أعلن أنتوني بلينكن المرشح لمنصب وزير الخارجية في إدارة جو بايدن أن الولايات المتحدة ستقوم بمراجعة قرار اعتبار ميليشيا الحوثي اليمنية منظمة إرهابية أجنبية، وقال بلينكن خلال الجلسة التي جمعته بأعضاء مجلس الشيوخ من أجل التصديق على تعيينه وزيرًا للخارجية؛ إن “قرار إعلان الحوثي جماعة إرهابية سيؤدي إلى وضع العراقيل أمام الجهود الإنسانية في اليمن، كما سيؤدي إلى إعاقة محادثات إنهاء الحرب”، لكن إذا ما أقدمت واشنطن على رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية؛ فإنها ستضفي طابعًا سياسيًا على تلك العملية التي كانت – ولازالت حتى الآن – تتسم بأنها مسألة قانونية وتقنية يقوم عليها أشخاص بيروقراطيين بوزارات الخارجية والدفاع والعدل والخزانة، وإذا ما قام بلينكن بإضفاء الطابع السياسي على مسألة إعلان الحوثي جماعة إرهابية فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار الثقة الدولية في تلك العملية.

وخلال الخطاب الذي ألقاه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ؛ قام بلينكن الذي يتميز بالحديث العذب بتصوير نفسه على أنه “صوت المنطق”؛ وأنه سيقوم بالعمل ضد سياسة صنع القرار على مدار الأعوام الأربعة السابقة والتي تميّزت باتخاذ القرارات شاء من شاء وأبى من أبى، وحجة بلينكن أن تلك الأعوام الأربعة كانت لها كلفة تكبّدتها أمريكا بخسارة أصدقائها على المستوى الدولي، والأهم أنها كلّفت أمريكا مصداقيتها أيضًا.

وتلك المصداقية على أي حال لم تكن تعتمد على لغة دبلوماسية منمقة، بل كانت تعتمد على الثبات عوضًا عن ذلك، وسيكون على إدارة الرئيس جو بايدن أن تثبت للعالم أن سياستها الخارجية محكومة بقواعد مُنظِمة، وعلى مدار عقود حتى الآن كانت أمريكا تكافح من أجل التوفيق بين المحورين الأساسيين لسياستها الخارجية: المصالح الأمريكية والقيم الأمريكية، وفي بعض الأوقات كانت المصالح والقيم الأمريكية في حالة توافق، تمامًا كما حدث في حالة إخراج القوات العراقية بقيادة صدام حسين من الكويت.

وفيما يخص مواجهة الإرهاب؛ كان من السهل أيضًا على أمريكا التوفيق بين مصالحها وقيمها، وكان من مصلحة أمريكا والنظام العالمي الحفاظ على سيادة الدول والقضاء على العنف الذي تقف وراءه القوى الغير حكومية، والقضاء على الإرهاب مثله في ذلك مثل مكافحة الجريمة محليًا أو دوليًا فإنه يستند على أسس أخلاقية صلبة، ومن ثم فإن الحروب التي تمت ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق طالما حصلت على الدعم المُطلق من أمريكا والعالم.

لكن ومع إعلان بلينكن مراجعة قرار اعتبار الحوثي منظمة إرهابية؛ وهو الإعلان المُنتظر منه تخفيف المعاناة الإنسانية فإن أمريكا تعمل على إعادة تفسير بعض المبادئ: لماذا يتم شن الحرب ضد القاعدة وداعش على الرغم من التكلفة البشرية والمادية الباهظة بينما لا يتم التعامل مع الحوثي بذات النهج؟.

وتمامًا مثل ما اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل وفرض سيطرته عليها بعد انتزاعها من الحكومة العراقية؛ فقد قامت جماعة الحوثي بغزو صنعاء والإطاحة بالحكومة اليمنية، وتمامًا مثل ما قام تنظيم داعش بتأسيس الحكومة التي أعادت إلى أذهاننا الصورة الساخرة لأمراء القرون الوسطى؛ فإن حكومة الحوثي كانت بمثابة أضحوكة حيث تألفت من “لجان” دون وجود تسلسل هرمي واضح أو معايير للعمل.

وانطلاقًا من الدولة المزعومة التي قام تنظيم داعش الإرهابي بتأسيسها قام التنظيم بشن هجمات على مستوى المنطقة، حيث استهدفت تلك الهجمات لبنان وسوريا والعراق وتركيا ومصر، وبطريقة مُماثِلة وانطلاقًا من دولتهم المزعومة قام الحوثيون بشن هجمات ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والملاحة الدولية في كل من البحر الأحمر والمحيط الهندي، وباتت الأراضي التي يسيطر عليها كل من تنظيم داعش وجماعة الحوثي منبعًا لتصدير اللاجئين، ومن بقي في تلك الإراضي إما قُتِل أو تعرّض للعيش في ظروف قاسية.

واليوم؛ وبينما يدعو بلينكن إلى رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لأسباب إنسانية، لا يوجد في واشنطن من يدعو إلى رفع تنظيم داعش من قائمة المنظمات الإرهابية بغرض مساعدة العراقيين على مواجهة مصاعب الحرب؛ أو من أجل التفاوض للوصول إلى تسوية مع الإرهابيين.

والحقيقة أن وضع منظمة ما على قائمة الإرهاب لم يمنع مُطلقًا من التفاوض معها، وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي شرعت إسرائيل في إجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت حينها تُعتبر منظمة إرهابية قبل أن يتم رفعها من قائمة الإرهاب عقب المباحثات التي أفضت إلى السلام، وكذلك فإن حزب الله اللبناني مُثبت منذ العام 1996 على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية، وفي العام 2006 خاض حزب الله حربًا ضارية ضد إسرائيل استمرت 33 يومًا وانتهت بعد مفاوضات جرت بوساطة من الأمم المتحدة، حتى أنه تمت عملية تبادل للأسرى بين حزب الله وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة، والحكومات الأوربية أيضًا توصّلت إلى تسويات مع الجماعات الانفصالية التي كانت مُصنّفة كمنظمات إرهابية.

وإذا ما أرادت جماعة الحوثي الامتثال لشروط المجتمع الدولي فإن وضعها على قائمة الإرهاب لن يقف عائقًا أمام هذا الأمر، بل على العكس فإن قيام بلينكن برفع الحوثي من قائمة الإرهاب قبل التوصُل إلى اتفاق سلام ربما يُعتبر مكافأة لها.

والواقع أن معارضة بلينكن لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بوضع الحوثي على قائمة الإرهاب تعُد مسألة غير مُقنِعة، كما تفوح منها رائحة الضغينة الحزبية، كما أن مراجعة قرار اعتبار الحوثي منظمة إرهابية تعُد خطوة شبيهة بموقف الرئيس الأسبق باراك أوباما من إيران، وهذا الموقف لم يؤدي مُطلقًا للوصول إلى تسوية سلمية أو حلّ أيًا من الميليشيات الموالية لطهران والتي اعتادت على إثارة المتاعب في المنطقة.

وفي إطار مواجهة الإرهاب يجب على أمريكا أن تُظهِر قدرًا من المنطق وأن تكافح ضد جميع القوى الغير حكومية التي تتبنّى العنف، وما يضر بالمصداقية الأمريكية هو العمل ضد بعض الجماعات الإرهابية وإهمال جماعات أخرى، كما أن هذا الأمر يجعل العالم على يقين من أنه – بالنسبة للأمريكيين – فإن كل شئ قابل للتفاوض حتى المبادئ.

وهناك نصيحة هامة لبلينكن بأن يفصل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، فالانتخابات قد انتهت، وهذا ما يكرره دومًا الديمقراطيون للجمهوريين منذ الثالث من نوفمبر.

حسين عبد الحسين هو مدير مكتب صحيفة “الراي” الكويتية اليومية في واشنطن، وهو زميل زائر سابقًا في معهد “تشاتام هاوس” لندن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: