك، بدءًا من التعريف المعتمد على نطاق واسع للأتمتة، والذي استحضرته جمعية مهندسي السيارات الدولية.

وبناءً عليه، يوجد حاليًا خمسة مستويات من الأتمتة، ففي المركبات المصنفة على أنها مستويات من 0 إلى 2، يُنظر إلى المستخدمين على أنهم يقودون سياراتهم، حتى وإن كانت أيديهم بعيدة عن عجلة القيادة وأقدامهم بعيدة عن الدواسات، على الرغم من أن أنظمة دعم السائق الذكية تتراوح من إيقاف السيارة التلقائي في حالة الطوارئ، وتحذيرات ترك المسار، إلى توسيط السيارة في قلب الحارة، والتحكم التكيفي في ثبات السرعة.

ولكن، في السيارات من المستويات 3 إلى 5، لا يُعتبر المستخدمين للسيارات على أنهم سائقين، حتى لو كانوا جالسين خلف عجلة القيادة.

والمركبات من المستوى 5 فقط قادرة على قيادة نفسها في كافة الظروف، وعلى الرغم من وجود صخب وضجيج حول نظام “الطيار الآلي” من تسلا، لم يتم اعتماد مثل هذه السيارات للاستخدام على الطرق في أي مكان في العالم، حتى الآن.

ولا تزال التكنولوجيا بعيدة عن مرحلة الكمال، ففي الولايات المتحدة، فتحت الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة تحقيقًا في نظام الطيار الآلي بعد تحديد 11 حادثًا منذ عام 2018، حيث اصطدمت سيارة تسلا بالمركبات الأخرى في مناطق كان يعمل فيها المستجيبون الأولون.

ومؤخراً في ولاية كاليفورنيا، أصبح سائق سيارة تسلا الذي اجتازت سيارته الإشارة الحمراء أثناء القيادة الآلية، واصطدمت بسيارة أخرى مما أسفر عن مقتل شخصين، هو أول شخص يستخدم نظام قيادة آلي ويُتهم بالقتل الخطأ.

ولن يقولونها علانية، ولكن للمهندسين الذين يطورون السيارات ذاتية القيادة، والمستثمرين الذين يدعمون تلك المساعي، فمثل هذه الوفيات هي وفيات محزنة، ولكنها تضحيات لا مفر منها لضمان التقدم والتطور.

وكما تدعي جمعية مصنعي السيارات والتجار، ففي المملكة المتحدة وحدها “يمكن لأنظمة القيادة الآلية أن تمنع 47000 حادثا خطيرا من الوقوع، وتنقذ حياة 3900 شخص خلال العقد المقبل”.

وهذا يبدو رائعًا، لكن ما تصفه الجمعية هو تقنية متقنة تمامًا تم فيها إصلاح جميع الأخطاء، وهي حقيقة لا تزال بعيدة المنال.

والابتكار هو محرك النمو الاقتصادي، ونحن جميعًا نستفيد من الصناعات الجديدة. ولكن من سألنا عما إذا كنا نريد ركوب سيارات ذاتية القيادة، بغض النظر عن حقيقة أن الكثير من الناس، وخاصة في دول الخليج، يحبون القيادة، وكم عدد سائقي السيارات الذين سيشعرون بالاطمئنان حقًا وهم يبعدون أعينهم عن الطريق وأيديهم عن عجلة القيادة، ومن ثم وضع أعناقهم بين يدي إحدى برامج الحاسوب الإلكتروني؟

وفي الوقت نفسه، تتسابق العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، على هذا المضمار والذي يحتاج إلى الكثير من التجارب والدراسات، حيث أعلنت دبي، على سبيل المثال، أن نسبة 25 في المئة من وسائل النقل على طرقها ستكون مستقله ذاتيًا بحلول عام 2030.

وهناك قضية أخلاقية أخرى مرتبطة بهذا الاندفاع الكبير لاحتضان السيارات ذاتية القيادة، وهي قضية يتجاهلها كل مستثمر في قطاع تكنولوجيا السيارات الذكية.

فماذا سيحدث لوظائف عشرات الآلاف من السائقين الوافدين لدول الخليج والقادمين من دول مثل الهند وباكستان، ولعائلاتهم في أوطانهم التي تعتمد على تحويلاتهم المالية؟

فلا تملك التكنولوجيا ضميرا اجتماعيا، لكن هذا ليس حال البشر.

قد تجد نفسك محصنًا من الملاحقة القضائية إذا قامت مركبتك ذاتية القيادة بقتل أحد المشاة، ولكن في الاندفاع نحو تبني تقنية – لنكن صادقين، ليست جاهزة ولا مطلوبة – سنكون مذنبين بالتواطؤ في كارثة اجتماعية أكبر بكثير، وهي كارثة لم يتم حتى الآن دراسة تداعياتها بشكل صحيح.

 

جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني، كان يعمل سابقًا مع جريدة التايمز، وقد عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: