أكد اكتشاف متحور جديد لفيروس كورونا والذي قد يكون قادرا على الانتقال بسرعة في الأسبوع الماضي في دولة جنوب أفريقيا، الحاجة إلى التعاون العالمي لمكافحة الوباء، ولا يزال العلماء يسعون لتحديد أخطار المتحور الجديد “أوميكرون”، ولكن هذا لم يوقف الكثير في العالم من عزل جنوب أفريقيا من خلال إغلاق الحدود والحظر الجوي، ويشابه هذا الفعل استخدام الضمادات لوقف النزيف.
وما دام الحصول على اللقاحات غير منصف ولا تتلقى مناطق كثيرة من العالم المساعدة الكافية اللازمة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، فإن المتغيرات والطفرات الجديدة ستظل تعصف بالمجتمع الدولي، وبدلا من عزل دول الجنوب الإفريقي، ينبغي لبقية دول العالم أن تستخدم حادث ظهور متحور “أوميكرون” كحافز لإيجاد سبل جديدة وبناءة للعمل معا في هذه المعركة الطويلة الأمد ضد فيروس كورونا.
وليس من قبيل المصادفة ظهور متغير جديد في جنوب إفريقيا، فمع معاناة الملايين من الناس المصابين بنقص المناعة بسبب فيروسات أخرى مثل فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز، تُعتبر جنوب فريقيا بيئة مثالية لظهور متحورات جديدة، ولكن هذا ليس شيئا جديدا، والمثير للإعجاب هو السرعة التي استطاع بها علماء جنوب أفريقيا تحديد المتغير الجديد، وتنبيه المجتمع الدولي، والبدء في العمل على تحليل المتغير. وبفضل اليقظة التي تتمتع بها جنوب أفريقيا تجاه فيروس كورونا، وقطاعها العلمي الذي يتمتع بخبرة طويلة، أصبح المجتمع الدولي في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في الأيام الأولى من ظهور المتحورات مثل متحور الدلتا.
وفي غضون ساعات من صدور الإعلان، فرضت المملكة المتحدة حظرا على السفر إلى جنوب أفريقيا ومناطق أخرى، بينما تعيش جنوب أفريقيا ذروة موسمها السياحي، القائم على السياح البريطانيين والأوروبيين. واعتُبر حظر السفر خطوة مقيتة وأنه عقوبة لكثير من سكان جنوب أفريقيا، وحتى صحيفة نيويورك تايمز أشارت إلى أن جنوب أفريقيا “وضعت نظمها المتطورة لمراقبة الأمراض وإجراء البحوث عليها موضع التنفيذ، وشاطرت بقية بلدان العالم تلك النتائج على جناح السرعة، وكان رد الجميل نظير ذلك المستوى العالي من الشفافية هو حظر السفر إليها، والذي من شأنه الحاق الضرر بقطاعها السياحي.
ويعود سبب الانزعاج من حظر السفر، جزئيا، إلى حقيقة أن الدول الغربية لم تفعل ما يكفي لحماية بقية دول العالم من فيروس كورونا، وقد رفض صانعو اللقاحات الدعوات إلى فتح مجال تصنيع اللقاحات في بلدان الأسواق الناشئة مثل جنوب أفريقيا، لتسريع معدلات التطعيم، ولم يتم تطعيم سوى أقل من 7 في المئة من سكان القارة الأفريقية.
وتناول رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوسا” مساء الأحد مسألة عدم المساواة في توزيع اللقاحات، حيث قال: “لقد قلنا إن التفاوت والاختلاف في توزيع اللقاحات لا يزهق الأرواح ويقضي على مصدر العيش في البلدان المحرومة من اللقاح فحسب، بل إنه يهدد أيضا الجهود العالمية للتغلب على الوباء” كما قال: “ينبغي أن يكون ظهور متغير أوميكرون بمثابة تنبيه للعالم بأنه لا يمكن السماح باستمرار التوزيع غير المنصف للقاحات، وإلى أن يتم تطعيم الجميع، سيبقى الجميع في خطر “.
ومن الواضح أن هذه ليست مشكلة جديدة، فمنذ وصول اللقاحات إلى الأسواق، كانت هناك دعوات متكررة لفتح باب التصنيع في جميع أنحاء العالم لتحسين فرص الوصول إلى تلك اللقاحات. ولكن صانعي اللقاحات ومؤيديهم رفضوا ذلك العرض. وفي شهر أبريل، أكد بيل قيتس معارضته لتوسيع صناعة اللقاحات لتشمل الدول النامية لأنه رأى أن معظم البلدان لا تملك القدرة التقنية اللازمة لصناعة اللقاحات المتخصصة، ويبدو أن المسألة الرئيسية هي مسألة مالية، لأن نقل التكنولوجيا اللازمة للبدء في التشغيل في بلدان مثل جنوب أفريقيا سيخفض نسبة الأرباح. وهذا يتغير ببطء، حيث أعلنت شركات مثل فايزر عن شراكات تصنيعية محدودة حول العالم، ولكن لايزال الهدف بعيد المنال، وفي أحد الأمثلة لهذا العام، كان يتم تصدير اللقاحات التي تنتجها شركة جونسون وجونسون في جنوب أفريقيا إلى الدول الأوروبية بغرض التخزين كاحتياط.
والحد من ظهور المتغيرات الجديدة والتعامل مع وباء كورونا ليس معقدا من الناحية التقنية، لأننا نعرف ما هي الخطوات اللازم اتبعاها، حيث ينبغي زيادة جهود التطعيم في الدول النامية بشكل كبير، وأفضل طريقة للمساعدة في هذا المسعى هي توسيع نطاق تصنيع اللقاحات لتشمل المزيد من البلدان، وإذا كانت البلدان الغربية وشركات الأدوية غير راغبة في اتخاذ تلك الخطوات، فإن المتحورات الجديدة مثل أوميكرون سوف تستمر في الظهور وتعرقل الجهود العالمية لاحتواء الفيروس.
وباكتشافها السريع لمتحور أوميكرون، أثبتت جنوب أفريقيا أنها شريك حيوي في مكافحة وباء كورونا، وبدلا من عزل جنوب أفريقيا بصورة غير حكيمة ومتعجلة، ينبغي للمجتمع الدولي توظيف هذا الحدث لإشراك جنوب أفريقيا بشكل أفضل وإنشاء قاعدة جديدة لصناعة اللقاحات لأفريقيا في نفس البلد. ولا يمكن لأي بلد أو مجموعة من البلدان التصدي لهذا الوباء بمفردها، ولا يمكن أيضاً للحظر من السفر أن يمنع الفيروس في نهاية المطاف من الانتشار إلى جميع أنحاء العالم. ويتعين علينا، أكثر من أي وقت مضى، تبني روح التعاون لضمان القضاء على هذا الوباء.
جوزيف دانا هو كبير محرري مجلة إسبورتيست فيو، وهي جريدة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، وعمل في السابق رئيس تحرير مجلة إمرجينق (85)، وهو مركز يستكشف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثيرها العالمي.