لن تفاجئ نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة من يراقب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن كثب، وهي الاستطلاعات التي تم إجراؤها بين الفلسطينيين حول موضوع دعم حل الدولتين، ووفقًا للبيانات الصادرة في الشهر الماضي عن مركز القدس للإعلام والاتصال، فإن دعم إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل يتناقص باطراد، وفي الوقت نفسه، يزداد التأييد بين الفلسطينيين لحل الدولة الواحدة وإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وتبلورت اتجاهات الرأي العام الفلسطيني حول هذين الاتجاهين منذ سنوات، والسؤال الآن هو إلى متى ستحافظ القيادة على جانبي الصراع على الوضع الراهن قبل غضب الشارع الفلسطيني، وعلى قمة الوضع الراهن تجلس السلطة الفلسطينية.

وليس من الصعب معرفة سبب تراجع التأييد لحل الدولتين، فقد شاهد الفلسطينيون إسرائيل وهي ترسخ احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية إلى درجة غير مسبوقة على مدى العقدين الماضيين، مع القليل من التنديد أو عدمه من قبل المجتمع الدولي. وما تبقى من عملية السلام هو الدعم الشفهي من جميع الأطراف بعد أن أذعن دونالد ترامب للعديد من المطالب الإسرائيلية، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

والأمر الأكثر إثارة لقلق للفلسطينيين هو أن العديد من الدول العربية أقامت علاقات أو أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل في غياب حل عادل للصراع، وكان ذلك هو ما تطمح له إسرائيل بعد الوصول إلى اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين، وهو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي وكذلك الاعتراف الأمريكي بمطالب إسرائيل بالقدس. وكلا هذين المرادين حدثا بدون أي تغيير في خارطة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أو الهيمنة على مجرى حياة الشعب الفلسطيني. وإذا كان هناك أي شيء يستحق الذكر، فهو أن إسرائيل صارت متحمسة أكثر لترسيخ احتلالها بفضل الدعم الدولي الجديد.

ولا تبدو الصورة مشرقة على الصعيد الداخلي الفلسطيني أيضاً، حيث إن القيادة الفلسطينية منفصلة عن نبض الشارع الفلسطيني ولا تشعر بالغضب المحتدم في صدور الجماهير، وبعد أن فشلت القيادة الفلسطينية في وقف تدمير ترامب لعملية السلام أو الحد من التقارب الإسرائيلي العربي، بدأ العديد من الفلسطينيين يتساءلون كيف يمكن لقيادتهم الطاعنة في السن المضي بهم قدمًا.

وفي الوقت نفسه، لا تزال الفجوة بين قيادة حماس في غزة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية متسعة. ويقترب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، البالغ من العمر 86 عامًا، من عامه العشرين في ولايته التي تبلغ أربع سنوات، وقد ألغى مؤخرًا الانتخابات التشريعية. وقال أكثر من 70 في المئة من الذي تم استطلاع آرائهم إن على عباس إعلان موعد جديد للانتخابات، وعلى الرغم التحديات الصعبة التي يواجها الفلسطينيون، فإن تلك التحديات ليست وليدة الأمس.

وفي حين لا تلوح أي تغيرات للوضع الراهن في الأفق، فإن إسرائيل قلقة للغاية حول الاستقرار طويل الأمد للسلطة الفلسطينية لدرجة أنها تحشد الجهود لزيادة التبرعات لعباس من قبل الحلفاء الأوروبيين والعرب. وفي الظاهر، قد تبدو دعوات إسرائيل للحصول على دعم مالي للسلطة الفلسطينية غير منطقية، لكنها تكشف المنطق الداخلي للاحتلال.

وباتت السلطة الفلسطينية الأداة الأكثر فاعلية لإسرائيل لاستمرار قمع الشعب الفلسطيني، فقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، المدربة والمجهزة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والأردن، هي خط الدفاع الأول للمصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية، وأي احتجاجات فلسطينية ضد الاحتلال تقابل أولاً بقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. وبفضل التبرعات من الدول الأوروبية والعربية، تمكنت السلطة الفلسطينية من تخصيص أموال كافية لجعل موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين مطيعين وغير راغبين في المخاطرة بكل شيء من خلال السماح بانتفاضة جديدة. ومن دون تدخل السلطة الفلسطينية، سيطلق الفلسطينيون حملة سلمية متواصلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، مثل الانتفاضة الأولى التي بدأت في أواخر الثمانينيات، وقد بذلت إسرائيل كل ما في وسعها لضمان عدم إشعال انتفاضة مثل الانتفاضة الأولى في شوارع الضفة الغربية وغزة.

وستستمر إسرائيل بالعمل على ضوء هذه الاستراتيجية من خلال توفير المزيد من الدعم للسلطة الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، تضاءلت التبرعات للسلطة الفلسطينية من 1.3 مليار دولار في عام 2011 إلى بضع مئات من الملايين، مما دفع ببعض موظفي الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج، إلى الضغط مباشرة على الدول الأوروبية لزيادة التبرعات قائلاً إنه من مصلحة إسرائيل أن تكون السلطة الفلسطينية “قوية ومستقرة”.

ولا يحتاج المرء إلى شهادة جامعية في سياسات الشرق الأوسط ليرى كيف أن وضعية الشعب الفلسطيني المحتقن وهو تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي تشابه برميل بارود جاهز للانفجار، وعرفت إسرائيل كيف تحكم سيطرتها على الشعوب الجياشة من خلال تعلمها من تجارب نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وجمهورية رودسيا ” زيمبابوي”. وقد عاش نموذجها الفريد للسيطرة عمرا مديدا، أطول بكثير من الأنظمة المماثلة الأخرى. ولكن، يعلمنا التاريخ أن أنظمة الأقليات القائمة على التمييز والعنصرية لا تدوم إلى الأبد. وقد يبدو الاحتلال قوياً وصارماً، لكنه سيتغير ويتحول في المستقبل. إن استقرار السلطة الفلسطينية هو أفضل مقياس لمعرفة متى سيترسخ التغيير في فلسطين. وعندما تنهار السلطة الفلسطينية، سيدخل الصراع فصلاً جديداً ومجهولاً.

 

جوزيف دانا هو كبير المحررين في إكسبونانشال فيو، وهي نشرة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، وقد شغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إميرج 85″، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: